التحقق من صحة البصيرة عن طريق كاتبها

 *التحقق من صحة البصيرة عن طريق كاتبها*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2024/03/blog-post_5.html?m=1

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

البصيرة أو الحجة مصطلح يطلق في اليمن على وثيقة شراء العقار، وتفيد هذه الوثيقة ملكية المشترى للعقار ، ولعدم وجود سجل عيني عقاري في اليمن ولعدم تسجيل البصيرة في السجل العقاري أو توثيقها لدى قلم التوثيق، لذلك تثور مشكلة التعريف بالبصيرة حينما تكون غير موثقة من قبل قلم التوثيق أو حينما تكون غير مسجلة لدى السجل العقاري، فلا يتم اللجوء إلى التعريف بخط كاتب البصيرة إلا حينما تكون غير موثقة وغير مسجلة، وقد حدد قانون الإثبات إجراءات التحري والتحقق من صحة المحررات العرفية بما في ذلك مستندات الملكية العقارية كالبصائر غير الموثقة وغير المسجلة، إذ يتم التحري عن صحة البصيرة عن طريق الاستماع إلى إفادة كاتب البصيرة وشهودها إذا كانوا أحياء، اما اذا كانوا  امواتا فيتم التحقق عن طريق التعرف والتعريف بخط كاتب البصيرة، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-12-2015م في الطعن رقم (57043)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والدائرة بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت: أن نعي الطاعن في محله وله سنده في القانون، حيث أنه من الواضح أن محكمة الاستئناف أسست حكمها على دليل لم يقدم في مجلس قضائها ولم يتم التحقق منه وهو: شهادة الشاهدين على المحرر اللذين انكرا شهادتهما عليه وهما كبيران في السن، ولم تتم هذه الشهادة في مجلس القضاء أو عن طريق الإرعاء وإنما تم ذلك عن طريق إنتداب أمين السر لهذا الأمر، وهذا يخالف المادة (26) إثبات، كما أن المحكمة لم تتحر بشأن كاتب البيع بإحضاره وإن تعذر ذلك يتم التعريف بخطه وتأكيد عدالته من عدمها وذلك ممن يعرفه، وهذه المخالفة كافية لنقض الحكم الاستئنافي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الأول: التحقق من صحة البصيرة عن طريق الاستماع إلى شهودها :*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (26) إثبات التي نصت على أن (الشهادة إخبار في مجلس القضاء من شخص بلفظ الشهادة لإثبات حق لغيره على غيره)، فالشهادة وسيلة إثبات عامة لإثبات الحقوق والعقود والتصرفات، بما في ذلك وثائق الملكية كالبصائر، فالشهادة جاءت في المرتبة (1) ضمن  طرق الإثبات المقررة في المادة (13) إثبات، فالشهادة من أهم وسائل إثبات صحة البصيرة، حيث يتم تكليف شهود البصيرة بالحضور أمام المحكمة للاستماع إلى شهاداتهم وفي مجلس قضائها (الجلسة)، ويقوم القاضي بمناقشة شهود البصيرة للوقوف على محل الخلاف بشأن ماورد في البصيرة والوصول إلى حقيقة الأمر، وإن تعذر إحضار شهود البصيرة بسبب موتهما أو مرضهما أو نحو ذلك فيقبل الإرعاء وهو أن يكلف الشاهد الأصلي آخر للادلاء بالشهادة نيابة عنه على النحو المقرر في المادة (38) إثبات التي نصت على أن (يقبل الإرعاء في الأحوال التالية: -1- عن ميت ارعاهما في حياته -2- عن معذور عن الحضور بمرض أو نحوه)، ويقوم مقام الإرعاء أن يقوم الشاهد بكتابة شهادته إذا تعذر حضوره ، حسبما ورد في المادة (39) إثبات التي نصت على أن) :يقوم مقام الإرعاء كتابة الشاهد لشهادته بخطه المعروف أو إملاؤها على آخر خطه معروف مع إشهاد شاهدين على الكتابة أو إذا لم يكن الخط معروفاً صدق عليه من جهة رسمية). 

وقد نقض الحكم محل تعليقنا الحكم الاستئنافي، لأن الشعبة الاستئنافية ندبت أمين السر لسماع شهادة شاهدي البصيرة خارج مجلس القضاء بسبب كبر سن الشاهدين، في حين أن المادة (26) إثبات توجب الإدلاء بالشهادة بمجلس القضاء وإن تعذر ذلك تقوم المحكمة بندب أحد القضاة لهذه الغاية وليس أمين السر، عملاً بالمادة (59) إثبات التي نصت على أن (يكون أداء الشهادة أمام المحكمة أو من تندبه لذلك من أعضائها أو من قضاة المحاكم الأخرى)، فهذا النص اشترط ان يكون المنتدب لسماع الشهادة قاضيا . 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: التحقق من صحة البصيرة عن طريق الاستماع إلى أقوال كاتبها:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

كاتب البصيرة هو: الذي استمع إلى صيغة الإيجاب والقبول وشروط المتعاقدين (البائع والمشتري)، كما أن الكاتب هو تأكد من مساحة المبيع ومقدار الثمن وأهلية المتعاقدين لإبرام العقد والمستندات التي تدل على ملكية البائع لما يبيعه وهي المستندات التي تم تحرير البصيرة بموجبها ، فلا يقوم الكاتب بتحرير البصيرة إلا بعد أن يتحقق من هذه المسائل الأولية، إذ يجب على الكاتب ان يتحقق منها  قبل تحرير البصيرة ، وعلى هذا الأساس فإن كاتب البصيرة هو الأعرف بحقيقة ما جرى بين البائع والمشتري قبل وبعد تحرير البصيرة وحقيقة الخلاف بشأن ماتضمنته البصيرة ومدى صحة البيانات الواردة في البصيرة ومدى مطابقتها للواقع، ولذلك فإن الإستماع إلى إفادات الأمين الشرعي أو كاتب البصيرة له أهمية بالغة في الوقوف على صحة البصيرة وصحة ماورد فيها وموضع الخلاف بين الخصوم، ومن هذا المنطلق فقد ارشد الحكم محل تعليقنا إلى أنه كان ينبغي إستدعاء كاتب البصيرة للإستماع إلى إفادته لمعرفة صحة ما ورد في البصيرة محل الخلاف. 

ومن المعلوم أن البصيرة يجب أن تكون محررة بخط الغير، وقد سبق القول: أن البصيرة التي يتم توثيقها لدى قلم التوثيق تكون محرراً رسمياً له حجيته الثبوتية وفقاً لقانون التوثيق ووفقاً للمادة (100) من قانون الإثبات، وكذلك سبق القول: أن البصيرة المسجلة لدى السجل العقاري تكون لها الحجية القانونية المطلقة في مواجهة الكافية، وتبعاً لذلك لا تثور مسألة التحقق من البصيرة إذا كانت موثقة لدى قلم التوثيق أو كانت مسجلة لدى السجل العقاري، فلا تثور مسألة التحقق من صحة البصيرة وصحة ماورد فيها إلا إذا كانت عرفية أي لم يتم توثيقها أو تسجيلها. 

وقد تناولت المادة (106) إثبات كيفية التحقق من صحة البصيرة العرفية، فقد نصت هذه المادة على أنه (إذا كان المحرر العرفي مكتوباً بخط الغير وغير موقع من الخصم فيجب الإشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه، غير أنه إذا كان كاتب المحرر معروفاً بالعدالة والأمانة وحسن السيرة وكان خطه معروفاً للقاضي لشهرته أو كان قد أقر أمامه أنه كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فأنه يجوز الأخذ بما جاء منه في المحرر كشاهد بصحته مع التتميم)، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه كان يجب على محكمة الاستئناف بالإضافة إلى إستدعاء شهود البصيرة كان يجب عليها أن تستدعي كاتب البصيرة لمناقشته بشأن ما ورد في البصيرة محل الخلاف وما إذا كان مقرا بكتابته للبصيرة وبصحة البيانات الواردة فيها ومعرفة حقيقة الخلاف بشأن البصيرة، إذ  يعد إقرار كاتب البصيرة بصحة البصيرة وصحة ماورد فيها  شهادة واحد تحتاج إلى تتميم باليمين المتممة التي تصدر من الخصم المتمسك بصحة البصيرة . 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثالث: التحقق من صحة البصيرة عن طريق التعرف والتعريف بخط كاتبها:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

يتم اللجوء إلى هذه الطريقة عندما تكون البصيرة قديمة أو  في حالة وفاة كاتبها، وقد نظمت المادة (106) إثبات طريقة التعرف والتعريف بخط كاتب البصيرة، فقد نصت على أنه (إذا كان كاتب المحرر معروفاً بالعدالة والأمانة وحسن السيرة وكان خطه معروفاً للقاضي لشهرته أو كان قد أقر أمامه أنه كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فأنه يجوز الأخذ بما جاء منه في المحرر كشاهد بصحته مع التتميم)، وقد سبق أن اشرنا في الوجه السابق إلى أن هذا النص قد نظم كيفية إستدعاء كاتب البصيرة إذا كان على قيد الحياة، اما إذا كان الكاتب قد مات فأنه يتم التعريف بخطه إذا كان مشهوراً في المنطقة، وقد تضمن النص السابق ذكره ضوابط التعريف بخط كاتب البصيرة أو المحرر ومنها: أن يكون الكاتب معروفاً في المنطقة بالعدالة والأمانة وحسن السيرة – أي أن لا يكون معروفاً بتزوير الوثائق وإتيان  الكبائر ، ويتم التعريف بخط كاتب البصيرة عن طريق مضاهاة الخطوط أو مقارنة الوثائق المنسوبة للكاتب عن طريق العين المجردة أو عن طريق الجهات المختصة بتحقيق الخطوط أو مضاهاتها، وفي بعض الحالات يتم التعريف بالخطوط عن طريق الشهود من أهالي المنطقة الذين يشهدوا بأن الخط الذي كتبت به البصيرة هو خط فلان. 

علماً بأن كتبة  الوثائق في العصور السابقة كانوا قلة ويحتفظ غالبية أهل المنطقة بوثائق عدة  تتضمن خطوط هؤلاء الكتبة كالفصول والوقفيات والهبات والوكالات وغيرها، ولذلك يسهل التعرف على خطوط كتبتها عن طريق المقارنة والمضاهاة بين الخطوط وغير ذلك مهما تقادم الزمن، والله اعلم.

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني