شروط صحة اتفاق التحكيم

اتفاق التحكيم وشروط صحته في القانون المغربي اعداد: دامية اشهيبو طالبة باحثة في سلك الدكتوراه جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ سلا أصبح اللجوء إلى التحكيم في الوقت الراهن ضرورة ملحة، بالنظر إلى التطور الذي عرفه ميداني التجارة والخدمات، وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات وتشعب في القضايا المطروحة، كانت الباعث الأساسي في إيجاده كوسيلة قانونية تمكن الأطراف من حل خلافاتهم، بشكل سري وسريع و فعال مع منحهم مرونة وحرية أكثر، لا تتوفر عادة في قضاء الدولة. كل ذلك جعل التحكيم لا يقتصر على مجرد اعتباره نظاما استثنائيا لمنافسته لقضاء الدولة، أو حتى نظام مصاحب وقرين له، بل أصبح يشكل نظاما بديلا عنه أدى بجل الدول إلى الأخذ به وتنظيمه، وبيان قواعده، وتيسير أحكامه. والمغرب يعتبر من الدول التي أخذت بنظام التحكيم، حيث عمل على تنظيم التحكيم الداخلي من خلال قانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ: 28/09/1974 ، وذلك في الباب الثامن من القسم الخامس، خاصة الفصول من 306 إلى 327. غير أن هذه المقتضيات القانونية قد تم إلغاءها بموجب القانون رقم: 05-08 المؤرخ في: 30/11/2007 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ: 06/12/2007 ، والمعنون ب"التحكيم والوساطة الاتفاقية"، حيث قضى بنسخ وتعويض الباب الثامن من القسم الخامس من قانون المسطرة المدنية، والذي نظم في ثناياه كل من التحكيم الداخلي والدولي. والتحكيم ، حسب جانب من الفقه، هو : " اتفاق الأطراف على اختيار شخص ( محكم) أو أكثر ليفصل فيما يثور مستقبلا أو يثور فعلا بينهم من منازعات بحكم ملزم دون المحكمة المختصة" . وعليه، فالتحكيم هو حل نزاع من لدن محكم منفرد أو مجموعة محكمين، يتلقى أو يتلقون من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم، يلتزم من خلاله الأطراف باللجوء إليه قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة، تعاقدية أو غير تعاقدية. وقد حدد المشرع المغربي، على غرار التشريعات المقارنة، أشكال اتفاق التحكيم من خلال مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 307 من القانون رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، التي نصت على أنه: " يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم". فعقد التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية (المادة 314 من قانون 05-08) . كما عرفه جانب من الفقه على أنه: " الاتفاق الذي يتم بين الطرفين بعد قيام النزاع بينهما لعرض هذا النزاع على التحكيم". أما شرط التحكيم، فهو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور (المادة 316 من القانون رقم: 05ـ08). فشرط التحكيم اذن يتعلق بنزاع لم يولد بعد، فهو شرط قد يتم إعمال مقتضياته وقد لا يتم إعمالها. وهو يختلف عن عقد التحكيم، على اعتبار أن هذا الأخير متعلق بنزاع تحقق ونشأ فعلا. واتفاق التحكيم سواء أكان عقدا أم شرطا، فانه يقوم على أساس مبدأ سلطان الإرادة، الذي يشكل أساس مشروعية التجاء الأطراف إلى التحكيم، ومنه يستمد المحكم سلطته في الفصل في النزاع. ويترتب على عدم وجود الاتفاق المذكور، انعدام حكم التحكيم، واعتباره كأن لم يكن، وذلك لانعدام ولاية المحكم في إصداره، كما يقع باطلا أيضا الحكم الذي يستند على اتفاق تحكيم اختلت فيه شروطه. غير أنه ومتى أبرم وفق الشكل الصحيح، إلا وتترتب عليه كافة الآثار القانونية الملزمة للمتعاقدين، ومن يحل محلهما في حقوقهما والتزامهما، ولعل من أبرزها نزع الاختصاص عن المحاكم القضائية، وجعل هيئة التحكيم هي المختصة . وعليه، فمناط اختصاص القضاء، هو صحة أو عدم صحة اتفاق التحكيم، فإن صح اتفاق التحكيم، فإن القضاء يرفع يده عن البت، ويعود الاختصاص والحالة هذه لهيئة التحكيم. أما ان اختل، فيسترد قضاء الدولة اختصاصه الأصيل بنظر النزاعات المثارة بين الأفراد، بدل هيئة التحكيم. فمتى يمكن القول أن اتفاق التحكيم صحيح، وأنه مرتب لآثاره القانونية، والتي من أهمها سلب النزاع عن سلطة القضاء؟ وعموما ماهي الشروط التي بتوافرها، يمكن القول بصحة أو عدم صحة اتفاق التحكيم؟ وعليه، سنعمل هنا على دراسة الشروط الواجب توافرها في اتفاق التحكيم لقيامه صحيحا منتجا لآثاره، والتي يمكن تصنفيها إلى نوعين من الشروط : شروط موضوعية وأخرى شكلية، سنحاول دراستها على الشكل التالي: أولا: الشروط الموضوعية لاتفاق التحكيم يتطلب لصحة اتفاق التحكيم، عقدا كان أو شرطا، أن تتوافر فيه الشروط اللازمة لصحة أي عقد بصفة عامة، والتي تحددها النظرية العامة للعقود ويتعلق الأمر بأركان قيام العقد، وهي: التراضي والأهلية والمحل والسبب، والتي سنعمل على دراستها تباعا. 1ـ التراضي في اتفاق التحكيم التراضي باعتباره ركن من أركان اتفاق التحكيم، لا تقوم لهذا الاخير قائمة بدونه، ومفاده أن تتجه إرادة الأطراف المتطابقة في اللجوء إلى التحكيم كبديل لقضاء الدولة . وبعبارة أخرى أن اتفاق الشخص الذي يصدر الرضا عنه، سواء أكان من أبرم العقد باسمه ولحسابه أو كل من اتجهت إرادته إلى الالتقاء بإرادة أخرى، لاتخاذ التحكيم سبيلا لتسوية منازعاتهما، بعيدا عن قضاء الدولة، الا و يتحقق به التوافق بين الإرادتين على إحداث هذا الأثر القانوني المرغوب فيه. ويكون التراضي متحققا بالنسبة لشرط التحكيم، وذلك بالمفاوضات التي تدور حول كل بنود أو شروط العقد، ومن بينها شرط التحكيم، تم الاتفاق على مجمل العقد في النهاية. وليس ثمة هناك حاجة إلى تراض خاص بشأن شرط التحكيم. أما بالنسبة لعقد التحكيم، فان التراضي يتحقق بقبول مبدأ التحكيم ذاته كموضوع للعقد، واثبات التراضي على ذلك كتابة إضافة إلى توقيع عقد التحكيم من الأطراف . وفي هذا الصدد، نستحضر قرارا صادرا عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ: 06/11/1987 في قضية هضبة الأهرام المصرية، المتعلق بالاتفاق المبرم بين الهيئة المصرية للسياحة والفنادق " E.G.O.T.H" وبين شركة ممتلكات جنوب الباسفيك "S.P.P"، بتاريخ: 23/12/1984، والموقع عليه من لدن وزير السياحة المصرية. إذ أيدت محكمة النقض قرار محكمة الاستئناف بباريس، حينما ألغت الحكم التحكيمي الصادر عن غرفة التجارة الدولية بباريس بتاريخ: 16/07/1984، مستندة في ذلك إلى أن العقد قد خلا من شرط التحكيم الذي نص على "إحالة أي منازعة خاصة بهذا العقد إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس"، فانه لا يمكن افتراض توفر رضا الدولة المصرية بالتحكيم. وإذا كان العقد قد احتوى على شرط التحكيم، فان الحكومة المصرية لم تكن طرفا فيه، حتى ولو تم توقيعه من طرف وزير السياحة، لأن توقيعه قد تم بما له من سلطة وصاية، ولم يكن ممثلا للحكومة المصرية، والتي لم تنصرف إرادتها إلى الالتزام بشرط التحكيم، بل يقتصر هذا الالتزام بطرفيه فقط، شركة " E.G.O.T.H" و شركة "S.P.P". كما لا يمكن اعتبار توقيع مصر على مستند المهمة، بمثابة تراض على التحكيم . وأخيرا، لابد من التذكير على أن اتفاق التحكيم، كأي عقد أساسه الإرادة، إذا انتفت عنه كان العقد باطلا ومنعدما. لذا وجب أن يكون التراضي سليما، قائما على إرادة متبصرة بموضوع اتفاق التحكيم، وعلى إرادة حرة غير مضطرة إلى إبرام هذا الإتفاق، مع ضرورة أن يقع هذا التعبير بشكل صريح وواضح، وذلك حتى لا تثار صعوبات حول استجلاء إرادة الطرفين في اللجوء إلى التحكيم من عدمه. 2 ـ الأهلية في إبرام اتفاق التحكيم لما كان اتفاق التحكيم تصرفا قانونيا، تتجه إرادة طرفيه إلى إحداث أثر قانوني، والمتجلي في نزع الاختصاص عن القضاء في نظر منازعات الأطراف، ومنحه لهيئة التحكيم. كان من الضروري، أن تتوفر لدى كل طرف أهلية الأداء اللازمة لصدور إرادة كافية لإبرام الاتفاق. ومناط أهلية الأداء، هو توفر أهلية التصرف في الحقوق، فكل من يملك التصرف في حقوقه المالية أصلا أو بإذن من المحكمة أو بحكم القانون، يكون أهلا لإبرام اتفاق التحكيم. وقد نص المشرع المغربي على ضرورة توافر الأهلية، إذ جاء في الفقرة الأولى من المادة 308 من القانون رقم: 05ـ08، المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، ما يلي: " يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين، أن يبرموا اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها..." فالمشرع المغربي، سمح لكل من توافرت فيه الأهلية الكاملة في إبرام اتفاق التحكيم. وعليه، وبمفهوم المخالفة، فإن كل من لم يتوافر فيه شرط كمال الأهلية، فهو ممنوع من إبرام اتفاق التحكيم، وينصرف ذلك على القاصرين، وناقصي الأهلية الذين ليس بوسعهم إبرام اتفاق التحكيم إلا إذا أذن لهم بذلك، أو قضي بترشيدهم، أو باشروا هذا الأمر بواسطة نائبهم القانوني. وتجدر الاشارة هنا الى أن المشرع، عندما سمح لكل الأشخاص، سواء كانوا ذاتيين أو معنويين، أن يبرموا اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها، فانه لم يميز بين أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص، مما يفيد أن المشرع المغربي من خلال القانون رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، قد تجاوز ذلك الحظر الذي كان مقررا لأشخاص القانون العام عند إبرام اتفاقات التحكيم من قبلهم، وذلك قبل صدور هذا القانون. على أنه، وان كان قد سمح بلجوء هؤلاء الأشخاص إلى هذه الوسيلة، إلا أنه قد قيد هذا اللجوء بشروط. إذ بالرجوع إلى مقتضيات المادة 310 من القانون رقم: 05ـ08، نجد أن المشرع قد منع التحكيم في النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية من جهة أولى، ومن جهة ثانية قيد اللجوء إلى التحكيم في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية بضرورة التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة والوصاية، سواء تعلق الأمر بالدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو حتى المقاولات العمومية كل حسب مضمون الوصاية المقررة له. 3 ـ محل اتفاق التحكيم: الأصل أن القضاء هو المختص بالبت في كافة النزاعات بالنظر لكونه صاحب الولاية العامة في تحقيق الحماية للحقوق والمراكز القانونية. لذا، يبقى اللجوء إلى التحكيم كوسيلة بديلة عنه، بمثابة استثناء من الأصل، يتعين للجوء إليه أن يكون محل النزاع مما يقبل التسوية عن طريقه. ويقصد بمحل اتفاق التحكيم، تلك المنازعة التي يراد حسمها عن طريق التحكيم، والتي يجب أن تقبل التسوية بواسطته، والذي يرتبط وجوده بوجودها. غير أن المنازعة التي تكون محلا لاتفاق التحكيم، قد توجد مستقبلا في شرط التحكيم، وقد تكون موجودة حالا في عقد التحكيم، الذي يتم إبرامه بسبب نزاع قائم بالفعل. وطالما أن اتفاق التحكيم، هو عقد كسائر العقود، فان محله يجب أن تتوفر فيه الشروط العامة المتطلبة في محل الالتزامات التعاقدية بوجه عام، والواردة في المواد من 57 إلى 61 من قانون الالتزامات والعقود، حيث يجب أن يكون محل اتفاق التحكيم، موجودا وممكنا ومعينا أو قابلا للتعيين، وأن يكون مشروعا. وإضافة إلى الشروط السابقة، لابد وأن ينصب محل اتفاق التحكيم على نزاع مالي في إطار القانون الخاص بين طرفي العلاقة القانونية، والذي يفترض فيه أنه يقبل الصلح. أما إذا كان لا يقبله، فقد اتفقت جل التشريعات بما في ذلك التشريع المغربي على عدم جواز التحكيم بشأنه. وهذه المسالة تعتبر من النظام العام، يترتب على عدم مراعاتها في اتفاق التحكيم بطلانه . وتجدر الإشارة إلى أن هناك تطابق بين محل التحكيم ومحل الصلح. إذ ما يجوز فيه الصلح يجوز فيه التحكيم، و ما لا يجوز فيه الصلح لا يجوز فيه التحكيم. وقد حرصت بعض التشريعات على التنصيص صراحة على هذا المبدأ، إذ نص المشرع المصري في المادة 11 من القانون رقم: 27 لسنة 1994 في شقها الأخير على أنه: " لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح". في حين أن المشرع المغربي، لم ينص صراحة على المبدأ السابق إلا أنه قد أحال عليه ضمنا من خلال النصوص المنظمة للتحكيم. فالمشرع المغربي عمد إلى تحديد المسائل التي تخرج عن نطاق التحكيم، وهي نفس المسائل التي لا يجوز أن تكون موضوع صلح. إذ نص المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 309 من القانون رقم: 05 ـ 08، على أنه: " مع مراعاة مقتضيات الفصل 308 أعلاه، لا يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة". وأضاف من خلال المادة 310 من نفس القانون على أنه: " لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية. غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ماعدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي". فالمسائل التي تخرج عن نطاق التحكيم، هي نفس المسائل التي تخرج بدورها عن نطاق الصلح، فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 1100 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، نجدها تنص على أنه: " لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام أو بالحقوق الشخصية الأخرى الخارجة عن دائرة التعامل ولكنه يسوغ الصلح على المنافع المالية التي تترتب على مسألة تتعلق بالحالة الشخصية أو على المنافع التي تنشأ عن الجريمة". وعموما، فهناك مجالان لا يجوز فيهما التحكيم: مسائل الأحوال الشخصية، والمسائل المتعلقة بالنظام العام. فمسائل الأحوال الشخصية، لا تصلح لأن تكون محلا لاتفاق التحكيم، لاتصالها بوضع الشخص ومركزه داخل الأسرة، بحيث لا يجوز مثلا التحكيم في مسالة تتعلق بمدى شرعية الولد أم لا، وبما إذا كان الشخص وارثا أو غير وارث، في حين أنه يجوز التحكيم في المسائل والمصالح المالية التي تترتب عليها. أما المسائل المتعلقة بالنظام العام، والتي لا يجوز التحكيم فيها، تكون مرتبطة بالدرجة الأولى بالقواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد، والمتعلقة بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم، وتعلو فيه على مصالح الأفراد. ومن أمثلة تلك المسائل المتعلقة بحالة الشخص وأهليته، المسائل الجنائية، المنازعات المتعلقة بصحة براءات الاختراع، أو العلامات التجارية، أو تلك المتعلقة بكسب الجنسية أو فقدها . مما سبق، يتبين أن محل التحكيم يحتل أهمية بارزة للقول بصحة أو عدم صحة اتفاق التحكيم، ويبقى على قاضي الموضوع تحديد ما إذا كان موضوع النزاع يقبل التسوية عن طريق التحكيم أم لا مسترشدا في ذلك بالقانون المنظم للتحكيم أي القانون رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية. 4 ـ السـبب في اتفاق التحكيم: نظم المشرع المغربي نظرية السبب في المواد من 62 إلى 65 من قانون الالتزامات والعقود، والتي تناول من خلالها أحكام السبب في القانون المغربي. إذ اشترط المشرع لصحة أي اتفاق بصفة عامة، ضرورة وجود السبب، وأن يكون هذا السبب مشروعا غير مخالف للنظام العام والآداب العامة، إلا أنه في حالة عدم ذكره، افترض المشرع أن لكل اتفاق سببا حقيقيا ومشروعا. واتفاق التحكيم كغيره من الاتفاقات، يجب أن يتضمن ركن السبب وفق نفس الشروط التي حددها المشرع المغربي في هذا الإطار. وهذا ما أكده من خلال مقتضيات المادة 308 من القانون رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، عندما نص على ضرورة التقيد بمقتضيات قانون الالتزامات والعقود، ولاسيما الفصل 62 منه، عند إبرام اتفاق التحكيم. ومفاد السبب في اتفاق التحكيم، هو اتجاه إرادة الأطراف إلى استبعاد طرح النزاع على القضاء، وتفويض الأمر بذلك إلى المحكمين، والسبب على هذا النحو يعتبر مشروعا دائما. ثانيا: الشروط الشكلية لاتفاق التحكيم إذا كان اتفاق التحكيم، يختلف من حيث أشكاله، شرطا كان أم عقدا، فإنهما يلتقيان كليها حول ضرورة توفر شرط شكلي، استلزمه المشرع لقيام اتفاق التحكيم صحيحا منتجا لآثاره، ويتعلق الأمر بشرط الكتابة. إذ لابد أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا، فالاتفاق الشفوي لا يعتد به في هذا الصدد. وهذا ما استقرت عليه جل التشريعات الوطنية إلى جانب اتفاقيات التحكيم الدولية. فقانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي رقم: 05ـ08، نص من خلال مقتضيات المادة 313 منه، على أنه: " يجب أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة..". ونص قانون التحكيم المصري على نفس المقتضى من خلال مقتضيات المادة 12 من القانون رقم: 27 لسنة 1994، على أنه: " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلا". ودراسة شرط الكتابة يقتضي منا بداية تحديد الشكل الذي استلزمه القانون في هذا الشرط، قبل أن نتطرق بعد ذلك إلى تحديد طبيعته وفق الشكل التالي: 1 ـ الشكل الكتابي المتطلب قانونا: سبقت الإشارة إلى أن المشرع المغربي، عمل من خلال مقتضيات المادة 313 من القانون رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، على تحديد الشكل الكتابي المتطلب قانونا لإبرام اتفاق التحكيم، فهو إما أن يأخذ شكل عقد رسمي أو عقد عرفي، وإما أن يرد في محضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة. وقد توسع المشرع المغربي في مفهوم الكتابة، ونص من خلال مقتضيات الفقرة 2 من المادة 313 من نفس القانون، على أنه: " يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف، أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال، والتي تعد بمثابة الاتفاق تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك". وبالتالي، يمكن أن يرد اتفاق التحكيم إما في شكل عقد رسمي أو عرفي، كما يمكن أن يضمن في المحاضر المنجزة من طرف هيئة التحكيم، أو أن يرد في شكل وثيقة موقعة من الأطراف، أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال، إلى جانب أنه يمكن أن يرد من خلال تبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم، ولكن ذلك مقيد بعدم منازعة الطرف الآخر له في ذلك. غير أن اعتماد الصياغة الالكترونية لاتفاق التحكيم، يدفع إلى التساؤل عن مدى حجيتها القانونية في الإثبات؟ والجواب على هذا السؤال، نستشفه من خلال مقتضيات المادة 1ـ417 من القانون رقم: 05ـ53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية الصادر بتاريخ:06/12/2007، والذي اعتبر من خلالها المشرع المغربي أن الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية تتمتع بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية، على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شانها ضمان تماميتها. كما اعتبر المشرع في مقتضيات المادة 3ـ417 من نفس القانون على أن كل وثيقة مذيلة بتوقيع الكتروني مؤمن، أي الذي يتم إنشاؤه وكانت هوية الموقع مؤكدة وتمامية الوثيقة القانونية مضمونة بذلك، والمختومة زمنيا بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المصادق على صحة توقيعها والمذيلة بتاريخ ثابت. 2 ـ طبيعة شرط الكتابة: إذا كان الاتفاق على التحكيم، شرطا كان أو عقدا، يعتبر تصرفا من التصرفات التي تنعقد بإرادتين، فانه يلزم لوجود هذا الاتفاق، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، توافر أركانه وهي الرضا والأهلية والمحل والسبب، والى جانب هذه الشروط هناك الشرط الشكلي المتعلق بالكتابة، الذي أوجبته جل التشريعات المنظمة للتحكيم. غير أن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بطبيعة شرط الكتابة في اتفاق التحكيم، فهل تعتبر الكتابة ركنا من أركان اتفاق التحكيم أم شرطا لصحته؟ أم مجرد وسيلة لإثباته؟ اختلفت الأنظمة القانونية فيما بينها بخصوص شرط الكتابة في اتفاق التحكيم. فهناك من الأنظمة القانونية، من اعتبر الكتابة المتطلبة في اتفاق التحكيم مجرد وسيلة للإثبات. ومن هذه الأنظمة، نجد مثلا كل من المشرعين التونسي والسوري. إذ نص المشرع التونسي من خلال مقتضيات الفقرة 1 المادة 6 من مجلة التحكيم التونسية عدد: 42 لسنة 1996 ، على أنه: " لا تثبت اتفاقية التحكيم إلا بكتب سواء كان رسميا أو خط يد أو محضر جلسة أو محضرا محررا لدى هيئة التحكيم التي وقع اختيارها". فالكتابة اعتبرها المشرع التونسي وسيلة لإثبات اتفاق التحكيم وليست شرطا من شروط انعقاده، سواء أكانت الكتابة بمقتضى محرر رسمي أو عرفي. كما نص المشرع السوري من خلال مقتضيات المادة 509 من قانون التحكيم السوري المستخرج من قانون أصول المحاكمات المدنية ، على أنه: " لا يثبت التحكيم إلا بالكتابة". ويرى جانب من الفقه، أنه إذا نص المشرع صراحة على جعل كتابة اتفاق التحكيم للإثبات، فان الكتابة والحالة هذه تكون للإثبات وليست للانعقاد. ومن تم يجوز إثبات هذا الاتفاق بالكتابة أو ما يقوم مقامها من إقرار ويمين حاسمة. ويستطرد هذا الجانب من الفقه بالقول، بأنه لا معنى للاعتراف بالكتابة كوسيلة إثبات، ثم نعود بعد ذلك، ولا نسمح بهذا الإثبات إلا بالكتابة. إذ أن من المقرر أن الإقرار واليمين الحاسمة، هما وسيلتان من وسائل الإثبات يصح الإثبات بأيهما في الحالات التي يجب إثباتها بالكتابة . ويرى جانب آخر من الفقه، أنه لما كانت قواعد الإثبات الموضوعية لا تتعلق بالنظام العام، فمن الواجب الاعتداد بإرادة الأطراف في مسطرة التحكيم، بحيث إذا اتفق الأطراف على جواز الإثبات بغير الكتابة، فيما كان يجب إثباته بها، صح اتفاق التحكيم لان قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام . في حين أن هناك أنظمة قانونية أخرى، تشترط الكتابة كشرط انعقاد وليس كشرط للإثبات، من بينها المشرع المغربي والمصري والفرنسي. فبالنسبة للمشرع المغربي، نجد أنه اعتبر كتابة اتفاق التحكيم شرط انعقاد، ونص على وجوب إبرام اتفاق التحكيم كتابة إما على شكل عقد رسمي أو عرفي أو محضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة. وأمام صراحة هذا النص، يتبين أن اتفاق التحكيم هو من العقود الشكلية التي يتوقف انعقادها على إفراغها في سند كتابي، فلا يمكن إقامة الدليل على اتفاق التحكيم شفويا أو بأية وسيلة أخرى حتى بالإقرار. أما المشرع المصري فقد نص من خلال مقتضيات المادة 12 من القانون رقم: 27 لسنة 1994 المتعلق بالتحكيم في المواد المدنية والتجارية، على ما يلي:" يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا و إلا كان باطلا". وهو نفس ما سار عليه المشرع الفرنسي، عندما نص من خلال مقتضيات المادة 1443 في شقها الأول من قانون المسطرة المدنية الفرنسي كما تم تعديله، على بطلان اتفاق التحكيم إذا لم يكن مكتوبا . وعليه، يتبين من خلال النصوص السابقة أن اتفاق التحكيم، يتعين أن يكون مكتوبا تحت طائلة البطلان. إذ اتجهت إرادة المشرع صراحة على اعتبار الكتابة ركنا لقيام اتفاق التحكيم، وليست مجرد وسيلة لإثباته، ولما كانت الكتابة تعد ركنا شكليا في الاتفاق على التحكيم، فان البطلان الناشئ عن تخلفها، يعتبر بطلانا مطلقا متعلقا بالنظام العام. وختاما في بحث شروط صحة اتفاق التحكيم، يمكن القول بضرورة التثبت من صحة اتفاق التحكيم بشروطه الموضوعية والشكلية، لأن من شأن ذلك أن يساهم في تحقيق فعالية التحكيم، من خلال السماح للأطراف اللذين يفضلون اللجوء إلى هذه الوسيلة من إحاطة اتفاقاتهم بعناية قصوى عند تحريرها، حتى لا يكون مصير الأحكام التحكيمية البطلان، وبدل أن يكون الهدف من التحكيم، هو تحقيق السرعة في البت في النزاعات يكون نقمة على أطرافه، وإهدارا لوقتهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني