رجوع الوالد عن الهبة التبرعية لولده

*رجوع الوالد عن الهبة التبرعية لولده* *أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين* *الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء* https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2024/03/blog-post_31.html ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ ▪️ الهبة التبرعية هي تلك التي تكون من غير مقابل، فيجوز للواهب أن يرجع عنها، وتندرج هبة الوالد التبرعية ضمن هذا المفهوم، بيد ان لهبة الوالد لولده طبيعة خاصة، لأن القانون قد صرح بأن الهبة لوارث يكون حكمها حكم الوصية لوارث، كما أن القانون اشترط ان تكون هبة الوالد لأولاده او للورثة متساوية بحسب قواعد الميرات، وذهب القانون إلى أنه إذا تعذر رجوع الوالد عن هبته التبرعية لولده وكان للوالد ورثة آخرين غير الموهوب له فأنه يتم إحتساب الهبة من نصيب الموهوب له عند قسمة تركة الواهب بعد وفاته ، اما اذا كانت هبة الوالد لولده مقابل عمل قام به الولد أو خدمة او نفقة قام بها لحساب والده أو شقية فإن الهبة في هذه الحالة تكون جائزة ولا يجوز للوالد الرجوع عنها، لأن الهبة في حقيقتها في هذه الأحوال تكون بيعا أو إجارة أو قضاء لدين، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-4-2018م في الطعن رقم (59419)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد وجدت الدائرة: أن نعي الطاعن مردود عليه بان الهبة التبرعية يجوز الرجوع عنها بإرادة الواهب المنفردة وهو الاب المطعون ضده الذي رجع عما وهبه، ولذلك لم يثبت أن الهبة كانت شقية للطاعنين))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ *▪️ الوجه الأول: معنى الهبة التبرعية من الوالد لولده:* ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ ▪️ الهبة التبرعية من الوالد لولده تكون من غير مقابل أو غرض، وعلى هذا المعنى فأن الهبة التبرعية للولد تكون في حكم العطية أو النحلة التي يجب على الوالد أن يساوي بين أولاده فيها، والهبة التبرعية للأولاد (العطية) جائزة في الشريعة الإسلامية شريطة المساواة بين الأولاد في العطية، وقد ادرج قانون الأحوال الشخصية اليمني العطية للأولاد أو النحلة ضمن الهبة، واشترط القانون المساواة فيها بحسب قواعد الميراث للذكر مثل حظ الانثيين، وقد أخذ القانون في هذه المسألة بقول الشافعية وبعض الزيدية، وفي هذا المعنى نصت المادة (183) أحوال شخصية على أنه (يجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية)، في حين ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية والشيعة الجعفرية والأباضية إلى أن المساواة بين الأولاد في العطية تكون مطلقة دون تفرقة بين الأبناء والبنات عملاً بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم {اتقوا الله وساووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلاً أحدا لفضلت النساء}، هذا إذا كانت العطية أو الهبة تبرعية. أما إذا كانت الهبة مقابل خدمة أو نفقة أو شقية أو عمل قام به الولد لحساب والده، فيجب أن تكون الهبة على قدر الخدمة أو النفقة أو العمل الذي قام به الولد لحساب والده، وكذلك الحال إذا كانت الهبة لغرض كما لو وهب الوالد هبة لولد ولده المريض بمرض مزمن كالمشلول أو الأعمى كي يستعين بها في مرضه المزمن فيحق للوالد ان يفرد ولد ولده المريض بهذه الهبة دون غيره من الاصحاء، وكذلك الحال في هبة الوالد لاولاده مقابل نفقات الزواج والتعليم فهي جائزة ولا تشترط فيها المساواة. (تفسير آيات وأحاديث الأحكام، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص374). ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ *▪️ الوجه الثاني: الهبة التبرعية من الوالد لولده حكمها حكم الوصية:* ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ ▪️ صرح قانون الأحوال الشخصية بأن الهبة الصادرة من الوالد لولده يكون حكمها حكم الوصية، ومن المعلوم أن الوصية لوارث أو وارث الوارث غير جائزة الا اذا اجازها بقية الورثة أو إذا كان وارث الوارث (ولد الولد) عاجز عن الكسب كالاشل الأعمى وامثالهما ، وفي هذا الشأن نصت المادة (186) أحوال شخصية على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً ومع مراعاة أحكام المادة (183) وقد سبق القول بأن المادة (183) هي تلك المادة التي اجازت هبة الوالد لأولاده وورثته شريطة المساواة بينهم بحسب قواعد الميراث حسبما سبق بيانه في الوجه الأول، وبما أن النص القانوني الذي ذكر بأن الهبة للوارث يكون حكمها حكم الوصية قد أوجب مراعاة ما ورد في المادة (183) فإن الهبة للأولاد والورثة جائزة شريطة المساواة بينهم بحسب قواعد الميراث. وقد اجاز القانون الوصية لوارث الوارث العاجز عن الكسب حسبما هو مقرر في المادة (235) أحوال شخصية التي نصت على أنه (لا تصح الوصية لوارث الوارث في حياة مورثه الا لمبرر يعوقه عن الكسب كالأعمى والاشل وامثالهما مع الفقر)، وبما أن القانون قد صرح ان الهبة لوارث يكون حكمها حكم الوصية لوارث فإن هبة الوالد لاولاد ولده العاجزين عن الكسب كالاشل والأعمى جائزة ولا تشترط فيها المساواة. ومما يجدر ذكره في نهاية هذا الوجه: أن الهبة تختلف عن الوصية، فالهبة تكون منجزة اثناء حياة الوالد وكذلك الحال بالنسبة للعطية للأولاد فإنها تكون أيضا اثناء حياة الوالد، اما الوصية فتكون تصرفا إلى مابعد وفاة الوالد. (القسمة اثناء حياة المورث، أ.د عبدالمؤمن شجاع الدين، مجلة جيل للابحاث المعمقة، ص78). ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ *▪️ الوجه الثالث: رجوع الوالد عن الهبة التبرعية لولده:* ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂ ▪️ اجاز الفقه الإسلامي للوالد أن يرجع عن هبته التبرعية لولده، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية اليمني بما ذهب إليه الفقه الإسلامي، فقد نصت المادة (196) على أنه (لا يجوز الرجوع في الهبة التبرعية إلا في الأحوال الآتية: -2- أن يكون الواهب أباً أو أماً للموهوب له)، وقد اشترط القانون لصحة رجوع الواهب سواء أكان الوالد أم غيره أشترط القانون خمسة شروط، حسبما ورد في المادة (197) أحوال شخصية التي نصت على أنه (مع مراعاة ماجاء في المادة 196 من هذا القانون يشترط لصحة الرجوع في الهبة التبرعية التي لاغرض فيها ما يأتي :-1- بقاء الواهب والموهوب له على قيد الحياة. 2-ان لا يكون المال الموهوب قد هلك في يد الموهوب له حقيقة او حكما كان يكون تصرف فيه للغير، واذا هلك بعض الموهوب جاز الرجوع في الباقي مع تحقق باقي الشروط. 3-ان لا يكون المال الموهوب قد زاد زيادة متصلة بما لا يتسامح في مثله الا اذا كان الواهب ابا او اما فيجوز الرجوع بشرط تعويض الموهوب له بقيمة ما زاد في الموهوب. 4-ان لا يكون قد تعلق بالمال الموهوب ضمان او رهن بدين الا ان يجيز صاحب الدين او يوفى الدين. 5-إذا امتنع الرجوع لعدم توفر هذه الشروط فإن كان للواهب ورثة غير الموهوب له ولم يعطهم ماتوجبه المساواة وجب عليه التسوية بحسب الميراث فإن لم يفعلها أو تعذرت لزم إحتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له بعد وفاة المورث)، وأهم ما يلاحظ على ماورد في النص السابق انه قد صرح بأنه إذا كانت الهبة التبرعية لأحد الورثة دون بقية الورثة الآخرين فأنه يتم إحتساب الهبة من نصيب الوارث الموهوب له عند قسمة تركة الواهب بعد وفاته، والله اعلم. https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني