الفرق بين السقوط القانوني والقضائي للخصومة

 




الفرق بين السقوط القانوني والقضائي للخصومة

أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اجزم بان المحكمة العليا تقوم بدور مهم في استدراك وتصويب الاحكام القضائية والمطالع المنصف لاحكام المحكمةالعليا يلاحظ هذا واضحا جليا؛ كما ان الاخطاء التي ترد في بعض احكام الموضوع ليست دليلا على عدم عناية قاضي الموضوع بل نتيجة اقوال الخصوم  ومذكراتهم والادلة التي يستشهدون بها امام قاض الموضوع فضلا عن اجمال النصوص القانونية وغموضها؛ وسوف نلاحظ في تعليقنا دور في استدراك الاخطاءفي الاحكام كما سوف نلاحظ توجيهاتها بشان اثبات تسليم وتمام الاعلانات القضائية لان إثبات تمام الإعلان وتسليمه إلى الشخص المطلوب اعلانه له أهمية بالغة حيث تترتب عليه أثار قانونية وواقعية كثيرة ، ومع ذلك يتجاهل البعض هذه الحقيقة فيتعاملون مع الإعلان كما لو انه اجراء شكلي الغرض منه اخطار الشخص المعني فقط ، حيث تقوم بعض المحاكم باتخاذ قرارات أو إجراءات في القضية من غير ان تتأكد او تتثبت من تمام الإعلان فيترتب على ذلك بطلان القرارات والإجراءات التي تتخذها ، كما ان التلاعب في إجراءات الإعلان في اليمن من الأمور الشائعة التي لا نستطيع ان ننكرها ، فلأهمية هذا الموضوع اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4/4/2011م في الطعن المدني رقم ( 43190) 1431هـ  وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الأشخاص تقدم بدعوى بطلان حكم التحكيم امام الشعبة الاستئنافية المختصة فلم يقم المدعى عليه بالبطلان بالرد على تلك الدعوى ؛وبعد مرور ثلاث سنوات على رفع الدعوى اصدرت الشعبة الاستئنافية حكما بسقوط الخصومة ، وقد ورد في أسباب ذلك الحكم ( حيث عقدت الشعبة أولى جلساتها فلم يحضر احد فقررت تأجيل الجلسة واعادة اعلان طرفي الدعوى اعلاناً صحيحاً الى جلسة الثلاثاء 14/1/1421هـ وفي الموعد المحدد عقدت المحكمة جلستها ولم يحضر احد وتبين من الاعلان انهما لم يعلنا اعلانا صحيحاً لذلك قررت الشعبة تأجيل الجلسة واعادة اعلانهما اعلاناً صحيحاً الى جلسة الاحد 9/2/1421هـ وفي الميعاد المحدد عقدت المحكمة جلستها ولم يحضر احد ولذلك قررت تأجيل الجلسة واعادة اعلانهما اعلاناً صحيحاً وذلك بواسطة قلم المحضرين والمسؤولية عليه  الى جلسة 6/5/1421هـ وفي الموعد المحدد عقدت المحكمة جلستها فلم يحضر احد ، وحيث سبق للشعبة ان قامت باعلانهما اعلاناً صحيحاً لعدة جلسات فلم يحضرا لذلك قررت المحكمة استبعاد القضية من جدول الجلسات ولا تعاد الا بأمر من رئيس المحكمة ؛ وحيث ان الشعبة عقدت عدة جلسات لنظر الدعوى الا انه لم يحضر احد وحيث ا ن اخر اجراء تم في القضية هو محضر جلسة يوم 6/5/1421هـ الذي تم فيه استبعاد الدعوى من جدول الجلسات وحيث ان المدة منذ ذلك التاريخ قد تجاوزت الثلاث سنوات من ذلك التاريخ وحتى تاريخ يومنا هذا (تاريخ النطق بالحكم) وحيث لم يحضر احد ؛ لذلك فان الخصومة تسقط بقوة القانون عملا بالمادة (216) مرافعات  التي حددت المدة المقررة لسقوط الخصومة بقوة القانون ، وحيث لا يوجد ما يستلزم التاخير فقد قررت الشعبة المدنية سقوط الخصومة بقوة القانون) وبعد صدور هذا قام المدعي بالبطلان بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فقامت المحكمة العليا بقبول الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ( تبين للدائرة ان مناعي الطاعن على مخالفة الحكم المطعون فيه للاجراءات المتعلقة بالاعلان حيث اشارت الشعبة في حكمها المطعون فيه الى انه لم يحضر أي طرف من اطراف القضية معللة ذلك بانه لم يتم اعلانهما اعلاناً صحيحاً ثم حكمت في اخر جلسة وتناقض الشعبة نفسها انه سبق اعلان الاطراف اعلاناً صحيحاً لعدة جلسات ، وحيث ان ذلك النعي في محله حيث خلت أوراق القضية مما يدل على وجود أي اعلان لطرفي الدعوى كما انه من الثابت ان الشعبة المطعون في حكمها لم تتقيد بالاجراءات المنصوص عليها بالفصل الخامس من قانون المرافعات بشان سقوط الخصومة المنظورة امامها مما جعل حكمها مشوباً بالبطلان الامر الذي يستوجب نقض حكمها واعادة الأوراق الى الشعبة لاعلان الاطراف اعلاناً صحيحاً والسير في نظر دعوى البطلان وفق القانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : المقصود بإثبات تمام الاعلان :

يقصد به تقديم الافادة أو الإيضاح بان الاعلان قد تم تنفيذه وتم عرضه على الخصم وقام باستلامه او امتنع عن استلامه او لم يتم العثور على الخصم لتسليمه الاعلان ، واذا تم تسليم الاعلان لغير الخصم من اقربائه او عماله فينبغي إيضاح ذلك كما ينبغي بيان تاريخ وساعة تمام الاعلان ، وينبغي واذا تم تحرير الايضاح او الافادة بتمام الاعلان من قبل عاقل الحارة فينبغي الاشهاد على ذلك ، فالمقصود باثبات تمام الاعلان هو الافادة بتسليم الاعلان واسم المستلم للاعلان وصفته وساعة الاستلام ومكانه وتوقيع المستلم.

الوجه الثاني : اهمية إثبات تمام الاعلان أو تسليمه:

الغرض من الاعلان والغاية منه هي  تسليم الاعلان الى الخصم المطلوب اعلانه حيث يترتب على استلام الخصم أو الشخص المطلوب اعلانه للاعلان اثار قانونية بالغة الخطورة كما حدث في الحكم محل تعليقنا فقد يترتب على ذلك شطب دعوى أو استبعادها أو سقوطها أو رفع دعوى أو اثبات حق في ذمة المطلوب اعلانه وغير ذلك.

الوجه الثالث : بيانات الاعلان واهميتها في اثبات تمام الاعلان:

اشار الحكم محل تعليقنا الى ان الاعلانات التي اشار اليها الحكم الاستئنافي المنقوض غير صحيحة أو انها لم تتم ، حيث ذكر الحكم محل تعليقنا بان هذه الاعلانات لو كانت قد تمت لذكر الحكم الاستئنافي بياناتها من حيث تاريخ تحريرها وتاريخ استلام الخصوم لها وغير ذلك ، ولذلك لا ينبغي ترتيب الاثار القانونية على الاعلان الا اذا كان هذا الاعلان قد تم بالطريقة القانونية ولا يكون لذلك الا اذا تضمن هذا الاعلان البيانات التي اشترطها قانون المرافعات في المادة (41) ومن اهمها تاريخ تحرير الاعلان وتاريخ استلام الخصم له ، كما انه يفهم من الحكم محل تعليقنا انه يجب ان يتضمن الحكم بسقوط الخصومة بيانات الاعلانات الموجهة الى الخصوم وما يثبت تمام الاعلان باستلام الخصوم للاعلانات باعتبارها من اهم اسانيد الحكم لسقوط الخصومة.

الوجه الرابع : التلاعب في تسليم الاعلانات القضائية في اليمن:

لكي نعالج مشكلة معينة ينبغي التسليم أولاً بوجود المشكلة ، ولذلك لا يستطيع احد انكار اشكالية التلاعب في تسليم واثبات تمام الاعلان في اليمن سواء اكان هذا التلاعب من قبل الخصوم انفسهم او من قبل المحضرين او من قبل عقال القرى والحارات واقسام الشرطة حيث لا يتم عرض الاعلانات او تسليمها فعلاً للخصوم ، حيث يعمد بعض الخصوم الى اغراء الشخص المكلف بتنفيذ الاعلان فيقوم بتدوين عبارة (تم عرض الاعلان على ابن المدعي / المدعى عليه / المستئانف/ ...الخ فرفض الاستلام) والبركة في حق القات ، وعندما يتم التحقيق اذا تم التحقيق في الموضوع ثكون اجابة الشخص المتلاعب  بالاعلان سواء كان المحضر او غيره ( وجدت شخصاً فقال انه ابن المطلوب اعلانه او يقول وجدت امرأة قالت انها ابنته او زوجته) وطبعاً المحضر أو العاقل أو غيره مصدق في قوله ، وهذه ظاهرة شائعة ولا نستطيع انكارها أو الدفاع عنها ، وانا على اطلاع تام على قضايا خسرت فيها جهات حكومية وخاصة مليارات الريالات بسبب التلاعب في تنفيذ الاعلانات ، وهناك قضية مشهورة قام المحضر بعرض الاعلان القضائي على العسكري في بوابة الجهة الحكومية بدلاً من الادارة القانونية للجهة وكتب المحضر (تم عرض الاعلان على الحارس فلان الذي رفض استلام الاعلان ومنعني من الدخول) ولذلك فقد اوصينا في تعليق سابق لنا بعنوان ( كيفية الاعلان الصحيح) اوصينا بضرورة ووجوب تنفيذ الاعلانات القضائية عن طريق الهاتف حيث يقوم الخصوم باختيار وتحديد موطنهم القضائي برقم تلفون معين يتم تدوينه في المذكرات القضائية فيتم اعلانهم عن طريق ارسال الاعلانات اليهم الى الارقام المختارة.

الوجه الخامس: متى تسقط الخصومة بحكم يصدره القاضي ومتى تسقط الخصومة بقوة القانون من غير حاجة لحكم؟:

من خلال المطالعة للحكم الاستئنافي المنقوض نجد انه قد قضى بسقوط الخصومة عملاً بالمادة (216) مرافعات التي نصت على انه (اذا توقف سير الخصومة لمدة ثلاث سنوات من تاريخ اخر اجراء صحيح تم فيها سقطت الخصومة بقوة القانون ويتحمل المدعي نفقات المحاكمة وأي تعويض عن اضرار لحقت بالمدعى عليه اذا طلبها واذا اراد المدعي تجديد الخصومة فلا تقبل الا باجراءات جديدة ) وقد اشار حكم المحكمة العليا الى ان استناد الحكم الاستئنافي الى هذا ليس صحيحا لان سقوط الخصومة بموجب هذا يكون بحكم القانون وليس بحكم القضاء فلايحتاج السقوط في هذه الحالة الى حكم تصدره المحكمة؛ واشار حكم المحكمة العليا الى انه  كان يتوجب على الشعبة اتباع الاجراءات المنصوص عليها في الفصل الخامس من قانون المرافعات اي الاجراءات المذكورة في المادة 215  مرافعات التي نصت على انه ( اذا توقف السير في الخصومة بفعل المدعي أو امتناعه وانقضت سنة من تاريخ اخر اجراء صحيح فيها سقطت الخصومة ولا تسري مدة السقوط في حالات الانقطاع المتعلقة بالمدعي الا من تاريخ اعلان من قام مقامه بوجود الخصومة المترددة بين الطرفين وفي حالة الوقف تبدأ مدة السقوط من تاريخ انتهاء مدة الوقف ويتقرر السقوط بحكم بناءً على طلب من الخصم موجه لجميع المدكين أو المستأنفين بالطريقة المعتادة لرفع الدعوى أو في مواجهتهم في الجلسة عند استئناف السير في الدعوى بعد انقضاء ميعاد سقوط الخصومة فيها) فمن خلال المقارنة بين المادتين (215 ، 236) السابق ذكرهما نجد ان هناك فرق بين سقوط الخصومة بقوة القانون أي من غير حاجة الى حكم قضائي وبين سقوط الخصومة بحكم من القضاء فالمادة (215) تناولت سقوط الخصومة بحكم القضاء لانقضاء مدة سنة من تاريخ اخر اجراء تم فيها وبحسب الاجراءات المبينة في المادة (215) في حين تناولت المادة (216) حالة سقوط الخصومة بقوة القانون أي من غير حاجة الى حكم قضائي وذلك اذا انقضت مدة ثلاث سنوات على تاريخ اخر اجراء فيها تسقط الخصومة تلقائياً بقوة القانون من غير حاجة الى صدور حكم قضائي ، وانما تقوم المحكمة بالتقرير أو اثبات حالة السقوط أو الافادة بان الخصومة قد سقطت بقوة القانون وعند المطالعة للحكم الاستئنافي المنقوض نجد انه قد صدر على خلاف ما ورد في الفصل الخامس من قانون المرافعات والمكون من المادتين (215 ، 216) حيث استند الحكم المنقوض الى المادة (216) التي تناولت سقوط الخصومة بحكم القانون وليس بحكم القضاء ، ولذلك فان حكم المحكمة قد قام بارشاد الشعبة الى الخطأ القانوني الذي وقع في حكمها المنقوض، والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني