تطبيق مبدأ التدرج القانوني في القضاء اليمني

 *تطبيق مبدأ التدرج القانوني في القضاء اليمني*



*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2024/04/blog-post_10.html

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

من أهم الوظائف التي تضطلع بها المحكمة العليا في اليمن (محكمة النقض) الرقابة القانونية على احكام محاكم الموضوع للتحقق من التزامها بنصوص القانون، ومن أهم المبادئ التي تكفل تطبيق وتنفيذ نصوص القانون بصورة صحيحة وسليمة مبدأ التدرج القانوني الذي يعني  عدم مخالفة التشريع الأدنى للتشريع الأعلى، وكذا مبدأ الفصل بين السلطات ومن تطبيقاته أنه لا يجوز للائحة التنفيذية أن تتضمن نصاً جديداً (تشريعاً جديداً) أو نصا يخالف نصاً في القانون، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-9-2017م في الطعن رقم (59121)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ونعي الطاعن مردود، ذلك أن النص المذكور في اللائحة التنفيذية لا أصل له في القانون الذي صدرت اللائحة تنفيذاً له، مما يستدعي إعمال أصل من أصول مبادئ القانون وهو المتعلق بتدرج التشريع فيما بين أنواعه الثلاثة، حيث يأتي الدستور في المرتبة الأولى والقانون في المرتبة الوسطى وفي المرتبة الدنيا تأتي اللائحة أو التشريع الفرعي، وللتدرج آثار معلومة في الفقه والقضاء من أهمها: عدم جواز مخالفة التشريع الأدنى للتشريع الأعلى، ولذلك فإن قانون التحكيم هو الشريعة العامة في قضايا التحكيم، فلا يمكن تخصيص نصوصه بنص لائحي، إذ في ذلك مخالفة لمبدأ التدرج، وهو ما سارت عليه هذه الدائرة في أحكامها بهذا الخصوص))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الأول: ماهية مبدأ التدرج القانوني:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

كي تكون الدولة قانونية بالفعل تحترم سيادة القانون وتحقق مبدأ المشروعية ، فلابد ان تأخذ الدولة بمبدأ تدرج القواعد القانونية، ذلك ان النظام القانوني في أي دولة يتكون من مجموعة كبيرة من القواعد القانونية، وعند تطبيقها على الحالات الفردية فانه قد تتزاحم وتتعارض فيما بينها، ولتوقي حدوث ذلك كان لابد من نظام يؤدي الى تنظيم هذه القواعد وترتيبها حتى تحقق وحدة القواعد القانونية وترابطها، فيسهل تطبيق القواعد القانونية المشروعة الواجبة التطبيق في كل حالة من الحالات المختلفة.

ومبدأ تدرج القواعد القانونية هو الذي  يحقق ذلك التنظيم والترتيب بين القواعد القانونية المختلفة، ومقتضى هذا المبدأ : ان القواعد القانونية التي يتكون من مجموعها النظام القانوني في الدولة مرتبطة فيما بينها ارتباطاً تسلسلياً متدرجاً بمعنى ان القواعد القانونية ليست جميعها في مرتبة واحدة من حيث القوة ، بل تتدرج فيما بينها مما يجعل بعضها أعلى مرتبة من البعض الاخر, فنجد في القمة القواعد الدستورية التي تكون بطبيعتها اعلى مرتبة من سائر القواعد القانونية الاخرى ثم تأتي بعدها في الدرجة القواعد القانونية التي تتضمنها القوانين  التي تصدرها السلطة التشريعية، وهذه القوانين أعلى مرتبة من اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء)، وهذه اللوائح بدورها أعلى مرتبة من القرارات التنظيمية والأنظمة والتعاميم والمنشورات والتعليمات العامة التي تصدرها السلطات الإدارية المختلفة (الوزارات والمصالح والاجهزة والهيئات)، وهذه القرارات والمنشورات التنظيمية أعلى مرتبة من القرارات الفردية الصادرة من السلطات الادارية كقرارات التعيين  الترقية والفصل وغيرها  من القرارات الفردية التي تخص  بعض الأفراد كل فرد على حدة .

ويترتب على مبدأ تدرج القواعد القانونية وجوب خضوع القاعدة الادنى للقاعدة الاعلى من حيث الشكل والموضوع أي من حيث صدورها من السلطة التي حددتها القاعدة  وبأتباع الاجراءات التي بينتها القاعدة وان تكون متفقة في مضمونها مع مضمون القاعدة الاعلى.

ويسمى تدرج القواعد القانونية  أيضا الهرم التشريعي، ويقصد به : ترتيب القواعد القانونية أو الأدوات التشريعية من الأعلى إلى الأدنى وفقاً لقوتها والجهة المنوط بها إصدارها مع ضرورة الالتزام – عند التطبيق – بهذا الترتيب، و يرتب الهرم التشريعي  التشريعات  هكذا : الدستور في راس الهرم ثم القانون ثم اللوائح، ثم القرارات التنظيمية... إلخ، و يتضمن الهرم أيضا  المعاهدات الدولية التي يختلف موقعها حسب الأنظمة القانونية في الدول اىمختلفة .

فالدستور  يأتي في قمة الهرم التشريعي حيث يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ايا كان شكلها (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم سواء كان (ملكياً أم جمهورياً) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) ، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات للأفراد تجاه السلطات ، ويشمل الدستور اختصاصات السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريع، فلايجوز لها مخالفة نصوص الدستور .

ويتم وضع الدستور في الأنظمة الديمقراطية إما عن طريق الجمعية التأسيسية المنتخبة أو عن طريق الاستفتاء الدستوري العام، ولعل أفضل الطرق لسن الدستور هي تلك الطريقة التي تجمع بين طريق الاستفتاء وطريق الجمعية التأسيسية بأن تتولى جمعية منتخبة من الشعب وضع دستور توافق عليه بعد مناقشة أحكامه مناقشة كاملة تفصيلية، على أن يطرح فيما بعد للاستفتاء الشعبي.

أما القانون – وهو ياتي بالمرتبة الثانية بعد الدستور في الهرم التشريعي – فيقصد به مجموعة القواعد التي تنظم علاقات المختلفة داخل المجتمع فتحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم فيه، والتي تناط كفالة احترامها إلى السلطتين القضائية والتنفيذية بما تملك السلطة العامة في المجتمع من قوة الجبر والإلزام، وبصورة عامة فان السلطة التشريعية هي التي تتولى سن القوانين التي يتم اقتراحها من قبل رئيس الوزراء او مجلسه او عدد من اعضاء البرلمان – حسب النظام القانوني القائم في الدولة – وهناك بعض الدساتير التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحية الحلول محل السلطة التشريعية في إصدار قرارات لها قوة القانون وذلك في حالتين :

احداهما حالة الضرورة : وهي قيام حالة تستدعي الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير أثناء حل البرلمان أو عطلته بين دورتي الانعقاد، ولابد أن تعرض التشريعات التي اتخذت في حالة الضرورة على  البرلمان خلال مدة معينة عند اول جلسة لانعقاده .

اما الحالة الثانية : فهي حالة التفويض حيث يحل رئيس الجمهورية محل السلطة التشريعية بناء على تفويض منها في سن قرارات لها قوة القانون في المسائل المحددة في التفويض، وذلك للرغبة في توفير الدقة أو السرعة أو السرية لبعض التشريعات التي قد تبرر هذا التفويض، ويجب في هذه الحالة ايضا عرض كل القرارات التي اتخذت وقت التفويض على البرلمان في اول جلسة انعقاد له.

أما بالنسبة للوائح والقرارات الوزارية فهناك ثلاثة أنواع من اللوائح: النوع الأول يعرف باللائحة التنفيذية : وهو ما تصدره السلطة التنفيذية من قواعد بغرض تنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، ولا تملك اللائحة التنفيذية إلغاء أو تعديل أو تعطيل اي نص قانوني أو الإعفاء من اي نص من نصوص القانون الذي صدرت تنفيذاً له أو عيره ، وغالبا ما يحدد القانون في نهاية القانون الجهة الإدارية المختصة بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون. 

والنوع الثاني: يعرف باللوائح التنظيمية : وهو ما تصدره السلطة التنفيذية لتنظيم وترتيب أعمال الوزارات والمصالح والمرافق العامة وتوزيع وتقسيم أعمال هذه الجهات إلى قطاعات وادارات  التي تتكون منها تلك الوزارات والمؤسسات و المصالح  وتوزيع الاختصاصات بين القطاعات والادارات ، اما النوع الثالث فيسمي لوائح الضبط الاداري أو البوليس الاداري وهو ما تضعه السلطة التنفيذية من قيود على الحريات الفردية لحفظ الأمن وتوفير السكينة والطمأنينة وحماية الصحة العامة كلوائح المرور ولوائح مراقبة الأغذية والباعة المتجولين .

وتنص غالبية الدساتير على ان إصدار اللوائح التنفيذية يعد من اختصاص رئيس الجمهورية أو من يفوضه أو من يحدده القانون لإصدار اللائحة، وليس هناك شك في أن اللوائح التنفيذية تعد في مرتبة أعلى من القرارات الوزارية في حالة صدورها من رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، كما أن اللائحة التنفيذية التي تصدر بقرار من رئيس الجمهورية تكون أعلى من تلك التي تصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء، اما اذا كانت اللائحة التنفيذية صادرة من الوزير ذاته ففي هذه الحالة إذا كان القرار الوزاري صدر على أنه لائحة تنفيذية لقانون معين فإنه يتمتع بدرجة أعلى من أقرانه من القرارات الوزارية التي تصدر استناداً الى أدوات تشريعية أعلى منها حيث أنه في الحالة الأولى يكون القرار الوزاري (اللائحة) قد استمد سلطته وقوته التشريعية مباشرة من القانون الذي صدر القرار تنفيذا له، بينما في الحالة الثانية  يكون القرار الوزاري قد صدر استنادا الى قرار رئيس الجمهورية أو قرار رئيس الوزراء فيكون في هذه الحالة  أقل مرتبة من القرار الذي يصدر بناء على القانون، حيث ترد في بعض القوانين نص يقضي بأن (يقوم الوزير المختص بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ احكام هذا القانون). (مهارات الصياغة القانونية، أ. د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص152، وتدرج القواعد القانونية، ورود فخري ص4). 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: ماهية مبدأ الفصل بين السلطات:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

كان الحكم محل تعليقنا قد  صرح بتطبيقه لمبدأ الفصل بين السلطات، إذ صرح الحكم محل تعليقنا بأنه لايجوز ان تتضمن اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بقرار جمهوري لايجوز ان تتضمن نصاً جديداً لم يرد ذكره في القانون الذي صدرت اللائحة تنفيذا له، لأن ذلك تشريعاً جديدا ليس من اختصاص  السلطة التنفيذية التي أصدرت اللائحة ، لأن ذلك افتيات على إختصاص السلطة التشريعية المختصة بسن التشريعات، ولذلك نجد انه من المناسب التعرض بايجاز لمبدأ الفصل بين السلطات ، إذ يهدف هذا المبدأ إلى تنظيم السلطات في الدولة وتوزيع  سلطات  الدولة ووظائفها على ثلاث سلطات (تشريعية وتنفيذية وقضائية)، كل سلطة منها مستقلة عن الأخرى ، لأن تجميع السلطات في سلطة واحدة من شانه أن يؤدي إلى الاستبداد والمساس بالحقوق والحريات، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

وقد ارتبط هذا المبدأ باسم الفقيه الفرنسي مونتسكيو ، الذي ذهب الى أن الوسيلة الأساسية لممارسة السلطة مع المحافظة في الوقت ذاته على حماية حقوق وحريات الافراد ، هو الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث بوصف هذا المبدأ سلاحاً فاعلا ضد السلطة المطلقة التي تقوم على أساس تركيز السلطات في سلطة واحدة، كما أن مبدأ الفصل بين السلطات هو الأساس لتحقيق حكومة عادلة .

ويستند تأسيس هذا المبدأ على قاعدتين هما : اولاً ، قاعدة التخصيص الوظيفي المتمثل بتخصيص كل سلطة من السلطات الثلاث الحاكمة بوظيفة من وظائف الدولة القانونية الثلاث التشريعية و التنفيذية والقضائية ، وثانياً، قاعدة الاستقلال العضوي بما تعنيه من ضرورة تحديد العلاقات بين السلطات الثلاث على أساس أن جميعها سلطات متساوية ومستقلة عن بعضها البعض بحيث لاتتدخل أحدها في اعمال الأخرى ولا تخضع لغيرها من السلطات.

ونظرًا لأهمية مبدأ الفصل بين السلطات ، فانه يتمتع بمزايا عدة ، منها أنه يؤدي الى صيانة الحقوق والحريات ومنع الاستبداد ، عن طريق توفير أرضية شرعية لممارسة السلطة من قبل سلطات متعددة  تتساوى فيها الحقوق وتتوازن الصلاحيات مما يجعل كل منها رقيباً على الأخرى، كما يهدف هذا المبدأ الى احترام القوانين وحسن تطبيقها بمنع إجتماع وظيفة التشريع والتنفيذ بيد سلطة واحدة، لأن ذلك   يفسح المجال امام السلطة التنفيذية لإصدار قوانين من شانها منح نفسها سلطات وصلاحيات واسعة مما ينفي عن القانون حياديته وعموميته وتننتفي تبعاً لذلك عن الدولة صفة حكم القانون، ومن المعروف ان الفرد لايمكنه التمتع بالحقوق والحريات  الا اذا شعر بالآمن والامان، فضلا عن ان اجتماع التشريع والقضاء في سلطة واحدة قد يدفع المشرع الى سن قوانين مغرضة تتفق مع الحل الذي يراد تطبيقه في الحالات التي تُعرض امام القضاء للفصل فيها فيحابي من يشاء ، ويعصف بحقوق من يشاء ، وهذا يمكن ملاحظته ايضاً عند إجماع وظيفة التنفيذ والقضاء بيد سلطة واحدة مما يؤدي الى غياب رقابة القاضي على عدالة التنفيذ وشرعيته، وبالإضافة الى ذلك فإن هذا المبدأ يعمل على تحسين أداء العمل في الدولة عن طريق تخصص كل سلطة من هذه السلطات بالمهام الموكلة اليها واتقانها لعملها وقيامها به على خير وجه مما يؤدي الى حسن سير العمل في جميع المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

 وقد ذهب بعض فقهاء القانون الدستوري إلى توجيه بعض الانتقادات إلى هذا المبدا بقولهم: ان تطبيق هذا المبدأ من شانه القضاء على فكرة المسؤولية، إذ يشجع كل سلطة على التهرب من المسئولية والقاءها على عاتق السلطات الأخرى , وكذا وقال هولاء أن هذا المبدأ نظري بحت لاستحالة تحقيق الفصل بين سلطات ترتبط ببعضها البعض ارتباطاً وثيقاً، لانه في جميع الدول لابد أن تطغى احدى السلطات على باقيها ، ويرى هولاء أيضا أن هذا المبدأ وجد لاعتبارات تاريخية كان القصد منها انتزاع السلطة التشريعية من يد الملوك للحد من السلطان المطلق والاستبداد ، وقد تحقق المقصود من هذا المبدأ، وبالتالي أصبح عديم الفائدة حالياً.

بيد ان الغالبية العظمى من فقهاء القانون الدستوري لايقبلوا بتلك  الانتقادات  لانها مخالفة للحقيقة ، فمهما كانت الاعتبارات التاريخية التي أدت الى قيام هذا المبدأ فإن الأسس التي قام عليها لاتزال موجودة معمولاً بها في العصر الحاضر في مجال السلطة السياسية ، فالطبيعة البشرية تحدو بكل من يعطى سلطة عامة إلى أن يسيء استعمالها , كما ان تجميع السلطات وتركيزها في سلطة واحدة تؤدي حتماً الى الاستبداد، ومن ثم تعريض الحقوق والحريات للخطر.

غير أن مضمون هذا المبدأ كما دعا اليه منتسكيو قد تغير في الوقت الحاضر اذ انه يتعذر الفصل المطلق أي الفصل التام بين السلطات ، إذ  يجب أن يكون بين السلطات تعاون وتوازن ورقابة ، حتى تستطيع كل سلطة ان توقف الأخرى عند حدود مهمتها أو إختصاصاتها اذا أرادت ان تتجاوز تلك الحدود او أن تستبد بالسلطة. 

وعلى ذلك فإن جوهر مبدأ الفصل بين السلطات  يتحدد  على أساس قيام سلطات ثلاث في الدولة  مستقلة عن بعضها  إستقلالاً غير تاماً ، وإنما هو استقلال مع التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث.

وقد تباينت مواقف الدساتير المختلفة من مبدأ الفصل بين السلطات ، فبعضها  يطبق نظام الفصل الشديد بين السلطات، ومن هذه الدساتير الدستور الامريكي لعام 1787 والدساتير الفرنسية عقب الثورة الفرنسية كدستور 1791  ودستور السنة الثالثة للثورة .

بينما نصت  معظم دساتير الدول الديمقراطية في العصر الحاضر على مبدأ الفصل المرن بين السلطات كمنظم  لاعمالها السياسية والدستورية بما يضمن حماية الحقوق والحريات لأفراد المجتمع . (مبدأ الفصل بين السلطات،  م.م. تمارة غازي محي، ص5). 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثالث: ماهية اللائحة التنفيذية للقانون ومكوناتها:*

 ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

يحدد القانون الذي تصدر اللائحة تنفيذا له يحدد مسمى اللائحة والجهة التي تتولى اصدارها ، وتتضمن اللائحة التنفيذية   قواعد وأحكام تفصيلية وإجرائية لتسهيل تنفيذ القانون، شريطة ان لا تتضمن نصوص اللائحة وأحكامها تعديلا أو تعطيلا لنصوص القانون، كما أنه لايجوز ان  تتضمن اللائحة نصوصا إضافية لم يرد ذكرها في القانون الذي صدرت اللائحة تنفيذاً له. 

فالقواعد التي تتضمنها اللائحة التنفيذية هي قواعد تكميلية يتم وضعها لتنفيذ أحكام القانون، فهي تتضمن نصوصا أكثر تفصيلاً بشأن كيفية تنفيذ القانون، وغالبًا ما تكون نصوص اللائحة أكثر تحديدًا من القانون ذاته.(مهارات الصياغة القانونية، أ. د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص 156).  

إن القانون هو بيان عام للقواعد التي يجب على الجمهور اتباعها،  فالقانون يحدد الإطار العام لتنظيم مسائل معينة، اما اللائحة التنفيذية فتتضمن التفاصيل اللازمة لتنفيذ القانون، فاللائحة التنفيذية هي التوجيه العملي لكيفية تطبيق القانون، بينما يوفر القانون ذاته المبادئ العامة. (اللائحة التنفيذية للقانون، صلاح بن خليفة المقبالي، ص 3).

وتشتمل اللائحة التنفيذية على قواعد تتضمن كافة المسائل التنفيذية التي صرح القانون بأن تنظيمها أو تنفيذها سيكون في اللائحة التنفيذية للقانون، بمعنى أن القانون ذاته  يصرح بأنه قد أحال تنفيذ وتنظيم بعض الأمور والمسائل إلى اللائحة التنفيذية ، إذ ترد في بعض النصوص القانونية عبارات مثل (حسبما هو مبين في اللائحة/ حسبما هو مفصل في اللائحة/ وتحدد ذلك اللائحة)، فذلك يعني أن السلطة التشريعية التي اصدرت القانون قد اوكلت إلى السلطة التنفيذية تنظيم هذه المسائل  عند إصدار السلطة التنفيذية للائحة التنفيذية ، ولذلك فإن اللائحة التنفيذية تتضمن المسائل التي احال القانون ذاته تنفيذها أو تفسيرها أو تنظيمها إلى اللائحة، لأن إحالة القانون الصادر عن السلطة التشريعية لبعض المسائل إلى اللائحة التنفيذية التي تصدرها السلطة التنفيذية يكون ذلك بمثابة تفويض من السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية بتنظيم تلك المسائل في اللائحة التنفيذية لتلبية احتياجات السلطة التنفيذية، لأن السلطة التشريعية هي المختصة بموجب أحكام الدستور بسن القوانين والتشريعات.(مهارات الصياغة القانونية، أ. د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص157). 

وعند إعداد وصياغة اللوائح التنفيذية يسود في اليمن منهجان: المنهج الأول: تضمين اللائحة المسائل التي احال القانون تنفيذها وتفصيلها إلى اللائحة التنفيذية فقط دون التعرض للنصوص الأخرى التي لم تتضمن إحالة إلى اللائحة ، والاتجاه الثاني: تضمين اللائحة التنفيذية نصوص القانون كاملة – أي أن اللائحة تتضمن نصوص القانون سواءً تلك التي احال القانون بيانها إلى اللائحة أو غيرها حتى يتم في اللائحة بيان وشرح النصوص القانونية أو الأحكام المجملة في القانون، ولذلك  يتم إيراد نصوص القانون كاملة في اللائحة التنفيذية. 

بيد أنه في كل الأحوال لا يجوز أن تتضمن اللائحة التنفيذية نصا أو حكماً قانونياً جديداً لم يرد ذكره في القانون، لأن ذلك يخل بمبدأ الفصل بين السلطات، لأن التشريع الجديد من إختصاص السلطة التشريعية .(المرجع السابق) . 

كما أنه لايجوز أن تتضمن اللائحة التنفيذية نصاً يخالف أي نص قانوني سواءً للقانون الذي صدرت اللائحة تنفيذاً له أو أي قانون آخر، لأن اللائحة من حيث مرتبتها في التدرج القانوني تأتي تالية للقانون، فلا يجوز للتشريع الأدنى وهو اللائحة التنفيذية أن تخالف أي نص قانوني، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني