دعوى صحة الحجز في الخصومة التحكيمية في القانون اليمني

 *دعوى صحة الحجز في الخصومة التحكيمية في القانون اليمني*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2024/04/blog-post_17.html

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

من المعلوم أن المحكم لا يختص بالأمر بإجراء الحجز التحفظي، ولكن يجوز للمحكم أن يستعين بالمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع فيطلب  منها الأمر بإجراء الحجز ، فإذا  آمرت المحكمة المختصة بايقاع الحجز التحفظي، فيجب إعلان المحجوز عليه بأمر الحجز خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدور أمر الحجز حسبما هو مقرر في المادة (385) مرافعات، وبعد إعلان أمر الحجز يجب على من صدر أمر الحجز لصالحه ان يرفع دعوى صحة الحجز مع دعوى الحق الموضوعي إذا لم يكن لديه حكم أو امر اداء، ويتم رفع الدعويين معا في عريضة واحدة امام  المحكمة التي أصدرت  أمر الحجز خلال ثمانية من تاريخ اعلان أمر الحجز التحفظي حسبما هو منصوص عليه في المادة (389) مرافعات، الا انه بالنسبة للحجز التحفظي المتعلق بالخصومة التحكيمية فان هناك في اليمن وغيرها جدلا واسعا بشأن رفع دعوى صحة الحجز أمام المحكم أو هيئة التحكيم، فهناك من يرى أن دعوى صحة الحجز يتم رفعها وحدها أمام  المحكمة التي أمرت بإجراء الحجز في حين يتم رفع دعوى الحق الموضوعي امام  المحكم، لأن  الهدف من رفع دعوى صحة الحجز هو بسط رقابة القضاء على الأمر بالحجز لخطورته، فعن طريق دعوى صحة الحجز تتثبت المحكمة من صحة وسلامة الأمر بالحجز الذي اصدرته وصحة اجراءاته، فليس من المناسب ان تسند هذه المهمة إلى المحكم، وبالمقابل هناك من يرى أن دعوى صحة الحجز ودعوى الحق الموضوعي يتم رفعهما معا في عريضة واحدة أمام المحكم، لأن الفصل في دعوى صحة الحجز يقتضي التعرض للحق أو الموضوع في سياق المناقشة لاسانيد الأمر بالحجز التحفظي، ولذلك فإنه من المناسب ان يتم تضمين الدعويين في عريضة واحدة يتم رفعهما معا أمام المحكم بإعتباره المختص بالفصل في الحق الموضوعي محل النزاع بين الخصوم المحتكمين  بموجب شرط التحكيم أو إتفاق التحكيم الذي يحدد موضوع التحكيم، فهذا الأمر هو الأنسب حتى  لاتتناقض الأحكام والإجراءات، وقد المح الحكم محل تعليقنا إلى هذا الخيار، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-1-2017م في الطعن رقم (58519)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما أمر الحجز التحفظي لخطابي الضمان فأنه جائز، حيث يسري في شأنه نص المادة (43) تحكيم الذي يجيز لهيئة التحكيم أو لأي من الطرفين طلب المساعدة من المحكمة المختصة بإتخاذ ما تراه من الإجراءات التحفظية أو المؤقتة، وحيث أنه لا تناكر بين طرفي الخصومة بأن النزاع الموضوعي لم يتم عرضه بعد على مؤسسة التحكيم المتفق عليها (غرفة تجارة باريس)، وتحوطاً من عدم تعرض أي طرف للضرر من إستمرار الحجز التحفظي على خطابي الضمان، فإن هذه الدائرة: توجه محكمة التنفيذ بمنح الحاجز المدعي مدة مناسبة لتقديم دعواه أمام مؤسسة التحكيم خارج اليمن، ولتكن مدة المهلة ستون يوماً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الأول: اسانيد إستعانة المحكم بالمحكمة المختصة لإجراء الحجز التحفظي:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

حددت المادة (337) مرافعات الحالات التي يجوز فيها الأمر بالحجز التحفظي، فقد نصت هذه المادة على أنه (مع عدم الإخلال بما ينص عليه أي قانون آخر يجوز للدائن بدين محقق الوجود حال الأداء ولو لم يكن بيده سند تنفيذي أن يطلب الأمر بإجراء الحجز التحفظي على أمـوال مدينه في الحالتين الآتيتين :1- إذا كان الدائن يخشى فقدان ما يضمن له الوفاء بحقه .2- إذا كان الدائن مؤجراً للعقار فيجوز له في مواجهة المستأجر والمستأجر من الباطن طلب الحجز على المنقولات والثمار والمحاصيل الموجودة بالعين المؤجرة لضمان دين الأجرة ، ويجوز له طلب الحجز عليها إذا كانت قد نقلت دون علمه إلى مكان آخر خلال عشرين يوماً من تاريخ نقلها)، فمن المعلوم أن الحجز التحفظي من الوسائل التحفظية التي لا يجوز الأمر به إلا  الاحوال المحددة في النص السابق ومنها : إذا كانت هناك خشية حقيقية على المال من إخفائه أو ضياعه أو التصرف به أو تبديده ، وبما أن المحكم بموجب إتفاق التحكيم الذي يستمد منه ولايته ينظر في الخلاف الموضوعي بين الخصوم في المنازعة التحكيمية، فقد يجد المحكم اثناء إجراءات نظر الخصومة التحكيمية ان هناك خشية حقيقية على الأموال المتنازع عليها  من التبديد والضياع أو التلاعب فيها أو التصرف فيها فعندئذٍ يقوم المحكم نفسه بالاستعانة بالمحكمة  المختصة فيطلب منها إجراء الحجز التحفظي على الأموال محل الخلاف المنظور أمام المحكم ، وقد يقوم الخصوم أنفسهم بمطالبة المحكم بالحجز التحفظي على تلك الأموال فعندئذٍ يستعين المحكم بالمحكمة فيطلب منها الأمر بإجراء الحجز، ففي الحالتين المشار إليهما يحق للمحكم ان يستعين بالمحكمة المختصة بنظر النزاع في الأمر بالحجز، فيطلب من المحكمة الأمر بإجراء الحجز التحفظي للمحافظة على الأموال محل النزاع أمام المحكم، غير أنه لا يحق للمحكم  نفسه الأمر بايقاع الحجز التحفظي وتنفيذ إجراءاته لما تتسم به هذه الإجراءات من  وسائل جبرية واعمال ولائية قضائية تقتضيها إجراءات تنفيذ وإيقاع الحجز التحفظي، ولهذه الغاية فقد أجاز قانون التحكيم للمحكم الاستعانة في ذلك بالمحكمة المختصة اصلا بنظر النزاع، وفي الوقت ذاته اجاز قانون التحكيم للخصوم أنفسهم اللجوء مباشرة إلى المحكمة المختصة ومطالبتها بإصدار الأمر بالحجز التحفظي .

 وفي هذا الشأن فقد نصت المادة (43) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (يجوز للجنة التحكيم أو لأي من الطرفين طلب المساعدة من المحكمة المختصة للحصول على أدلة، وكذا طلب إتخاذ ما تراه ملائماً من الإجراءات التحفظية أو المؤقتة، كما يجوز لها أن تطلب من المحكمة المختصة الحكم في المواضيع المتعلقة بالنزاع والتي تخرج عن صلاحيتها ودون ان يعني ذلك توقف إجراءات التحكيم)،  فهذا النص اجاز للمحكم صراحة ان يستعين ويطلب من المحكمة المختصة الأمر بالحجز التحفظي وتنفيذ اجراءاته.

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: العلاقة بين دعوى صحة الحجز والدعوى بالحق الموضوعي محل شرط التحكيم:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

نصت المادة (389) من قانون المرافعات اليمني على أنه (يجب على من أمر له بالحجز التحفظي في أي حالة بدون حكم أو أمر أداء ان يرفع دعوى بحقه وبصحة الحجز يخاصم فيها المحجوز عليه والمحجوز لديه إن وقع الحجز على ما لديه خلال ثمانية أيام من تاريخ إعلان المدين بالحجز وإلا سقط الحجز واعتبر كأن لم يكن، وإذا كان طالب الحجز التحفظي بيده حكم أو أمر أداء غير نهائي وتم الحجز بموجب ذلك فيلزمه رفع دعوى صحة الحجز خلال الميعاد المذكور وإلا سقط الحجز التحفظي)، فهذا النص تضمن حكمين الحكم الأول : أنه إذا  صدر أمر الحجز لطالب الحجز الذي ليس لديه حكم أو امر اداء فأنه يجب على من صدر له الأمر بالحجز في هذه الحالة ان يرفع دعويين الأولى : دعوى صحة الحجز يبين فيها تفصيلا الأسباب والموجبات التي تدل على صحة طلبه الحجز وصحة الاسانيد التي استند إليها الأمر بالحجز التحفظي الذي صدر بموجب طلبه، ودعوى صحة الحجز هذهِ تثير جدلا واسعا في أوساط  الباحثين والمهتمين لغموضها، اما الدعوى الثانية التي يجب على من صدر له أمر الحجز التحفظي تقديمها إذا لم يكن معه حكم أو امر اداء فهي دعوى  الحق الموضوعي، إذ يجب على من صدر له امر الحجز التحفظي بدون أن يكون معه حكم أو امر اداء ان يقدم معا الدعويين المشار إليهما في عريضة واحدة .

اما الحكم الثاني الذي تضمنه نص المادة (389) مرافعات فهو يتناول من صدر لمصلحته أمر الحجز التحفظي ولديه حكم أو امر اداء، ففي هذه الحالة لايلزم من صدر له الأمر بالحجز الا ان يرفع دعوى واحدة وهي دعوى صحة الحجز فقط، لأنه قد سبق أن حصل على حكم أو امر اداء قرر حقه الموضوعي أو كشف عن حقه الموضوعي، فلايلزمه في هذه الحالة ان يرفع دعوى موضوعية بحقه.

 وتطبيقاً لما تقدم  على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا  فلم يكن لدى من صدر له أمر الحجز التحفظي  لم يكن لديه حكم أو اداء ، ولذلك كان يجب عليه أن يقدم دعويين معا وهما دعوى الحق ودعوى صحة الحجز وذلك في عريضة واحدة حسبما اشار نص المادة (389) مرافعات غير لم يستطع رفعهما خلال الثمانية الايام المحددة في النص السابق لوجود هيئة التحكيم خارج اليمن، ولذلك فقد منحه الحكم محل تعليقنا مهلة ستين يوما لرفع عريضة الدعويين أمام هيئة التحكيم الموجودة خارج اليمن. فالعريضة المتضمنة الدعويين ينبغي تقديمها أمام هيئة التحكيم وليس أمام المحكمة التي اصدرت أمر الحجز التحفظي حسبما هو مقرر في المادة (389) مرافعات السابق ذكرها التي نصت على أنه (يجب على من أمر له بالحجز التحفظي في أي حالة بدون حكم أو أمر أداء ان يرفع دعوى بحقه وبصحة الحجز يخاصم فيها المحجوز عليه والمحجوز لديه إن وقع الحجز على ما لديه خلال ثمانية أيام من تاريخ إعلان المدين بالحجز وإلا سقط الحجز واعتبر كأن لم يكن، وإذا كان طالب الحجز التحفظي بيده حكم أو أمر أداء غير نهائي وتم الحجز بموجب ذلك فيلزمه رفع دعوى صحة الحجز خلال الميعاد المذكور وإلا سقط الحجز التحفظي)، فهذه المادة تقرر ان دعوى صحة الحجز ودعوى الحق الموضوعي  ترفعا معا في عريضة واحدة أمام محكمة واحدة وان الاختصاص بالفصل في الدعويين معا  معقود لهيئة التحكيم، لأن الدعويين تتعلقا بالموضوع محل التحكيم المذكور في شرط التحكيم، فالفصل فيهما  ينبغي أن يكون من جهة واحدة، وهي هيئة التحكيم بموجب شرط التحكيم الذي اتفق عليه الطرفان .  

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثالث : ماهية دعوى صحة الحجز :*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

كان جانب من الجدل الذي اشار اليه الحكم محل تعليقنا قد اتجه إلى طبيعة دعوى صحة الحجز، وما إذا كانت هذه الدعوى موضوعية، وكذا كان الجدل يدور بشأن علاقة دعوى صحة الحجز بدعوى الحق الموضوعي، وفي هذا الشأن فإن الفقه العربي يذهب إلى أن هذه الدعوى وان سميت “دعوى صحة الحجز” إلا أنها في حقيقتها دعوى موضوعية غايتها ثبوت حق الدائن الحاجز في ذمة المدين، وهذا هو الطلب الأساسي الذى ترفع به، أما طلب صحة إجراءات الحجز فهو طلب فرعى أو تبعي مكمل للطلب الأساسي الذى ترفع به الدعوى، ولذلك فإن تسميتها باسم “دعوى صحة الحجز” هى تسمية مضللة، لأن ذلك قد يوحى بأن صحة إجراءات الحجز هى الهدف الرئيسي فيها، في حين أن طبيعتها أو تكييفها القانوني الصحيح يوكد انها دعوى موضوعية بثبوت الحق (حق الدائن الحاجز): وترفع عادة بطلبين (أحدهما) أساسي وهو طلب الحكم على المدين المحجوز عليه بثبوت حق الدائن في ذمته أو بتحديد مقداره بشكل نهائي. (وثانيهما) ثانوي وتبعي وهو طلب الحكم بصحة إجراءات الحجز سواء من حيث شكلها أو من حيث موضوعها، وفى هذا الطلب (الفرعي) تبحث المحكمة الحجز شكلاً وموضوعاً، وقد تنتهى إلى الحكم بصحة الحجز – كما أنها قد تنتهى إلى رفض هذا الطلب غير أن هذا الرفض لا يؤثر على الطلب الأساسي الذى يبقى قائماً ويكفى وحده لحمل الدعوى، بمعنى أنه قد يحكم بالمديونية مع الحكم بأن الحجز غير صحيح (شكلاً أو موضوعاً)، ولا يكون هناك تعارض بين رفض الطلب الفرعي وإجابة الطلب الأساسي لعدم التلازم بينهما- أي أن إجابة المحكمة للطلب الأساسي لا تستتبع حتما إجابة الطلب الفرعي ولا عكس، لأن رفض الطلب الأساسي يؤدى بالضرورة إلى رفض الطلب الفرعي باعتباره نتيجة له، فإن من مفترضات صحة الحجز أن يكون ثمة دين يرتكز عليه الحاجز وإلا فإن الحجز يكون قائماً على غير سبب.

ولذلك لا يتصور أن تقضى المحكمة بالرفض بالنسبة للمديونية وبالقبول بالنسبة لصحة الحجز، وان كان من المتصور أن تقضى قضاء إيجابياً (لصالح الدائن الحاجز) في طلب ثبوت المديونية وتقضى في  الوقت ذاته برفض طلب صحة الحجز إذا تبين لها الخلل في إجراءاته.(ضوابط وإجراءات دعوى صحة الحجز في القانون الكويتي، مقال منشور في محاماة نت). 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الرابع : مدى إختصاص المحكم بنظر دعوى صحة الحجز ودعوى الحق الموضوعي :*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

مع أن المحكم لا يختص بإلامر بإجراء الحجز التحفظي للإعتبارات السابق ذكرها غير أن المحكم هو المختص بنظر (الدعوى  بحق) المحجوز لصالحه حسبما سبق بيانه، لأن موضوع الحق في الدعوى بالحق حسب تعبير المادة (389) من قانون المرافعات اليمني هو ذاته موضوع التحكيم الذي يرد ذكره في شرط التحكيم أو إتفاق التحكيم،  فالدعوى بالحق دعوى موضوعية موضوعها هو الحق محل التحكيم المذكور في إتفاق التحكيم أو شرط التحكيم الذي قام فيه الخصوم المحتكمون بإختيار المحكم للفصل فيه، وبما أن المحكم يستمد ولايته وإختصاصه من إتفاق التحكيم أو شرط التحكيم ،  لذلك فإن هيئة التحكيم تكون هي المختصة بنظر الدعوى بالحق، وقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد صرح بان الدعوى بالحق الموضوعي ينبغي رفعها أمام هيئة التحكيم وليس أمام المحكمة التي أمرت بإجراء الحجز التحفظي.

 اما دعوى صحة الحجز فقد ذكرنا في الوجه السابق ان الوضع الأفضل هو أن تتضمن عريضة الدعوى الدعويين معا اي دعوى صحة الحجز مع دعوى الحق الموضوعي، ويتم تقديمهما في عريضة واحدة أمام محكمة واحدة وهي المحكمة المختصة، وإذا كان هناك شرط تحكيم أو إتفاق تحكيم فيتم تقديم هذه العريضة الواحدة إلى هيئة التحكيم أو المحكم، وقد المح الحكم محل تعليقنا إلى ذلك، والله اعلم.

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني