إستئناف قرارات النيابة العامة

 



"خصوصية إستئناف قرارات النيابة العامة في القانون اليمني"

 

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*




*▪️للنيابة العامة سلطات عدة من اهمها سلطة التحقيق، وعند مباشرة المسالة لهذه السلطة تصدر من النيابة قرارات بصفتها تباشر سلطة التحقيق وليس سلطة الحكم، ولخطورة اوامر النيابة في هذه المرحلة ومساسها بحقوق ومصالح اطراف القضية الجزائية التي تتولى النيابة التحقيق فيها فقد اجاز قانون الاجراءات الطعن فيها غير ان اجراءات هذا الطعن ومواعيده وإجراءات نظره من قبل محكمة الاستئناف له خصوصيته التي تميزه عن الطعن في الاحكام الصادرة من المحاكم حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20 فبراير 2013 في الطعن رقم (46150) حيث قضى هذا الحكم بانه ((اما من حيث الموضوع فقد تبين ان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه بالمخالفة للقانون والخطأ في تطبيقه وان المطعون ضده قد دفع بعدم جواز نظر الطعن كون الحكم محل الطعن ليس منهياً للخصومة...الخ)).*


*▪️وبرجوع الدائرة إلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه تبين لها انه قد انهى الخصومة الاستئنافية حول قرار النيابة بان  لا وجه لإقامة الدعوى وفصل في شكل الاستئناف وموضوعه وجاء مصرحاً بإلغاء قرار النيابة بان لا وجه لإقامة الدعوى قبل الطاعن، ومما لا ريب فيه ان القانون اجاز الطعن في الأوامر المتعلقة بالتحقيق الصادرة عن النيابة قبل مرحلة المحاكمة انما هدف لمنع حدوث أي خطأ محتمل فيما يصدر عن سلطة التحقيق من الأوامر التي يقصد بها صرف النظر عن إقامة الدعوى الجزائية امام محكمة الموضوع لأحد الأسباب التي بينها القانون حماية للنفس الإنسانية التي كرمها اللَّه من ان تساق إلى القضاء الجزائي ولم تكن قد اقترفت جناية، لكن ذلك لا يعني عدم خضوع ما تصدره محكمة الاستئناف من احكام بما لها من سلطة رقابية على تلك الأوامر للطعن امام المحكمة العليا وإلا بقى حكمها دون معقب وذلك ما لا يجوز، فلا ينطبق على ذلك ما نص عليه قانون الاجراءات بالمادتين (415) و (432) إجراءات بإعتبار ان المادتين تناولتا ما يصدره القاضي الذي ينظر في الدعوى في محكمة الموضوع من القرارات التمهيدية غير المنهية للخصومة اثناء الترافع لا ما تصدر محكمة الاستئناف بصدد الأوامر المتعلقة بالتحقيق قبل مرحلة المحاكمة والتي تصدر عن النيابة بصفتها سلطة تحقيق لا سلطة حكم وقبل سماع المرافعة التفصيلية والاحاطة بالدعوى والدفوع التي تتم بعد الإحالة إلى المحكمة، الامر الذي يعني عدم صحة ما ورد في الدفع  مما يتعين رفضه، وحيث ان القانون قد اعطى محكمة الاستئناف سلطة نظر قرارات النيابة المتعلقة بالتحقيق في غرفة المداولة لتفصل فيها على وجه السرعة بعد سماع رأي النيابة وأقوال المتهم، فالثابت في الأوراق ان محكمة الاستئناف خالفت القانون في ذلك حيث قامت بعقد عدة جلسات علنية نظرت فيها القضية وخلصت إلى الحكم بإلغاء قرار النيابة مما يجعل الحكم الاستئنافي موصوما بالبطلان مستوجباً النقض))* 


*▪️وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:* 


*الوجه الأول: طبيعة الاوامر الصادرة عن النيابة العامة بإعتبارها سلطة تحقيق وليس سلطة حكم :*

➖➖➖

*▪️بمقتضى القانون تتولى النيابة التحقيق في القضايا الجزائية والتصرف فيها، وفي أثناء ذلك تصدر النيابة اوامر عدة منها الأمر بأن لاوجه لأقامة الدعوى، وهذه الاوامر وإن كانت تشابه الأحكام الصادرة عن المحاكم الا ان هذه الأوامر لها طبيعتها الخاصة التي تميزها عن الاحكام الصادرة من المحاكم، فتلك الاوامر تصدر عن النيابة بصفتها سلطة تحقيق وليس سلطة حكم ، ولذلك فان القواعد والمبادى تقتضي جواز إستىناف تلك الاوامر امام محكمة الاستئناف التي تتولى الرقابة على سلامة الاوامر الصادرة عن النيابة العامة وموافقتها للقوانين وعدم إهدارها لحقوق الإنسان في أثناء التحقيق حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، ولذلك فقد نص قانون الإجراءات الجزائية على جواز الطعن بالاستئناف في الأوامر الصادرة من النيابة العامة بان لا وجه لإقامة الدعوى والأمر بحبس المتهم إحتياطياً والأوامر المتعلقة بمسائل الاختصاص خلال عشرة أيام والطعن من قبل النيابة في الأمر الصادر بالافراج عن المتهم المحبوس إحتياطياً خلال ثلاثة أيام حسبما ورد في المواد (224 و 225 و 226 و 227) إجراءات.* 


*الوجه الثاني: جلسات نظر محكمة الاستئناف في الطعن بالأوامر الصادرة عن النيابة :*

➖➖➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم الاستئنافي، لان محكمة الاستئناف التي اصدرت الحكم كانت قد قامت بعقد جلسات علنية لنظر استئناف أمر النيابة العامة بان لا وجه لإقامة الدعوى حيث اتبعت محكمة الاستئناف الإجراءات ذاتها المتبعة في عقد الجلسات العلنية مثل القضايا الأخرى متجاهلة الإجراءات الخاصة بنظر الاستئناف في اوامر النيابة.*


*الوجه الثالث: جلسات نظر إستئناف أوامر النيابة العامة :* 

➖➖

*▪️لا شك ان اجراءات نظر إستئناف اوامر النيابة العامة تختلف عن اجراءات نظر استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية، وفي هذا المعنى نصت المادة (228) إجراءات على ان ((يتم الطعن بتقرير في دائرة الكتاب بالنيابة العامة أو بمحكمة الاستئناف المختصة لتفصل فيه على وجه الاستعجال في غرفة المداولة بعد سماع رأي النيابة العامة وأقوال المتهم ويجب على النيابة العامة في جميع الأحوال ان ترسل الأوراق إلى المحكمة المختصة فوراً)) ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر جلياً من صيغة النص انها تفيد الوجوب، ومعنى ذلك انه لا مناص من قيام محكمة الاستئناف بنظر إستئناف أوامر النيابة العامة في غرفة المداولة في جلسة غير علنية ويجوز للمحكمة ان تنظر إستئناف أمر النيابة في مكتب القاضي أو غرفة المداولة بل وحتى في قاعة جلسات المحاكمة المعتادة شريطة ان لا يتم ذلك في جلسة علنية يحضرها الجمهور، وبما ان النص السابق آمر يفيد الوجوب فان جزاء مخالفته البطلان مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.*


*الوجه الرابع: جواز الطعن بالنقض في الأحكام الاستئنافية التي تفصل في أوامر النيابة العامة :* 

➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بان حكم المادة (432) إجراءات الذي نص على عدم جواز الطعن في الأحكام غير المنهية للخصومة لا يسري على أحكام الاستئناف الصادرة في اوامر النيابة حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا حيث نصت المادة (432) إجراءات على أنه ((يجوز الطعن بطريق النقض في الأحكام المنهية للخصومة والصادرة من محاكم إستئناف المحافظات اما الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع فلا يجوز الطعن فيها الا مع الطعن في الحكم المنهي للخصومة مالم يترتب عليها وقف السير في الدعوى)) وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان ما ورد في هذا النص لا يسري على أحكام الاستئناف التي تفصل في الطعون في اوامر النيابة العامة لان النيابة تصدرها بصفتها سلطة تحقيق وليس سلطة حكم، وفي هذا المعنى قضى الحكم محل تعليقنا بان المادة (415) اجراءات لا تسري أيضاً على الأوامر الصادرة عن النيابة العامة لان النيابة تصدرها باعتبارها سلطة تحقيق وليس سلطة حكم حيث نصت المادة (415) على أنه ((لا يجوز الطعن في القرارات الصادرة اثناء المحاكمة إلا مع الحكم الفاصل في الموضوع باستثناء القرارات المتعلقة بالتفتيش وضبط الاشياء والقبض والحبس الاحتياطي او الحجز على الأموال او عند إتخاذ قرار بعدم الاختصاص او بعدم جواز نظر الدعوى وسبق الفصل فيها ولا يترتب على الطعن وقف السير في الدعوى مالم ينص القانون على خلاف ذلك)) فهذا النص يتناول القرارات الصادرة في اثناء المحاكمة قبل فصل المحكمة في الموضوع في حين ان النيابة حينما تصدر الأوامر ليس هناك موضوع تفصل فيه لانها ليست سلطة حكم بل سلطة تحقيق، فتلك الأوامر تصدر منها بصفتها سلطة التحقيق، واللَّه أعلم.*

------------------------------------

*▪️تم النشر في مدونة القاضي أنيس جمعـان في facebook بتاريخ 6 سبتمبر 2021م*

تعليقات

  1. البعض يحاول الحصول على جانب جنائي لكي يتهرب من تقديم دعوى أمام محكمة الموضوع

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني