الضرر الدائم السابق لشراء المسكن

 

الضرر الدائم السابق لشراء المسكن

جاءت الشريعة الاسلامية منع الضرر قبل وقوعه ورفعه إذا وقع ، واستهدفت القوانين المختلفة رفع الضرر الواقع ومنع وقوعه، ولاشك ان معيار وجود الضرر معيار موضوعي وليس شخصيا، ولاريب ان لمضار الجوار في المساكن طبيعتها الخاصة، حسبما اشار إليه الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/3/2015 في الطعن رقم (56846)، فقد ورد ضمن اسباب هذا الحكم: (وحيث ان جوهر الخلاف هو الحمام الذي أقامه الطاعن في الممر المشترك فيما بين الطاعن والمطعون ضدها الذي قام الطاعن ببنائه قبل شراء المطعون ضدها لبيتها، ولذلك فقد قضت المحكمة الابتدائية بعدم قبول دعوى المطعون ضدها ،لأن بناء جدار الحمام كان قبل شراء المطعون ضدها للبيت ، ولكن الشعبة الاستئنافية الغت الحكم الابتدائي وقضت على خلاف قضاء الحكم الابتدائي، غير انه كان يجب على الحكم الاستئنافي طالما انه قد قضى على خلاف الحكم الابتدائي كان يجب عليه ان يناقش كافة اسباب الحكم الابتدائي ، وان يذكر سبب قضاء الحكم الاستئنافي بخلاف قضاء الحكم الابتدائي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الأتية:

الوجه الاول: معنى الضرر الدائم في المساكن:

 هو الضرر الذي يقع للجار في المسكن نتيجة سوء استعمال جاره حقه الملكية ويظل لذلك الضرر مستمرا وملازما للمسكن حتى لو تغير مالكه أو شاغله ،فالمضار أو مصدر الضرر يظل موجودا في المسكن ، فيتضررمن ذلك الساكن في المسكن المجاور، شريطة أن يكون الضرر الصادر من المسكن المجاور من الأضرار غير المألوفة، ويظل هذا الضرر مستمرا فيتضرر منه الملاك المتعاقبين للمسكن المجاور.

ومصادر الاضرار الدائمة في المساكن كثيرة: مثل فتح باب أو نافذة إلى المسكن المجاور من غير الإلتزام بالمسافة القانونية المحددة لذلك ، ومد أنبوب المجاري على ظهر البناء من غير ان تكون هناك مسافة قانونية او فتح ميزاب للماء الى فناء دار الغير او إستحداث جدار او بناء في الطريق المشترك بين الدارين مما يترتب عليه تضييق الطريق المشترك بين الدارين أو بناء حمام إلى جدار المنزل المجاور....الخ.

الوجه الثاني: الضرر الناتج عن الإستعمال المشروع للحق:

يصرح القانون المدني ان من استعمل حقه إستعمالاً مباحاً وفقاً للقوانين والانظمة النافذة لا يكون مسئولاً عن الضرر الذي قد يحدث للغير نتيجة إستعمال المالك لحقه.

 فمن قام بالبناء في ملكه بحسب الاحكام والضوابط المحددة في القوانين والنظم النافذة فقام هذا المالك بفتح النوافذ والابواب والميازيب إلى ملكه ،وقام بتركيب انابيب المجاري وغرف تفتيش المجاري في ملكه بحسب الضوابط والاحكام المقررة في اللوائح والانظمة النافذة ،فيتضرر جاره من ذلك ، فلا يحق لجاره الإدعاء بتضرره من نوافذ أو مجاري أو ميازيب جاره أو المطالبة بإزالة الضرر، لان المالك الذي يستعمل ملكه إستعمالاً مشروعا بحسب وثيقة ملكيته وبحسب القوانين واللوائح النافذة لايضمن الضرر الذي يحدث للغير بسبب الاستعمال المشروع للملك .

الوجه الثالث: إستعمال مالك المسكن مقيد بعدم الإضرار بالسكن المجاور له:

صرحت المادة (1161) من القانون المدني اليمني : انه لا يجوز للمالك مطلقاً ان يستعمل حقه في الملكية الى الحد الذي يضر بملك جاره، وفي هذا المعنى نصت المادة (1161)على انه( ليس للمالك ان يغلو في إستعمال حقوقه الى حد يضر بملك الجار، وليس للجار ان يرجع على جاره في مضار الجوار التي لا يمكن تجنبها).

وعلى اساس ما ورد في النص القانوني السابق فان مالك المسكن وهو يستعمل حقه الشرعي والقانوني في المسكن المملوك له لا يحق له ان يستعمله الى حد الإضرار بجاره ضرراً غير مألوف كإنبعاث الروائح الكريهة والنظر من النافذة الى منزل جاره او رفع صوت التلفزيون والراديو و الأت تسجيل الاغاني و غيرذلك.

الوجه الرابع: جواز مطالبة الجار لجاره بإزالة الضرر غير المألوف:

اجازت المادة (1162) مدني للجار ان يطلب من جاره إزالة الأضرار غير المألوفة، وفي هذا الشأن نصت المادة(1162) مدني على ان ( للجار ان يطلب إزالة المضار المحدثة اذا تجاوزات الحد المألوف مع مراعاة الأعراف وطبيعة العقارات وموقع كل منهما بالنسبة الى الأخر والغرض الذي خصصت له، ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون طلب إزالة الاضرار).

فهذا النص صريح في وجوب إزالة الضرر غير المألوف حتى لو كانت الجهة القانونية المختصة قد رخصت به، ومع ذلك فان بعض الناس للأسف الشديد يفهم من كلمة (المحدثة) الواردة في النص القانوني السابق إنها تدل على ان الأضرار التي يحق للجار المطالبة بإزالتها هي الاضرار التي يتم إحداثها أو إستحداثها وليس الاضرار القديمة ، وهذا الفهم السقيم يصادم القواعد الشرعية والقانونية والقضائية التي تصرح بوجوب منع الضرر وازالته، بل ان إزالة الضرر القديم أولى من إزالة الضرر الجديد، فالفهم الصحيح لجملة ( المضار المحدثة) هو الضرر الذي يحدث جراء تلك المضار، فمصدر الضرر يحدث هو المضار.

الوجه الخامس: مالك المسكن مقيد في إستعماله لملكية المسكن بالإلتزام بالقوانين والنظم النافذة:

نصت المادة (1160) مدني على انه (على المالك ان يراعي في إستعمال حقوقه ما تقضي به القوانين المتعلقة بالمصلحة العامة او المصلحة الخاصة).

ومعنى هذا النص ان يجب على مالك المسكن الالتزام بنصوص القوانين واللوائح النافذة بما فيها تلك النصوص التي تنظم المسافات القانونية لبناء الشرفات او فتح النوافذ والابواب والمطلات ووجوب الحصول على تراخيص البناء وحفر المجاري والبيارات وغيرها.

فاذا خالف مالك المسكن تلك التنظيمات فان الضرر مفترض بالنسبة للبناء المخالف، وعندئذ يجوز لجار البناء المخالف ان يطلب من جاره ازالة البناء المخالف او سد النوافذ المخالفة او ردم البيارة المخالفة او هدم الجدار المخالف، مهما تقادم الزمن لأن المخالفة لا تتقادم حسبما استقر عليه القضاء اليمني والمصري ، وقد سبق ان ذكرنا ذلك في تعليق سابق. (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل المدنية الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ، طبعة 2023م صنعاء ، ص230).

الوجه السادس: جواز المطالبة بإزالة الضرر القديم المستمر في البناء:

اذا قام شخص بشراء مسكن مجاور لمسكن اخر اشتمل على مضار او مصادر للضرر يتضرر منها السكن المجاور ، فا للمالك الجديد المطالبة بازالة الضرر القديم أو مصدر الضرر القديم ، لان الضرر لا يتقادم، ولان الضرر يجب ان يزال في الشريعة والقانون، ولان العمل المخالف لا يتحصن بالتقادم ومضي الزمن، والله أعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني