النفقة السابقة للمفسوخ زواجها

 *مدونة القاضي أنيس جمعان* 


*النفقة السابقة للمفسوخ زواجها*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين* 

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء*


*https://www.facebook.com/share/p/7MJRm1ygcbTSzvte/?mibextid=Nif5oz*

 

*▪️هناك جدل يثور في اليمن بشأن النفقة السابقة للزوجة بصفة عامة من حيث قصرها على مدة سنة فقط حتى ولو لم ينفق الزوج على زوجته لعشر سنين بل ان الجدل يثور أيضاً بشأن بقاء والغاء النص القانوني الذي يقصر النفقة على سنة فقط، إضافة الى ان بعض قضاة الأحوال الشخصية يجتهدون اجتهادات صائبة في ظل وجود هذا النص المعيب، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/4/2017م في الطعن رقم (59130) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان زوجة تقدمت بدعوى أمام المحكمة الابتدائية مفادها: ان زوجها تزوجها قبل أكثر من خمس سنوات ومنذ ذلك الحين تركها في بيت ابيها من غير نفقة أو زيارة أو حتى اتصال هاتفي وان الزوج خالف شرطي اكمال دراستها واسكانها في منزل مستقل وهما الشرطان الواردان في عقد الزواج، وطلبت الزوجة في دعواها الحكم بالنفقة السابقة حتى تاريخ صدور الحكم بفسخ زواجها، بالإضافة إلى بدل سكن وتكاليف الدراسة والمصاريف، فأنكر الزوج المدعى عليه دعوى الزوجة التي أثبتت دعواها، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم (بفسخ زواج المدعية وان عليها ان تعتد العدة الشرعية والزام المدعى عليه بدفع مبلغ ثمانمائة الف ريالاً نفقة سابقة للمدعية والزام المدعى عليه بدفع مخاسير التقاضي مبلغ ثلاثمائة الف ريالاً) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه وقد ذكر المستأنف في عريضة استئنافه ان الحكم الاستئنافي قد استند في تقدير مبلغ النفقة السابقة على أن المدعى عليه مغترب في السعودية وان المبلغ المحكوم به هو نفقة سنة ماضية للمدعية وان ذلك المبلغ مبالغ فيه حيث تم احتساب نفقة المدعية مبلغ 66 الف ريالاً في الشهر الواحد ، إلا أن الشعبة الشخصية قضت بتأييد الحكم الابتدائي فقام الزوج المدعى عليه بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، وذكر الطاعن ان الحكم الاستئنافي مخالف للقانون حيث قضى بفسخ الزواج وفي الوقت ذاته الحكم عليه بالنفقة السابقة إلا أن الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (فقد ناقشت الدائرة ما ورد في أوراق القضية ومن خلال ذلك وجدت الدائرة ان الحكم بفسخ زواج المذكورة والحكم لها بالنفقة السابقة موافق من حيث النتيجة لأحكام الشرع والقانون لما علل به واستند اليه، اما ما اثاره الطاعن في عريضة الطعن فلا تتوفر فيه أية حالة من حالات الطعن بالنقض) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :* 


*الوجه الأول: سبب وجوب النفقة على الزوج :* 

➖➖➖

*▪️اتفق الفقهاء على أن النفقة واجبة على الزوج لزوجته حتى لو كانت غنية لاحتباسها وقرارها في داره لاجله، وفي هذا المعنى نصت المادة (15) أحوال شخصية على أنه (تجب النفقة للزوجة كيف كانت على زوجها كيف كان من وقت العقد إن شرطت والا فمن تاريخ الزفاف غذاء وكساء ومسكناً وفرشاً ومعالجة واخداما والعبرة بحال الزوج يسراً وعسراً، وتقدم نفقة الزوجة على غيرها من النفقات) فالنفقة واجبة لانه يترتب على عدم تحصيلها هلاك الزوجة أو تلف اعضائها، ولذلك فان النفقة ضرورية، ويتفق الفقه والقانون في أن سبب نفقة الزوجة هو عقد الزواج باعتبار وجوب النفقة أثرا من اثار عقد الزواج.*


*الوجه الثاني: الفسخ لتمرد الزوج عن الانفاق وسبب الفسخ :*

➖➖➖➖

*▪️حيث يكون الزوج في هذه الحالة موسراً إلا أنه متمرد عن الانفاق معطلاً للواجب الشرعي والقانوني المقرر عليه على النحو السابق بيانه في الوجه ولذلك اجاز القانون لزوجة الموسر المتمرد عن الانفاق طلب فسخ الزواج حيث نصت المادة (50) أحوال شخصية على أنه (لزوجة المتمرد عن الانفاق في حالة اليسار الفسخ اذا تعذر استيفاء حقها في النفقة منه أو من ماله) وسبب الفسخ في هذه الحالة هو امتناع الزوج الموسر عن الانفاق على زوجته أي تعطيله لتكليف شرعي وقانوني أوجب عليه الانفاق على زوجته، لان النفقة كما سبق القول في الوجه الأول واجبة على الزوج فان امتنع عن اداء الواجب وطلبت الزوجة الفسخ استجاب لها القاضي حسبما قرر الفقهاء ونص القانون.*


*الوجه الثالث: الجمع بين النفقة السابقة وفسخ الزواج :* 

➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بالجمع بين النفقة السابقة وفسخ عقد الزواج في آن واحد وهو حكم سديد، لان الحكم بالنفقة السابقة سببه عقد الزواج القائم حتى الحكم بالفسخ وسبب الفسخ امتناع الزوج وتمرده عن الانفاق حيث يلحق الزوجة الضرر عن الزوجة من تمرد زوجها وامتناعه عن الانفاق عليها فيتعذر عليها البقاء في عصمة زوجها المتمرد، فالنفقة السابقة حق شرعي وقانوني غير قابل للسقوط حتى في حالة الفسخ، حيث تنص المادة (153) أحوال شخصية على أنه (لا يسقط حق الزوجة في الماضي بالمطل ولا في المستقبل بالابراء واذا تبرع شخص بنفقة الزوجة فلا تسقط إلا أذا كان المتبرع عن الزوج) فحق الزوجة في النفقة السابقة ثابت بمقتضى القانون كما أن حقها في الفسخ لعقد زواجها من الزوج بسبب تمرده عن الأنفاق ثابت في المادة (50) أحوال شخصية، وعلى هذا يكون الجمع بين النفقة السابقة بموجب المادة (150) أحوال شخصية والفسخ لامتناع الزوج وتمرده عن الانفاق بمقتضى المادة (50) أحوال شخصية، فالنفقة السابقة حق للزوجة في حين يكون الفسخ سببه تمرد الزوج عن الانفاق منعاً للضرر الذي سيلحق الزوجة مستقبلاً اذا استمرت علاقتها الزوجية بالزوج المتمرد على الانفاق وبناء على ذلك فان للحكم بالنفقة سبب شرعي وقانوني مستقل عن سبب فسخ الزواج في هذه الحالة، ويذهب بعض القضاة إلى أن سبب النفقة والفسخ واحد وهو عدم انفاق الزوج فلا يجوز الجمع بين الفسخ والنفقة السابقة.*


*الوجه الرابع: موقف القانون المتناقض من النفقة السابقة لزوجة المتمرد عن الانفاق :*

➖➖➖➖➖ 

*▪️قررت المادة (153) أحوال شخصية بانه (لا يسقط حق الزوجة في النفقة في الماضي بالمطل ولا في المستقبل بالابراء) في حين ذهبت المادة (156) أحوال شخصية إلى النص على أنه (لا يحكم للزوجة بأكثر من نفقة سنة سابقة على المطالبة القضائية مالم يتفق الزوجان على خلاف ذلك) حيث تقرر هذه المادة مكافأة الزوج الموسر المتمرد عن الانفاق لسنوات طويلة حيث يقرر هذا النص اسقاط النفقة السابقة المستحقة للزوجة بموجب أحكام الشرع والقانون ،فما كان لهذا النص ان يخالف الشرع والقانون ويتنازل عن حق لا يملكه، ويثور لغط بشأن الغاء هذه المادة الظالمة أو بقائها، ولذلك فإننا نوصي بالغاء هذه المادة الجائرة، وفي مواجهة تجاوز هذه المادة لحقوق الزوجة في النفقة السابقة عما يزيد على نفقة سنة فان بعض القضاة يضمنون نفقة السنة بعض نفقات السنوات السابقة على السنة كنوع من الانصاف للزوجة في هذه الحالة مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا الذي قضى بنفقة سنة للزوجة وذلك مبلغ ثمانمائة الف ريال وكذلك الحال لتضمين التعويض المستحق الزوجة حيث يضمنونه ضمن مخاسير ومصاريف التقاضي مثلنا حصل في الحكم محل تعليقنا، واللَّه أعلم.*

------------------------------

*▪️تم النشر في مدونة القاضي أنيس جمعـان للدراسات والأبحاث القانونية في facebook بتاريخ 16 فبراير 2021م*

*=============*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني