القرابة المانعة للشهادة
القرابة المانعة للشهادة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اراد الله سبحانه وتعالى ان تؤدى الشهادة لله تعالى الذي قال {.. وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ...} [سورة الطلاق (2)] ولذلك ينبغي ان تؤدى الشهادة بمعزل عن أية مؤثرات أو مغريات، ولا شك ان القرابة من اخطر المؤثرات على الشاهد والشهادة،ومع ذلك لم يصرح قانون الاثبات اليمني بان القرابة مانعة الشهادة ولكنه اشترط في الشاهد أن لايجر لنفسه من شهادته نفعا أو يدفع عنها ضررا، ولذلك تختلف الاجتهادات في تقدير شهادات الاقارب، ومن المفيد الإطلاع على تطبيقات القضاء وموقفه من الشهادة للأقارب حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22/2/2012م في الطعن رقم (46445)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم :ان المدعي تقدم أمام المحكمة طالباً الشفعة من المشتري الذي احضر الشهود مستدلاً بشهاداتهم على ان الشفيع كان يعلم بوقت تمام البيع إلا أنه تراخى فلم يطلب الشفعة في الميعاد المحدد قانوناً ،فرد المدعي بان الشهود المحضرين بعضهم اقارب للمشتري وبعضهم الآخر بينهم وبين المدعي خصومة تمنعهم من اداء الشهادة، وقد قبلت المحكمة الابتدائية دعوى الشفعة ورفضت شهادات الشهود المحضرين من المشتري لثبوت قرابة بعضهم للمشتري المدعى عليه وخصومة بعضهم الاخر للمدعي، حيث ورد في أسباب الحكم الابتدائي ((بالإضافة إلى ان الشهود المزبورة شهاداتهم في محصل الحكم تربطهم قرابة مع المدعى عليه وخصومة مع المدعي، ولذلك لا تقبل شهاداتهم وفقاً لقانون الإثبات)) وقد أيد الحكم الاستئنافي الحكم الابتدائي ثم أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ((وبعد مطالعة الأوراق وسماع تقرير القاضي عضو الدائرة وبعد المداولة فان الأخذ بشهادة شاهد أو عدم الأخذ بها من سلطة قاضي الموضوع فلا معقب عليه في شأنها ما دام ان عدم أخذه بالشهادة سائغاً، فليس من سلطة المحكمة العليا البحث عن أحوال الشهود، فذلك من سلطة محكمة الموضوع)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: القرابة المانعة للشهادة في الفقه الإسلامي:
الفقه الإسلامي هو المرجع في تفسير النصوص القانونية وتطبيقها حسبما نصت عليه المادة (18) مدني، ولذلك من اللازم الإشارة بإيجاز إلى القرابة المانعة للشهادة في الفقه الإسلامي، وفي هذا الشأن ذهب الزيدية والحنفية والظاهرية إلى قبول شهادة الأصول للفروع وشهادة الفروع للأصول وقبول شهادة كل قريب لقريبه طالما ان الشاهد عدل بغض النظر عن قرابته، اما الشافعية والحنابلة فقد ذهبوا إلى عدم قبول شهادة الأصول للفروع وشهادة الفروع للأصول سواء اكانوا ذكوراً أم إناثاً، لان العادة قد جرت على ان ينتفع الأصول بمال الفروع والفروع بمال الأصول ،ومن ثم فان شهادة كل منهم تتضمن معنى النفع فيكون الشاهد بذلك متهماً في شهادته والاتهام في الشهادة يؤدي إلى عدم قبولها عملاً بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا السيد لعبده ولا الزوجة لزوجها ولا الزوج لزوجته)، اما شهادة سائر الاقارب غير الأصول والفروع فهي مقبولة عند الشافعية والحنابلة، في حين ذهب ابن المنذر وسفيان الثوري الى عدم قبول شهادة القريب لقريبه مطلقا مهما كانت صلة أو درجة القرابة.
الوجه الثاني: القرابة المانعة للشهادة في قانون الإثبات اليمني:
لم يصرح قانون الإثبات بمنع أو جواز شهادة الاقارب لبعضهم غير انه اشترط في المادة (27) الفقرة (و) في الشاهد (ان لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً) فيظهر من ذلك ان شهادة الاقارب داخلة في هذا المعنى حسبما قرر الشافعية بالنسبة لشهادة الأصول والفروع لان هؤلاء ينتفعون بأموال بعضهم بعضاً، في حين يذهب الزيدية والحنفية والظاهرية إلى خلاف ذلك، ومن الملاحظ ان القضاء اليمني يتوسع في تطبيقه لمفهوم القرابة المانعة من الشهادة فيمنع شهادة الأخوة والأعمام والأخوال والأصهار، مثلما ورد في الحكم محل تعليقنا، اما محكمة النقض المصرية فقد قضت بان (صلة القرابة بين الشاهد والمشهود له لا تعد سبباً قانونياً لطرح الشهادة)،والله اعلم.
تعليقات
إرسال تعليق