مدة الفصل في الخصومة التحكيمية في القضاء اليمني

 *مدة الفصل في الخصومة التحكيمية في القضاء اليمني*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2024/04/blog-post_16.html

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

الغرض من اللجوء إلى التحكيم هو سرعة الفصل في الخصومات، ولذلك يرد شرط التحكيم ضمن بنود عقود تأسيس الشركات ونظمها الأساسية، فإذا كان شرط التحكيم قد تضمن تحديد مدة لهيئة التحكيم للفصل في الخصومة التحكيمية ولم يتم الفصل فيها خلال تلك المدة فعندئذٍ يحق لأي من الخصوم اللجوء إلى القضاء بإعتباره صاحب الولاية الأصلية في الفصل في الخصومات، فليس من المقبول أن يتمسك أحد الخصوم بشرط التحكيم كوليجة لبقاء الخصومة قائمة من غير فصل فيها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-11-2017م في الطعن رقم (59950)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالمعلوم أن اللجوء إلى التحكيم هو مسلك جوازي، ولما ذكر فلم يعد شرط التحكيم منتجا حسبما تتمسك به الطاعنة، إذ لا مسوغ لقبول طلبها، والعودة إلى إلزام المطعون ضدها بإختيار محكم بعد مضي مدة التحكيم دون حسم وبعد زمن طويل تم خلاله تمديد المدة المتفق عليها دون حسمٍ للنزاع، مع أنه قد ورد في شرط التحكيم المذكور في العقد المبرم فيما بين الطاعنة والمطعون ضدها ما يقنع الطاعنة عن الاصرار على سلوك طريق التحكيم بعد فشله، فقد ورد في شرط التحكيم (فإذا اختلف المحكمان في الرأي حول موضوع النزاع يحق لهما تعيين حكماً ثالثاً فيصلاً للبت في الموضوع ويكون قرار الحكم الفيصل ملزماً للطرفين فإذا لم يتوصل الفيصل إلى قرار بشأن النزاع يكون الإختصاص لحل هذا النزاع للمحكمة التجارية اليمنية بصنعاء)، فالنص ملزمٍ لطرفيه ودلالته واضحة للرد على مطالبة الطاعنة بالتحكيم لاستنفاد كل تلك الإجراءات الموضحة في شرط التحكيم، ولذلك فإن ماقضى به الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي هو عين الصواب))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الاول: أساس التحكيم هو إختيار الخصوم للمحكم:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

الأصل أن ولاية الفصل في الخصومات والنزاعات مقررة للقضاء بموجب أحكام الشرع ونصوص الدستور والقانون، اما التحكيم فأساس ولايته هو رضاء وإختيار الخصوم للمحكم أو هيئة التحكيم، فالمحكم يستمد ولايته من إتفاق التحكيم أو شرط التحكيم الذي يرد ضمن بنود العقد الرضائي الذي يبرمه الخصوم، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن أساس التحكيم هو الإختيار الذي يتم من قبل الخصوم، ومؤدى ذلك أن التحكيم لا ينبغي أن يتم فرضه على الخصوم أو إجبارهم على اللجوء إلى التحكيم أو البقاء فيه عند فشله في حسم الخلاف خلال المدة المتفق عليها أو خلال مدة معقولة، فللخصوم ان يعدلوا عن التحكيم ويلجاء احدهما إلى القضاء ولايعترض الآخر على ذلك أو يدفع بالتحكيم، وعلى هذا الأساس فإن التحكيم ليس الزاميا سيما عندما يفشل المحكم في الفصل في الخصومة التحكيمية  وتتعثر إجراءات هيئة التحكيم وتتعطل جلساتها لمدة طويلة. (التحكيم الإختياري والتحكيم الاجباري، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، ص49). ومن هذا المنطلق ينبغي أن يكون أساس التحكيم وهو إختيار الخصوم للمحكم حاضراً عند إختلاف الخصوم بشأن وجود التحكيم أو بقاؤه، حسبما ألمح الحكم محل تعليقنا. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: مدة الفصل في الخصومة التحكيمية:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

كانت هذه المسألة محل النقاش في الحكم محل تعليقنا، كما كانت جوهر النزاع بين  الطاعنة والمطعون ضدها، إذ كان الحكم محل تعليقنا قد صرح بان الغرض من إنشاء نظام التحكيم بموجب القانون هو السرعة في الفصل في الخصومات في وقت قصير لتلافي إجراءات التقاضي الطويلة أمام المحاكم، ولذلك يصرح قانون التحكيم بنهائية أحكام التحكيم وأن محكمة الاستئناف تكون محكمة قانون بالنسبة لدعوى بطلان التحكيم، وعلى هذا الأساس إذا طالت إجراءات التحكيم أكثر من إجراءات التقاضي وتعثر الفصل في الخصومة التحكيمية، فيحق للخصوم اللجوء إلى القضاء بإعتباره صاحب الولاية الأصلية في الفصل في الخصومات.

وإذا كان إتفاق التحكيم قد تضمن مدة محددة للفصل في الخصومة التحكيمية، فيجب على المحكم الإلتزام بذلك ، لأن قانون التحكيم قد ألزم المحكم بإتباع الإجراءات التي يتفق بشأنها الخصوم. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثالث: الفصل في الخصومة التحكيمية في وقت أقصر من القضاء هي الحكمة من وجود نظام التحكيم:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

سبق القول بان الغرض من التنظيم القانوني للتحكيم كوسيلة إستثنائية للفصل في الخصومات هو سرعة الفصل في الخصومات التحكيمية في وقت أقصر من فصل القضاء، فإذا تخلفت هذه الغاية فلم يعد للتحكيم جدوى، وقد ألمح الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة حسبما سبق بيانه، ولذلك ينبغي أن يكون هذا المفهوم حاضراً عند فصل محكمة الموضوع في النزاع بشأن بقاء ولاية هيئة التحكيم المتعثرة وجدوى إستمرارها في الفصل في الخصومة التحكيمية. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الرابع: شرط التحكيم الكيدي وتوصيتنا للمقنن اليمني:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

سبق القول مرارا بأنه تسود في اليمن بين الخصوم ثقافة التذاكي والمغالطة، ولذلك يستعمل شرط التحكيم في حالات كثيرة بسوء نية، إذ يتم ادراجه في عقود  كثيرة بقصد منع الطرف الآخر من اللجوء إلى القضاء، فكلما آثار الطرف الآخر طلبا أو دعوى أمام القضاء كلما قام الطرف المتذاكي بالدفع بشرط التحكيم . 

 فكثير من الأشخاص والشركات والمؤسسات تقوم بتضمين عقودها مع الغير شرط التحكيم ليس رغبة في حسم الخصومات في وقت قصير وإنما بغرض  منع الخصم من اللجوء إلى القضاء، فكلما لجأ الخصم إلى القضاء رفع المكايد دفعه بشرط التحكيم سيما أن قانون التحكيم اليمني لم يتضمن نصاً يحدد المدة التي يجب على المحكم أو هيئة التحكيم الفصل في الخصومة التحكيمية فيها، وللتأكيد على خطورة شرط التحكيم الكيدي هناك ثلاث قضايا تجارية في اليمن ما زالت منظورة لدى هيئات تحكيم منذ 1976م حتى الآن!!!؟ ، وقد تسببت هذه القضايا المتعثرة لدى هيئات التحكيم في إخراج بعض البيوت التجارية من دائرة النشاط التجاري، ولذلك  أوصي المقنن اليمني بأن يقوم بتضمين قانون التحكيم نصاً يحدد المدة التي يجب على المحكم الفصل خلالها في الخصومة التحكيمية، مع ان غالبية قوانين التحكيم في الدول العربية لاتحدد مدة لذلك، لعدم وجود الخصوم المتذاكين حمران العيون في تلك الدول، اما في اليمن فهم كثر، ولذلك ينبغي على القانون اليمني ان يتصدى لهذه الظاهرة السلبية، فالقانون تعبير مكثف عن واقع المجتمعات واحتياجاته المتباينة المختلفة، ولذلك تختلف القوانين بإختلاف الدول وإختلاف ظروفها ومشاكلها ، فالقانون الذي يناسب دولة ما  قد لا يناسب أخرى. (المهارات القانونية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص168).

كما أوصي المتعاقدين عند تضمين العقود شرط التحكيم الحرص على أن يكون شرط التحكيم مقرونا بمدة معينة يجب على المحكم أو هيئة التحكيم الفصل في الخصومة خلالها. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الخامس: تمديد مدة التحكيم:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

أشار الحكم محل تعليقنا إلى تمديد مدة التحكيم، فإذا كانت مدة التحكيم محددة في إتفاق التحكيم وانقضت هذه المدة، ومع ذلك استمر الخصوم في إجراءات الترافع أمام هيئة التحكيم فإن ذلك يعد تمديدا لمدة التحكيم، وقد ذهب إلى هذا القول كثير من شراح القانون، وكذا ذهبت في هذا الاتجاه أحكام القضاء العربي، ومن ذلك الحكم الصادر عن محكمة التمييز الأردنية الذي قضى بأنه (1-لا يوجد نص صريح يعالج حكم تمديد مدة التحكيم وعلى الرغم  من ذلك فأن الأصل القانوني المقرر في المادة (٣٧/ا) من قانون التحكيم أنه ينزع سلطة وولاية هيئة التحكيم في حال انقضاء الأجل المتفق عليه للفصل في الدعوى أمامها مع عدم تمديده باتفاق الأطراف أو استعمالاً لسلطتها القانونية ، إلا أنه وخروجاً على هذا الأصل القانوني وفي حال مخالفة حكم هذه المادة ، واستمرار هيئة التحكيم بمتابعة إجراءات الدعوى التحكيمية بحضور الأطراف وعدم تقديم أي منهم طلباً لإنهاء اجراءات التحكيم الماثلة وفق المادة (٣٧/ب) من قانون التحكيم فإنه يعتبر نزولاً منهم عن حقهم في الاعتراض وفق المادة (٧) من قانون التحكيم ، وتستمر هيئة التحكيم بممارسة سلطتها المستمدة من اتفاق أطراف التحكيم الضمني على مد ميعاد إجراءات التحكيم لغايات إصدار حكمها التحكيمي .2-استقر الفقه التحكيمي على أن استمرار أطراف التحكيم في متابعة إجراءات الخصومة أمام الهيئة رغم انقضاء الموعد -المحدد- يمكن اعتباره بمثابة اتفاق ضمني على مد الموعد ، لأن للأطراف الحق في مد الموعد حتى بعد استنفاد الهيئة صلاحيتها في مده دون قيد أو شرط، ويمكن أن يتكرر الاتفاق على المد أكثر من مرة ويكون الاتفاق على مد الميعاد صريحاً أو ضمنياً .3-ان المميزتين (المحتكم ضدهما) كانتا بتاريخ تقاعد وكيليهما قد استنفدتا كافة أوجه دفاعهما،وبالتالي فلا تنطبق حالة البطلان المنصوص عليها في المادة (٣/٤٩) من قانون التحكيم المتعلقة بتعذر تقديم أحد أطراف التحكيم دفاعه بسبب عدم تبليغه تبليغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته لاستكمالهما كافة اوجه دفاعهما ، فضلاً عن ان اجراءات محاكمة المميزتين بطريق النشر كان إجراءً أصولياً ذلك انهما كانتا ممثلتين تمثيلاً صحيحاً قبل تقاعده، وقد تقرر تبليغهما بالنشر في ضوء تقاعده و على عنوانهما المصرح في الدعوى، و ان استمرار وكيليهما في اجراءات المحاكمة حتى بعد انتهاء ميعاد إصدار الحكم التحكيمي دونما اعتراض منه بل وبتفويضه هيئة التحكيم صلاحية تمديد أجل الدعوى التحكيمية صراحةً بذلك ، ما يعني قبوله بامتداد ميعاد اصدار الحكم التحكيمي، الامر الذي يغدو معه عدم صحة هذا السبب .--تمييز حقوق هيئة عامة/تحكيم رقم (٧٨٤٦/٢٠٢٢). 

ويتم التمديد على هذا النحو اذا كانت هيئة التحكيم تنظر في الخصومة  ومستمرة في موالاة النظر فيها، اما اذا كانت قد تعثرت في أعمالها وتعطلت جلساتها، فمن حق الخصوم اللجوء إلى القضاء حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم. 

 

١- لا يوجد نص صريح يعالج حكم تمديد مدة التحكيم وعلى الرغم كذلك من أن الأصل القانوني المقرر في المادة (٣٧/ا) من قانون التحكيم أنه ينزع سلطة وولاية هيئة التحكيم في حال انقضاء الأجل المتفق عليه للفصل في الدعوى أمامها مع عدم تمديده باتفاق الأطراف أو استعمالاً لسلطتها القانونية ، إلا أنه وخروجاً على هذا الأصل القانوني وفي حال مخالفة حكم هذه المادة ، واستمرار هيئة التحكيم بمتابعة إجراءات الدعوى التحكيمية بحضور الأطراف وعدم تقديم أي منهم طلباً لإنهاء اجراءات التحكيم الماثلة وفق المادة (٣٧/ب) من قانون التحكيم فإنه يعتبر نزولاً منهم عن حقهم في الاعتراض وفق المادة (٧) من قانون التحكيم ، وتستمر هيئة التحكيم بممارسة سلطتها المستمدة من اتفاق أطراف التحكيم الضمني على مد ميعاد إجراءات التحكيم لغايات إصدار حكمها التحكيمي .

٢- استقر الفقه التحكيمي على أن استمرار أطراف التحكيم في متابعة إجراءات الخصومة أمام الهيئة رغم انقضاء الموعد -المحدد- يمكن اعتباره بمثابة اتفاق ضمني على مد الموعد ، لأن للأطراف الحق في مد الموعد حتى بعد استنفاد الهيئة صلاحيتها في مده دون قيد أو شرط….

ويمكن أن يتكرر الاتفاق على المد أكثر من مرة ويكون الاتفاق على مد الميعاد صريحاً أو ضمنياً .

٣- ان المميزتين (المحتكم ضدهما) كانتا بتاريخ تقاعد وكيليهما قد استنفدتا كافة أوجه دفاعهما،وبالتالي فلا تنطبق حالة البطلان المنصوص عليها في المادة (٣/٤٩) من قانون التحكيم المتعلقة بتعذر تقديم أحد أطراف التحكيم دفاعه بسبب عدم تبليغه تبليغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته لاستكمالهما كافة اوجه دفاعهما ، فضلاً عن ان اجراءات محاكمة المميزتين بطريق النشر كان إجراءً أصولياً ذلك انهما كانتا ممثلتين تمثيلاً صحيحاً قبل تقاعده، وقد تقرر تبليغهما بالنشر في ضوء تقاعده و على عنوانهما المصرح في الدعوى، و ان استمرار وكيليهما قبل_ تقاعده _في اجراءات المحاكمة حتى بعد انتهاء ميعاد إصدار الحكم التحكيمي دونما اعتراض منه بل وبتفويضه هيئة التحكيم صلاحية تمديد أجل الدعوى التحكيمية صراحةً بذلك ، ما يعني قبوله بامتداد ميعاد اصدار الحكم التحكيمي، الامر الذي يغدو معه عدم صحة هذا السبب.

تمييز حقوق هيئة عامة/تحكيم رقم (٧٨٤٦/٢٠٢٢)، والله اعلم.

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني