اقرار المتهم المشهود عليه
اقرار المتهم المشهود عليه
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اقرار المتهم غير القضائي الذي يتم خارج نطاق التحقيق الابتدائي الذي تجريه النيابة العامة أو التحقيق النهائي الذي تجريه المحكمة المختصة اثناء سير المحكمة يثير جدلاً واسعا في اليمن حيث يلجاء بعض مأمور الضبط القضائي عند الاستماع الى اقوال المتهمين إلى الاشهاد على اقرار المتهم وكذا الحال بالنسبة للإقرار الشفوي الصادر عن المتهم خارج نطاق النيابة والمحكمة كان يتم اقرار المتهم بين زملائه او اصدقائه او غيرهم فيتم استدعائهم لاحقا للشهادة على ان المتهم اقر امامهم بارتكابه للجريمة، وتزيد حدة الجدل عندما يتراجع غالب المتهمين امام النيابة والمحكمة عن اقراراتهم السابقة التي تمت امام مامور الضبط وتذرع المتهمين في حالات كثيرة بذرائع تعرضهم للإكراه المادي والمعنوي لاجبارهم على الاقرار في مرحلة جمع الاستدلال، ولأهمية هذه المسائل وحتى يمكن الاشارة اليها في سياق هذا التعليق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/5/2013م في الطعن الجزائي رقم (46296) وتتلخص وقائع هذه القضية ان احد الاشخاص تشاجر مع قريبه وفي اثناء المشاجرة والعراك قام ذلك الشخص بطعن قريبه طعنة واحدة في الجانب الايسر من الصدر نفذت إلى قلبه فمات على الفور فحاول المتهم الهرب فتم القبض عليه وتسليمه إلى شيخ المحل وهناك اعترف المتهم بأنه قد طعن المجني عليه اثناء المشادة والعراك والانفعال وذكر المتهم: انه لم يدرك عاقبة فعله وأنه نادم على ذلك،وأنه في تلك الاثناء كان الاشتباك والعراك بينه وبين المجني عليه بالأيدي فقط وانه لايعرف كيف قام بسل الجنبية وطعن المجني عليه، وبعد ذلك قام شيخ المحل بتسليم المتهم إلى الشرطة التي استمعت إلى اقوال المتهم بحضور الشيخ المشار اليه وأخرين وتم استشهادهم عند الاستماع الى أقوال المتهم، وبعد ذلك وفي اثناء قيام النيابة بالتحقيق الابتدائي وفي اثناء المحاكمة أدعى المتهم بأن المجني عليه اثناء العراك اخذ الجنبية على المتهم وعندئذ تدافع المتهم مع المجني عليه وفي اثناء ذلك دخلت الجنبية في صدر المجني عليه، وعند مواجهة المتهم بأقواله المتضمنة اقراره بطعن المجني عليه والمشهود عليه في محضر جمع الاستدلالات وشهادات الشيخ والأشخاص الذين كانوا بمجلس الشيخ على اقرار المتهم عند القبض عليه افاد المتهم بأن تلك الاقوال غير صحيحة وأنه تم اخذها منه بالإكراه المادي والمعنوي وأنه كان يخاف من بطش الشيخ وانتقام الاقرباء منه وأن هذا الخوف ظل ملازماً له عند اخذ أقواله في قسم الشرطة وأنه قد تعرض للتهديد من قبل ضباط القسم إلا أن النيابة العامة قامت بإحالة القضية والمتهم إلى المحكمة الابتدائية بتهمة القتل العمد، وقد حكمت المحكمة بإعدام المتهم قصاصًا لثبوت التهمة بإقرار المتهم المشهود عليه في محاضر جمع الاستدلالات وكذا في شهادات الشهود على اقرار المتهم في مجلس الشيخ ، وقد أيدت الشعبة الجزائية الحكم الابتدائي فقام المتهم بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( كما أن الاسباب التي اثارها الطاعن مجرد مجادلة في صحة الواقعة المسندة للطاعن ومناقشة للمحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه وقبلها محكمة أول درجة في تقدير قيمة الأدلة التي اقتنعت بها محكمة الموضوع وجعلتها سنداً لما قضت به تجاه الطاعن ،وهاتان المسألتان من ضمن المسائل الموضوعية التي تستقل بنظرها والفصل فيها محكمة الموضوع ولا تمتد اليها رقابة المحكمة العليا طالما كان لها اساسها الثابت في الأوراق، فالمتهم قد اعترف لدى الشيخ ... اعترافا مشهوداً عليه وكذا لدى مأمور الضبط القضائي بأنه قد اقدم متعمداً على قتل المجني عليه اثناء مرور المتهم من العريم التابع للمجني عليه رغم تحذير المجني عليه من المرور في العريم غير أن المتهم أصر على المرور فحدث الشجار والعراك بينهما وأنتهى بقيام المتهم الطاعن بسل جنبيته وطعن المجني عليه في الجانب الايسر من صدره، اما دعوى الطاعن بعد ذلك بأنه كان مدافعاً عن نفسه خلال مرحلتي التحقيق والمحاكمة فلم يقدم المتهم البرهان الصحيح على دعوى الدفاع الشرعي وهو ما فصلت فيه محكمتا الموضوع، وحيث أن الواقعة المسندة للطاعن قد ثبتت بإقراره المتكرر المشهود عليه وبشهود رؤية فأنه يتعين اقرار الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : اقرار المتهم في محاضر التحقيق ومحاضر جلسات المحاكمة :
يصرح القانون بأن محاضر التحقيق التي تحررها النيابة العامة ومحاضر جلسات المحاكمة يصرح القانون بانها محررات رسمية حسبما نصت المادتان (98 و 100) إثبات لان القانون قد أوجب تحرير محضري التحقيق والمحاكمة كما أن المحضرين يتم تحريرها بنظر موظف مختص ويحملا شعار الدولة ويتم التوقيع عليهما من الموظفين العموميين المختصين بتحريرهما بالإضافة إلى توقيع المقر وبصمته على المحضرين، إضافة إلى أن اقرار المتهم في هذه الحالة يعد اقرارا قضائيًا له حجيته الرسمية والقضائية.
الوجه الثاني : اقرار المتهم في محاضر جمع الاستدلال وتوصيتنا للجهة المعنية :
محضر جمع الاستدلال هو المحضر الذي يتضمن أقوال المتهم والأشخاص الموجودين في مسرح الجريمة، ويقوم بتحرير محضر جمع الاستدلالات مأمور الضبط القضائي، والهدف من هذا المحضر هو جمع الاستدلالات وضبطها ورفعها للنيابة العامة للتحقيق والتصرف فيها وفقًا للقانون، ولذلك فأن محضر الاستدلالات ليس محضر قضائيًا وأن كان هذا المحضر محررا رسميًا إلا أن حجيته دون محضر التحقيق ومحضر الجلسة لان هذا المحضر تكون الأقوال والبيانات الواردة فيه محلًا لإعادة التحقيق والسؤال فيها للمتهم فالنيابة غير متقيدة بما ورد في محضر جمع الاستدلالات، ولان حجية محضر جمع الاستدلالات على هذا النحو ولان الذي يقوم بتحريره مأمور ضبط قضائي وهم في الغالب من رجال الأمن والشرطة المختصون بإجراءات القبض والتفتيش والايقاف وغيرها لذلك فأن المألوف أن يدعي المتهم أنه هؤلاء قد اجبروه على الادلاء بالأقوال الواردة في محضر جمع الاستدلالات ولذلك يلجاء مأمور الضبط القضائي إلى استدعاء عاقل الحارة أو الشيخ أو غيرهما لحضور جلسة الاستماع إلى أقوال المتهم حيث يشهد هؤلاء بأن المتهم عند الادلاء باقواله لم يتعرض لأي ضغط أو اكراه، وفي هذه الحالة تكون لمحضر جمع الاستدلالات الحجية الكاملة بإعتباره محررا رسميًا من جهة وبإعتبار اقوال المتهم الواردة فيه بمثابة اقرارا مشهودا عليه بمقتضى أحكام المادة (104) إثبات التي نصت على أن (يفيد المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ماهو منسوب اليه من خط أو امضاء أو ختم أو بصمة فاذا لم يقم المدعي البرهان على الخط حلف المدعى عليه البت والقطع ...الخ) غير أن الاشهاد في محضر جمع الاستدلال عند الاستماع إلى أقوال المتهم المثبتة فيها يثير جدلاً واسعًاً في اليمن حيث يذهب بعض الباحثين الى ان المتهم وان لم يتعرض للاكراه حين الاستماع لاقواله بحضور الشهود الا انه قد يتعرض للتهديد قبل حضور الشهود حتى يدلي باقواله على نحو معين كما ان المتهم في هذه الحالة لايكون حرا في الادلاء باقواله لان المتهم وان لم يتعرض للإكراه عند الادلاء بأقواله ساعة التحقيق الا ان المتهم قد يتعرض قبل الاستماع الى اقواله الى تهديده بانه سوف يتعرض للضرب والحرمان من بعض حقوقه اذا لم يدلي باقواله على نحو معين كما ان المتهم يكون في هذه الحالة عرضة لأية إجراءات انتقامية من قبل مأمور الضبط اذا لم يدلي باقواله على نحو معين ، ولذلك فإننا نوصي : بان تتولى النيابة العامة الاشراف المباشر والميداني على جهات واجراءات الضبط القضائي اما عن طريق توزيع جهات الضبط على اعضاء النيابة حيث يتولى كل واحد منهم الاشراف والنزول الميداني الى جهات الضبط للرقابة وتصويب اعمال جهات وماموري الضبط وحملها على رفع محضر الاستدلالات إلى النيابة العامة في الميعاد المحدد قانونًا وهو (24) ساعة،وايا كان الامر فان اقرار المتهم الوارد في محاضر جمع الاستدلالات تكون في حالات كثيرة اكثر مصداقية لان المتهم يدلي بها على نحو مطابق للحقيقة لان المتهم في هذه الحالةلم يكن قد اتصل بشياطين الانس فيعلمونه كيف يغير الحقيقةاو يحجبها.
الوجه الثالث : تراجع المتهم عن اقراره المشهود عليه :
يحدث في الغالب أن المتهمين يتراجعوا أمام النيابة أو المحكمة عن اقراراتهم أو اقوالهم أمام مأموري الضبط القضائي بسبب نصائح يحصل عليها المتهم، ومن المعلوم أن التراجع لا يؤثر على الاعتراف اذا كان الاقرار قد تعلق به حق الغير اما اذا تعلق بها حق الله تعالى فيجوز للمقر التراجع عن اقراره حسبما ورد في المادة (96) إثبات، والله اعلم.
تعليقات
إرسال تعليق