إجازة الورثة للتصرف المنطوي على حيلة في القانون اليمني
إجازة الورثة للتصرف المنطوي على حيلة أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء في بعض الحالات يقوم المورث أثناء حياته بإجراء تصرفات في أمواله إلى بعض ورثته تنطوي هذه التصرفات على حيلة على الورثة الآخرين لانها تؤدي الى الانتقاص من انصبتهم الشرعية، مثل ان يقوم المورث ببيع ماله إلى أحد أولاده من غير أن يقبض ثمن المبيع أو يقوم الوالد بتسليم المال إلى أحد ورثته مقابل نفقة علاجه مع أن الولد لم يدفع نفقات علاج ابيه، أو يقوم المورث ببيع ماله إلى أحد ورثته بثمن زهيد أو يقوم المورث ببيع ماله إلى أحد ورثته الذي لا يملك الثمن مطلقاً، أو يقوم المورث ببيع ماله إلى زوجته مقابل قيامها بخدمته أو يوصي لها بماله في حين ان المورث مات وهو قادر على الدخول والخروج وقضاء حوائجه بنفسه…الخ. وقد صرح القانون المدني في المادة (464) بأن تصرف أو بيع الوالد لولده جائز شريطة أن ينطوى هذا التصرف على حيلة على الورثة الآخرين، ومؤدى ذلك أن التصرف المنطوي على حيلة يكون باطلاً، غير أن هذا التصرف يكون قابلاً للتصحيح ، ومن ضمن وسائل تصحيح التصرف المنطوي على حيلة هو قيام الورثة بإجازة هذا التصرف وذلك بعد وفاة مورثهم المتصرف، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-1-2012م في الطعن رقم (43702)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى (ببطلان المحررات المبرزة من المدعى عليهم المتضمنة تصرفات المورث إليهم المنطوية على حيلة على الورثة الآخرين وهم المدعى عليهم، وحيث أن تلك التصرفات لم تتم إجازتها من بقية الورثة فأنها باطلة)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أٌقرت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (أما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة أسباب الطعن والتي ارتكزت على وقائع النزاع ووزن الأدلة، وحيث ان الطعن لم يتضمن أي سبب من أسباب الطعن أمام المحكمة العليا طبقاً للمادة (292) مرافعات، مما يستوجب عدم الالتفات إليه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: ➖➖➖➖➖
الوجه الأول: الوضعية الواقعية لتصرفات المورث المنطوية على حيلة: ➖➖➖➖➖ ▪️من خلال المطالعة المستمرة لأحكام القضاء في اليمن وغيرها يظهر أن غالبية تصرفات المورث المنطوية على حيلة هي التصرفات الصورية ، إذ يظهر من خلال مطالعة هذه التصرفات أن ظاهرها الصحة من حيث تحقق أركان وشروط التصرف الظاهر أو الصوري غير أن هذا التصرف في الواقع ليس حقيقياً ، فهو يخفي تصرف اخر مثل الهبة للوارث إضرارا بالورثة الاخرين عن طريق زيادة نصيب احد الورثة عن نصيبه الشرعي على حساب انصبة الورثة الاخرين، كما يظهر من خلال مطالعة الأحكام أن بعض التصرفات المنطوية على حيلة تظهر فيها الحيلة من خلال عدم التناسب بين المقابل المقدم من الوارث لمورثه أثناء حياته. وفي بعض الاحيان تكون بعض التصرفات المنطوية على حيلة منعدمة بسبب عدم تحقق أركانها وشروطها الشرعية والقانونية، ولا شك أن لكل نوع من هذه التصرفات حكم شرعي وقانوني من حيث قابلية التصرف للإجازة وكيفية معالجة الحيلة التي اعتورت تصرف المورث، وهذا ما سنبينه في الأوجه الآتية تباعاً. ➖➖➖➖➖
الوجه الثاني: إجازة الورثة لتصرف مورثهم الصوري: ➖➖➖➖➖ ▪️العقد أو التصرف يكون صورياً في حالة وجود الإرادة الظاهرة لإبرام التصرف في حين تنعدم الإرادة الباطنة لإيجاد التصرف، وذهب العلامة الدكتور السنهوري في كتابه القيم الوسيط: إلى أن العقد الصوري هو الذي يتم فيه إخفاء حقيقة ما تم التعاقد عليه بسبب قام عند الطرفين (الوسيط للسنهوري 8/232). ومن خلال ما تقدم فإن العقد أو التصرف الصوري يكون موجودا لكن المتعاقدين لايريدا وجود هذا العقد أو التصرف وانما يريدا تصرف اخر وهو التصرف الخفي ، فالصورية تعني: وجود عقدان أحدهما ظاهر والآخر مستتر مثل أن يكون العقد بين المورث ووارثه في ظاهره عقد بيع في حين أن الوارث لم يدفع الثمن إلى المورث فيكون العقد الحقيقي هو العقد أو التصرف المستتر وهو الهبة من المورث لوارثه من غير مقابل. وفي حالة صورية التصرف يكون التصرف الظاهر هو النافذ على الورثة غير انه يحق للورثة إثبات صورية العقد أو التصرف الظاهر وإنه ينطوي على حيلة عليهم ، لأنه يخفي الهبة أو الوصية أو الهدية لوارث، ويحق للورثة إثبات صورية التصرف بكافة طرق الإثبات، في حين يذهب اتجاه إلى إنه إذا كان التصرف الصوري أو الظاهر ثابت بالكتابة فلا يتم إثبات ضده إلا كتابة. ومن جهة أخرى يحق للورثة إجازة التصرف الصوري بدلا من إثبات ضده وصوريته، وتكون الإجازة للتصرف الصوري عبارة عن موافقة وقبول الورثة بالعقد المستتر الذي يخفيه التصرف الصوري ،كما تكون الإجازة عبارة عن تنازل من الورثة عن الإدعاء بصورية التصرف أو العقد. ➖➖➖➖➖
الوجه الثالث: إجازة تصرفات المورث الأخرى المنطوية على حيلة: ➖➖➖➖➖ ▪️ذكرنا في الوجه الأول أن التصرفات الصورية هي غالب التصرفات المنطوية على حيلة التي تصدر من المورث لأحد ورثته أو بعضهم، غير أن هناك تصرفات أخرى تنطوي على حيلة تصدر من المورث لأحد ورثته أو بعضهم مثل هبة المورث إلى احد الورثة أو تقديم المورث إلى وارثه هدية أو صدقة من غير أن يكون مستحق للصدقة أو نذر المورث بعض أمواله لبعض الورثة أو قيام المورث بتقديم قطعة أرض لوارثه للإنتفاع بها طوال حياة المورث أو طوال حياة الوارث أو طوال عمر المورث (العمرى) أو قول المورث لوارثه: منزلي هذا لك أثناء حياتك فإن مت قبلي عاد المنزل لي، وإن مت قبلك فهو لك ولذريتك من بعدك (الرقبي) فكل هذه التصرفات الصادرة من المورث لأحد الورثة أو بعضهم دون الورثة الآخرين تنطوي على حيلة يتضرر منها الورثة الآخرين لأنها تؤدي الى الانتقاص من انصبتهم الشرعية، كما أن هذه التصرفات المنطوية على حيلة على الورثة تخالف الشريعة الإسلامية التي أمرت بالمساواة بين الأولاد والورثة، والنصوص في هذا الباب كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (أتقوا الله وساووا بين أولادكم)، كما أن المادة (183) من قانون الأحوال الشخصية قد صرحت بأنه يجب على المورث أن يساوي بين الورثة في الهبة ومشتبهاتها بحسب الفرائض الشرعية، وقد صرح قانون الأحوال الشخصية أن مشتبهات الهبة هي الهدية والنذر والصدقة والعمرى والرقبي. ومع ذلك فقد نص قانون الاحوال الشخصية في المادة (186) على ان حكم الهبة ومشتبهاتها للوارث كحكم الوصية للوارث، وطبقاً للقانون فإن الوصية للوارث ووارثه لا تصح إلا إذا اجازها الورثة بعد وفاة المورث الموصي، ومقتضى ذلك أنه يحق للورثة إجازة تصرفات مورثهم المنطوية على حيلة المشابهة للهبة وهي الهدية أو الصدقة أو النذر أو العطية أو النحلة أو العمرى أو الرقبى. ➖➖➖➖➖
الوجه الرابع: كيفية إجازة الورثة للتصرفات المنطوية على حيلة الصادرة من مورثهم: ➖➖➖➖➖ ▪️ذكرنا فيما سبق أن قانون الاحوال الشخصية أشترط أن تتم إجازة الورثة بعد وفاة المورث الموصي أو المتصرف، أما إذا تمت الإجازة أثناء حياة المورث فيجوز للوارث المجيز الرجوع عن إجازته. ومعنى إجازة الوارث للتصرفات المنطوية على حيلة الصادرة من مورثه معنى ذلك قبول الوارث وموافقته على التصرف الصادر من مورثه، وهذه الإجازة قد تقع صريحة عن طريق تلفظ الوارث بالقبول والموافقة بألفاظ صريحة تفيد قبوله وموافقته على الوصية أو قيام الوارث بكتابة موافقته على التصرف كتابة في وثيقة وتوقيعه عليها ، وهو الأفضل. إضافة إلى الإجازة الصريحة السابق ذكرها فأن إجازة الورثة للتصرفات المنطوية على حيلة الصادرة من مورثهم لأحدهم أو بعضهم قد تكون ضمنية : كأن يقوم الورثة بعد وفاة مورثهم بتنفيذ التصرف المنطوي على حيلة الصادر من مورثهم، وكأن يقوم الورثة بتسليم المال المنذور أو الموهوب أو الموصى به أو المهدى إلى الوارث أو تسليم المال المبيع من المورث إلى الوارث المشترى له، أو تجنيب هذا المال من قسمة التركة والنص في حصر التركة على إنه يخص المتصرف له بموجب تصرف المورث. وفي بعض الحالات قد تصدر إجازة التصرفات المنطوية على الحيلة من جميع الورثة ، فتكون عندئذٍ ملزمة لجميع الورثة، أما إذا صدرت الإجازة من بعض الورثة دون بعضهم الاخر فأنها لا تكون ملزمة إلا للوارث المجيز. ويشترط في الإجازة بحسب ما نص عليه قانون الأحوال الشخصية اليمني أن يكون الوارث المجيز بالغاً عاقلاً راشداً مختاراً وان تتم الإجازة بعد وفاة المورث حتى لاتكون لدى المورث شبهة الخوف والحياء والحرج من المورث، فإذا تمت الإجازة على هذا النحو فأنها تكون لازمة، ولا يجوز للمجيز الرجوع عنها، والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق