حجية المحرر العرفي غير المشهود عليه

 

حجية المحرر العرفي غير المشهود عليه

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

المحرر العرفي غير المشهود عليه المكتوب بخط كاتبه أو المكتوب بخط الغير والذي يتم توقيعه أو البصمة عليه من قبل الشخص يدل هذا المحرر على أن صاحب الخط أو البصمة او التوقيع مدين أو ملتزم أو مقر بما ورد في ذلك المحرر إذا اقر الشخص بما ورد في ذلك المحرر أو استطاع المدعي إثبات المحرر باية طريقة أخرى.

اذا تم الإشهاد على هذا المحرر عند تحريره وذلك بشاهدين عدلين ، فأن ذلك المحرر يكون وحده حجة على صاحب الخط أو التوقيع أو البصمة، أما إذا لم يتم الإشهاد على المحرر عند تحريره أو كتابته فإن حجية هذا المحرر تكون مرهونة بمدى مصادقة صاحب الخط أو البصمة او التوقيع على توقيعه أو خطه ، فإن أقر المدعى عليه بالمحرر كان المحرر حجة عليه ، أما إذا أنكر ذلك فيجب على المدعي سقطت المتمسك بالمحرر أن يثبت صحة الخط أو البصمة اوالتوقيع ونسبته لصاحبه بكافة طرق الإثبات ،فإن عجز المتمسك بالمحررعن ذلك وجب على المدعى عليه أن يحلف البت والقطع أنه غير مدين بالإلتزام وان البصمة أو التوقيع ليس توقيعه وان الخط ليس خطه ، أما إذا كان المدعى عليه هو الخلف العام أو الخلف الخاص للمدعى عليه، فيجب عليه في هذه الحالة أن يحلف أنه لا يعلم بأن سلفه صاحب الخط والبصمة أو التوقيع مدين بالحق أو الإلتزام الوارد في المحرر؛

حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-12-2015م في الطعن رقم (56862)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأنه:

(ولما كان الأمر كذلك وكان الثابت قانوناً أن المحررات العرفية الموقعة من الخصم حجة عليه وعلى وارثه مالم ينكر ماهو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة فإذا أنكرها لزم على المستدل بها إثباتها بجميع طرق الإثبات الشرعي، ولما كان الثابت أن شهادة الشاهدين قد جاءت واضحة وجلية واستقر يقين المحكمة بصحة ذلك المحرر المزبور فيه الاتفاق مما يلزم العمل بذلك الاتفاق وتنفيذه)، وقد أقر الحكم الاستئنافي الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (أما ما يتعلق بالإثبات فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي قد اعتمد على الشهود الذين صحت شهادتهم على ماورد في صورة المستند الوارد فيه الاتفاق، ولذلك فإن الحكم المطعون فيه جاء متفقاً مع القانون في قضائه مما يستوجب عدم قبول الطعن موضوعاً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية المحررات العرفية:

لمعرفة المحررات العرفية فأنه من اللازم معرفة المحررات الرسمية، لأن المحررات العرفية هي تلك التي لا ينطبق عليها وصف المحررات الرسمية، وقد بينت المادة (98) من قانون الإثبات اليمني المحررات الرسمية في حين بينت المادة (99) إثبات المحررات العرفية، فقد نصت المادة (98) على أن (المحررات الرسمية التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه في حدود إختصاصه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته وإختصاصه).

 ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أن المحررات الرسمية: هي تلك المحررات التي يثبت فيها الموظف الرسمي المختص أو المكلف بخدمة عامة يثبت فيها اي يكتب فيها البيانات أو الإجراءات أو الإقرارات التي تصدر من الأفراد أمامه، حيث تصدر هذه المحررات بتوقيع الموظف الرسمي المختص أو المختصين في الجهة الحكومية أو الرسمية ويتم ختمها بختم هذه الجهة الرسمية، وتكون للبيانات والإجراءات والتصرفات والإقرارات الواردة في المحررات الرسمية حجيتها القانونية حسبما هو مقرر في المادة (100) إثبات.

اما المحررات العرفية فقد عرفتها المادة (99) إثبات، فقد نصت هذه المادة على أن (المحررات العرفية هي التي تصدر من الأشخاص العاديين فيما بينهم ويجوز لهم تعميدها لدى الجهة المختصة في حضورهم وبعد التأكد من أشخاصهم وموافقتهم على ما جاء فيها فتأخذ حكم المحررات الرسمية).

 ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أن المحرر العرفي لا يقوم بتحريره الموظف الرسمي المختص أو المكلف بخدمة عامة وإنما يتم تحريره من الافراد انفسهم، كما يظهر من سياق النص القانوني السابق ان المحرر العرفي قد يتحول إلى محرر رسمي إذا تمت لاحقا المصادقة عليه أو تعميده من قبل الموظف الرسمي وهو قلم التوثيق المختص، ويظهر أيضاً من النصوص القانونية السابقة أن حجية المحرر العرفي أدنى من حجية المحرر الرسمي.

الوجه الثاني: نسبة إستعمال الأشخاص للمحررات العرفية في اليمن:

من المعلوم أن نظام توثيق العقود والتصرفات والإقرارات نظام حديث في اليمن، كما أن الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الإعتباريين لا يقوموا غالبا بتوثيق العقود والتصرفات والإقرارات لدى أقلام التوثيق حتى في العصر الحاضر لأسباب لا تدخل ضمن نطاق تعليقنا.

وعلى هذا الأساس فإن المحررات العرفية المعدة للإثبات في اليمن تشكل ما بين 93% و 97% من المحررات المعدة في الإثبات بصفة عامة، مما يعني أن المحررات الرسمية لا تزيد نسبتها عن 7%. من المحررات الثبوتية.

ومؤدى ذلك أنه ينبغي على المقنن اليمني أن يراعي هذا الأمر عند تقنين أو تنظيم المحررات العرفية وحجيتها في قانون الإثبات، سيما وأنه يتعذر توثيق المحررات العرفية القديمة لوفاة أطرافها ، لأن الموثق لا يقوم بتوثيق المحرر أو المصادقة عليه إلا بعد موافقة أطراف المحرر على ما ورد فيه حسبما هو مقرر في المادة (99) إثبات السابق ذكرها في الوجه الأول من هذا التعليق.

الوجه الثالث: حجية المحرر العرفي غير المشهود عليه الذي يقوم الشخص بالتوقيع عليه:

المحرر العرفي في هذه الحالة هو : المحرر الذي يقوم الشخص بكتابته والتوقيع عليه أو يقوم بكتابته شخص آخر ويقوم بالتوقيع عليه الشخص المقصود، أو يكون المحرر مطبوعاً طباعة فيقوم الشخص بالتوقيع عليه، والتوقيع قد يتم عن طريق قيام الشخص بكتابة اسمه الرباعي وقد يتم التوقيع عن طريق الإمضاء المشبوك وهو علامة معتادة يضعها الشخص في المحررات للتدليل على نسبتها إليه أو قبوله بما ورد فيها وقد يقوم الشخص بوضع بصمة إبهامه على المحرر، وفي هذه الأحوال لايتم الاشهاد عند تحرير المحررعلى ماورد في المحرر.

والهدف من التوقيع أو البصمة على المحرر هو التدليل على نسبة المحرر إلى صاحب التوقيع أو البصمة وقبوله بما ورد في المحرر، ولا يتم الإشهاد على هذا المحرر، وإنما يكتفي بتوقيع الشخص عليه، اما بشأن حجية هذا المحرر غير المشهود عليه ، فقد نصت المادة (104) إثبات على أن (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقم المدعي البرهان على الخط حلف المدعى عليه البت والقطع، اما الوارث أو خلفه فأنه يحلف على نفي العلم)، ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أن الإثبات بالمحرر العرفي بهذه الحالة له عدة حالات سوف نشير إليها في الأوجه الآتية:

الوجه الرابع: الإثبات بالمحرر العرفي غير المشهود عليه في حالة عدم إنكار الشخص أو خلفه الخط أو التوقيع على المحرر:

ذكرنا فيما سبق أن المحرر العرفي غير المشهود عليه الذي يوجد عليه توقيع الشخص أو بصمته يكون حجة عليه وعلى خلفه من بعده إذا لم ينكر الشخص توقيعه أو بصمته أو ينكر خلفه من بعده ذلك، ففي هذه الحالة يكون هذا المحرر حجة على صاحبه وخلفه من بعده، ويكون المحرر دليلاً كاملاً في مواجهة صاحب المحرر وخلفه من بعده، ويكون المحرر في هذه الحالة دليلاً كاملاً في الإثبات، وفي هذا المعنى نصت المادة (104) إثبات على أن (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة).

الوجه الخامس: حجية المحرر العرفي غير المشهود عليه الموقع من صاحبه إذا أنكر صاحب التوقيع أو الخط توقيعه أو خطه :

إذا أنكر الخصم توقيعه أو خطه أو بصمته أو ختمه الموجود على المحرر العرفي غير المشهود عليه، فإذا أنكر الخصم ذلك أو أنكر ورثته أو خلفه الخاص ذلك ، ففي هذه الحالة يستطيع الخصم الذي استدل بالمحرر العرفي أن يثبت أن التوقيع أو الخط أو البصمة هو حقيقة لصاحبه المذكور في المحرر، فيستطيع الخصم الذي استدل بالمحرر أن يثبت ذلك عن طريق وسائل الإثبات المقررة في القانون كشهادة الشهود الذين سمعوا اقرار صاحب الخط أو التوقيع بان الخط خطه أو التوقيع توقيعه أو البصمة بصمته سمعوا ذلك خارج مجلس القضاء ، وقد يتم إثبات الخط أو التوقيع عن طريق التعريف بالخط أو التوقيع الوارد في المحرر ، كما يتم اثبات ذلك عن طريق الخبرة الجنائية (المعمل الجنائي) ، فإذا استطاع الشخص الذي استدل بالمحرر إثبات ذلك فإن المحرر يكون حجة في مواجهة الخصم صاحب التوقيع رغم إنكاره أو إنكار خلفه العام أو الخاص.

الوجه السادس: يمين المدعى عليه او خلفه في حالة عجز المدعي الذي استدل بالمحرر عن إثبات نسبة الخط أو التوقيع إلى صاحبه:

إذا انكر المدعى عليه خطه أو توقيعه أو انكر خلفه ذلك ،وعجز المدعي الذي استدل بالمحرر غير المشهود عليه عجز عن إثبات نسبة التوقيع أو الخط لصاحبه، فعندئذٍ ينبغي على المدعى عليه الذي أنكر المحرر أن يحلف اليمين على أنه ليس مدين للمدعي بالحق او الإلتزام الثابت في المحرر غير المشهود عليه وان الخط المكتوب في المحرر ليس خطه أو أن التوقيع ليس توقيعه، وهذا هو المقصود بيمين البت والقطع الواردة في نهاية المادة (104) إثبات.

أما إذا كان الخصم المدعى عليه ليس صاحب التوقيع أو الخط وإنما هو خلفه العام أو الخاص فإن على المدعى عليه في هذه الحالة أن يحلف اليمين أنه لا يعلم بأن صاحب التوقيع أو الخط مدين بالإلتزام أو الحق الوارد في المحرر.

الوجه السابع: كثرة المحررات العرفية وعدم توثيق من أهم أسباب إثارة النزاعات والخصومات بين أفراد المجتمع اليمني إضافة إلى إن ذلك سبب لكثرة القضايا المنظورة أمام المحاكم ، وتوصيتنا لقطاع التوثيق بوزارة العدل:

من خلال استعراضنا لما ورد في هذا التعليق فقد ظهر أن المحررات غير الموثقة وهي المحررات العرفية وهي اغلب محررات الإثبات الشائعة في اليمن ، يظهر لنا من خلال ذلك ان المحررات العرفية سبب من أهم أسباب كثرة القضايا المنظورة أمام المحاكم في اليمن ، كما أن ذلك من أخطر الأسباب المؤدية إلى إثارة النزاعات والخصومات بين أفراد المجتمع اليمني ، لأن المحررات العرفية في غالبها تتيح للأفراد التنصل من التزاماتهم الشرعية والقانونية ، لأن تلك المحررات لا تثبت الحقوق والإلتزامات على وجه القطع واليقين، ولذلك يستغلها الخصوم المماطلون في إطالة إجراءات التقاضي.

ولذلك فأنه من الواجب على قطاع التوثيق في وزارة العدل التوعية بأهمية توثيق العقود والمحررات ، كما انه يجب على قطاع التوثيق تبسيط إجراءات التوثيق والتوسع في خدمات التوثيق ونشرها والتوسع في نشر أقلام التوثيق، والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني