الفرق بين الغصب والحيازة

 *الفرق بين الغصب والحيازة*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2023/06/blog-post_27.html

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

الحيازة سبب مشروع من أسباب الملكية، فالحيازة قرينة على ملكية الحائز للأرض التي يحوزها، ولكن الحيازة بإعتبارها سبب مشروع للملكية يجب أن يكون الحائز قد وضع يده على الأرض وثبت عليها بوسيلة مشروعة، فالغصب ليس وسيلة مشروعة، ولذلك لا تنطبق أحكام الحيازة على الغصب والغاصب، فينبغي ان يكون سبب الحيازة ذاتها مشروعاً كأن يأذن المالك للحائز  بالإنتفاع بالمال مطلقاً أو يضع الحائز يده على مال ليس مملوكا لأحد أو يضع يده على مال فلا يعترضه احد أو يمنعه أحد، ففي هذه الحالات تكون الحيازة مشروعة وتكون سبباً صحيحاً لملكية المال الذي حازه بعد مضي المدة المقررة ، وعلى هذا الأساس فقد اشترط القانون في الحيازة أن لاتكون مقترنة بإكراه أو منازعة المالك وكذا اشترط القانون ان تكون الحيازة هادئة مستقرة طوال فترة الحيازة (30 سنة). 

اما إذا كان الغاصب قد استولى على الأرض بطريقة غير شرعية عنوة وبالقوة ومن غير رضاء مالكها أو اذنه فهو غاصب ٱثم ظالم ضامن لغلال الأرض وجنايته على  رقبتها تطبيقاً لقوله صلى الله عليه وٱله وسلم {ليس لعرق ظالم حق}، ولذلك اشترط القانون أن لا يكون الحائز غاصباً، وقد استقر قضاء المحكمة العليا في اليمن على هذه التفرقة الدقيقة بين الغاصب والحائز، مثلما اشار الحكم الصادر عن الدائرة المدينة بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-1-2013م في الطعن رقم (46583)، الذي سبقه الحكم الاستئنافي الذي قضى بإلزام المستأنف ضدهما برفع يديهما من أرض المستأنف والبئر الواقعة  المغصوبة من قبل المستأنف ضدهما دون مبرر شرعي أو قانوني، لثبوت غصبها وثبوت شراء المستأنف للأرض والبئر المجاورة لها التي اشتراها المستأنف بموجب العقود الدالة على ذلك، وقد قضى حكم المحكمة العليا بإقرار الحكم الاستئنافي وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (( حيث الثابت في الأوراق أن محكمة الموضوع المطعون في حكمها  قد وقفت على ادلة لة الطرفين وقامت بالمعاينة واستمعت إلى الشهود، وبعد أن تبين لها حقيقة النزاع وما توصلت إليه من قناعة فقد بنت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه التالية: 


▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الأول: الحيازة في القانون المدني:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

عرف القانون المدني الحيازة وكيفيتها وحدد انواعها في المادة (1103) مدني التي نصت على أنه (الثبوت (الحيازة) هو استيلاء الشخص على الشيء ووضع يده عليه منقولا كان او عقارا وهي نوعان:-

الاول : حيازة ملك ثبوت يتصرف به الحائز في الشيء الذي يحوزه باي نوع من انواع التصرفات ظاهرا عليه بمظهر المالك وان لم يبين سبب ملكيته له فتكون يده مهما استمرت حيازة ملك ثبوت على الشيء.

الثاني : حيازة انتفاع بايجارة او نحوها يكون الشيء فيها مملوكا لغير حائزه الذي لا يكون له الا مجرد الانتفاع بالشيء انتفاعا مؤقتا طبقا لسبب انشاءه.). 

اما المادة (1104)مدني فقد تضمنت شروط الحيازة ومن ضمنها الشرط الذي يميز الحيازة عن الغصب، وهو شرط أن لا يصاحب الحيازة إكراه المالك وغصب ماله، حيث نصت المادة (1104) على أنه (يشترط في حيازة الملك (الثبوت) ما يأتي:-

1. القصد بان يكون الحائز للشيء على قصد انه مالك له دون غيره ويعرف القصد بقرائن الحال التي تدل على ذلك بان يتصرف في الشيء المحوز تصرف الملاك.

2. ان يجاهر الحائز للشيء بملكيته له اذا ما نازعه فيه منازع وان يتمسك بذلك امام القضاء في مواجهة من ينازعه في ملكيته.

3. ان لا تقترن الحيازة باكراه المالك او من يمثله او منازعته.

4. عدم الخفاء بان لا تحصل الحيازة خفية اي ان لا يكون فيها لبس كان يكون الحائز خليطا للمالك او ممثلا شرعيا له بالولاية او الوصاية او الوكالة او يكون مخولا حيازة الشيء حيازة انتفاع او نحو ذلك)، ومن خلال إستقراء هذا النص وتحديداً الفقرة (3) يظهر أن الحيازة لا تتحقق  إلا إذا لم تكن مقرونة بإكراه المالك أو من يمثله كوكيله أو المستأجر منه، وكذا يجب أن لا تقترن الحيازة بمنازعة المالك او وكيله، فإذا قام الغاصب بوضع يده جبراً على الأرض رغم منازعة المالك أو إعتراضه هو أو وكيله أو المستأجر منه فإن هذا التصرف يكون غصباً وليس حيازة، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن شروط الحيازة لم تتحقق بالنسبة للطاعن لأنه كان قد استولى على الأرض بالقوة والإجبار.

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: الغصب في القانون المدني:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

سبق القول بأن الغصب لايكون حيازة، وتبعا لذلك لايكون سببا من أسباب الملكية، لأن الغصب عمل غير مشروع ومحرم شرعا وقانوناً، فمن غير المقبول ان يكون العمل غير المشروع سببا للملكية المشروعة. 

وقد عرف القانون المدنى الغصب في المــادة (1119) التي نصت على أنه :(الغصب هو الاستيلاء على مال الغير او حقه عدوانا بدون سبب شرعي). والغاصب لايتملك الأرض مهما طال غصبه لانه ملزم شرعا بإعادة المال المغصوب حسبما نصت عليه المــادة (1120) مدني التي نصت على أنه (يلزم الغاصب رد عين المغصوب الى مالكه ولو نقدا ما لم يتلف او يستهلك فيلزمه رد مثله ان كان مثليا او قيمته ان كان قيميا, ولا يلزم الغاصب الا ما استولى عليه بفعله هو او ما في حكمه كجحد الوديعة في وجه مالكها بعد المطالبة ونحو ذلك)، حتى لو تصرف الغاصب بالمال المغصوب فإنه لايتملك المال الذي اشتراه بقيمة المال المغصوب وفقا للمــادة (1135) مدني التي نصت على أنه (لا يملك الغاصب ما اشتراه بالعين المغصوبة او بقيمتها). 

ويضمن الغاصب مااتلفه في العين المغصوبة طبقا للمــادة (1143) مدني التي نصت على أنه : (يلزم الغاصب في تلف المثلي مثله ان وجد وان تعذر فقيمته باوفر القيم من وقت الغصب الى وقت الطلب). 

بل ان الغاصب ملزم برد ما أخذه من المال المغصوب حتي الأشياء التافهة القيمة كالحطب وعلف الحيوانات والحشائش والأعشاب ، وفي هذا الشأن نصت المــادة (1146): مدنى على أنه (يلزم الغاصب رد عين ما لا قيمة له او ما يتسامح في مثله) .

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثالث : الحيازة عند شراح القانون :*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

الحيازة وضع مادي ظاهر بموجبه يسيطر الحائز على شيء بنية استعمال هذا الشيء كصاحبه .

أو هي وضع مادي يسيطر به الشخص فعليا على شئ يجوز التعامل فيه أو يستعمل إستعمال المالك .

أو هي سيطرة لشخص على مال معتبرا ً نفسه صاحب الحق عليه. 

 ويترتب على هذا التعاريف نتيجتان هما :

1- أحقية الحائز في حماية حيازته بدعوى من دعاوى الحيازة

2- أحقية الحائز في كسب ملكية المال المحوز بالحيازة بمضي المدة عن طريق التقادم المكسب (30سنة)

 و للحيازة عنصران:-

1- عنصر مادي… وهو السيطرة المادية التي تكون للحائز على الشيء التي تمكنه من مباشرة كافة الأعمال المادية الممكنة على الشيء وفقا لما اعد له أو بحسب طبيعة استغلاله.

2- عنصر معنوي … وهو الإرادة أو النية اي نية الحائز تملك المال المحجوز. 

 محل الحيازة :- 

 ترد الحيازة على ما يأتي :

(أ‌) الأموال والحقوق الصالحة لأن تكون محلا للحيازة: وهي الأموال العقارية والمنقولة والحقوق العينية المتفرعة منها في الأحوال التي يمكن فيها التعامل والسيطرة على تلك الحقوق بكافة أنواع التصرف المقررة قانونا. 

وعلى هذا الأساس تخرج من الخضوع للحيازة الأموال الآتية :

1 – الأموال العامة أو الخاصة المملوكة للدولة وفقا لقانون أراضي وعقارات الدولة.  فلا تصلح الأموال العامة لأن تكون محلا للحيازة لأنها تخرج عن التعامل بطبيعتها فلا يستطيع احد كسبها بمضي المدة.

2- بعض الحقوق الشخصية كحق الدائنية والملكية الفكرية لعدم إمكان وضع اليد عليها ماديا، فلا تصلح الديون الشخصية المكتوبة فعلا للحياة، بيد أنه يصلح لأن يكون محلا للحيازة بعض الحقوق الشخصية كحقوق المستأجر والمستعير والمودع لديه والمرتهن رهنا ص حيا زيا ً، فهؤلاء يكون لهم الحق في حيازة الشيء ماديا.

على أن حيازتهم هنا هي حيازة عرضية تختلف عن الحيازة الأصلية

وينصرف أثرها القانوني إلى صاحب الحق الأصلي، ويصلح أن ترد الحيازة على حصة شائعة، كما يصلح أن ترد الحيازة على حصة موروثة  ذلك أن الحصة الشائعة في العقار تساوي النصيب المفرز من ناحية صلاحية كل منهما لأن يكون محلا لحيازة حائز منفرد على وجه التخصيص والفرق كامن في أن يد حائز الحصة المشتاعة هي يد تخالط بحكم الشيوع أيادي شركائه المشتاقين غير أنه اذا كان الحائز من الورثة أو الشركاء فلايحق له التمسك بالحيازة. 

 وللحيازة عنصران : العنصر المادي: العنصر المعنوي:-

العنصر المادي : هو الرابطة الفعلية أو الواقعية بين الحائز واضع اليد والحق في تلك الحيازة، يلزم لاعتبارها قانونا أن تكون ظاهرة في الدلالة على أن للحائز سلطان حقيقي وتسلط فعلى على الشيء المحوز يمكنه من تحقيق سيطرته عليه انتفاعاً واستغلال وتصرفا، فيجب أن يكون الحائز متمكنا من السيطرة دون حائل عن الانتفاع به في أي وقت يشاء. 

والواقع أن إثبات توافر الركن المادي للحيازة هو العمل الأهم بالنسبة للحائز إذ يجب على الحائز إثبات  توفر هذا العنصر أو ركن الحيازة المادي، وهذا العنصر من المسائل الموضوعية المتروك تقديرها للقضاء  فلا معقب على حكمه، فالقاضي هو الذي يقدر توافر الحيازة في ركنها المادي من طريق الانتفاع بالشيء حسبما هو مخصص له، أو بحسب مألوف العادات في استعماله والظروف والملابسات المحيطة بالنزاع، فإذا ما تبين من هذا أو ذاك أن المال في حوزة الحائز وأن الأخير يستطيع التصرف فيه ماديا متى شاء تعين عليه القضاء بتوافر هذا الركن .

وعلى سبيل المثال فقد قضت محكمة النقض المصرية حكم قضائي بمصر : بأن تأجير ناظرالوقف الأطيان المملوكة للغير هو عمل من الأعمال القانونية ومع ذلك فهو لا يكفي لتوافر الركن المادي لحيازة الجزء المتنازع عليه عن هذه الأطيان .

بل يجب لتوافر وضع اليد الفعلي على هذا الجزء . فإذا كان الثابت من تقرير الخبير على ما جاء بأسباب الحكم أن شخصا أخر غير مستأجر تلك الأطيان هو واضع اليد ماديا على الجزء المتنازع عليه وإنه لم يكن يدفع عنه إيجارا لناظر الوقف ولا للمستأجر منه.فإن القول بأن ناظر الوقف كان يضع يده على هذا الجزء لمجرد إنه يدخل فيما كان يؤجره لغيره ، دون التثبت من وضع اليد الفعلي هو استدلال غير سائغ قانونا ،إذ العبرة بوضع اليد الفعلي لا بمجرد تصرف قانوني قد يطابق أو لا يطابق الحقيقة.{ نقض 3/3/1957 مجموعة القواعد ج3 ص 225 القاعدة/ 8 }

· ففي هذا الحكم رأينا أن الحيازة في ركنها المادي الواقع في الطبيعة هي المبررة لإمكان القول بتوافر الحيازة القانونية

وفي حكم أخر قضت محكمة النقض المصرية بأن ” وضع اليد واقعة مادية العبرة فيها هي ما يثبت قيامه فعلا فإذا كان الواقع يخالف ما هو ثابت في الأوراق فيجب الأخذ بهذا الواقع و إطراح ماهو غير حاصل، ورتب الحكم على ذلك المبدأ النتيجة التالية :

“…… وإذن فلا على المحكمة إذ هي أحالت دعوى منع التعرض إلى التحقيق ” وكلفت المدعى فيها بإثبات وضع يده الذى ينكره عليه خصمه ولو كان بيده محضر تسليم رسمي من تاريخ سابق.

{نقض5/ /6/1950 مجموعة القواعد الجزء/1 ص 166 قاعدة/152}

 وهناك الحيازة الحكمية أو الرمزية: وهي إحدى صور الحيازة، وتتحقق تلك الصورة التي تسلم فيها صاحب الحق الحيازة معنويا أو رمزيا أو حكميا بأن تسلم إليه أشياء دالة رامزة على التسليم وتقوم مقامه كتسليم مفتاح المخزن أو سند البضاعة الموجودة لدى أمين النقل 

· ولقد ورد النص بالمادة/954 مدنى مصري على اعتبار تسليم السندات المعطاة من البضائع مقام تسليم البضائع التي عهد بها أمين النقل أو كانت مودعة في المخزن، وهناك أيضا الحالة التي تنتقل فيها الحيازة بإرادة المتعاقد مع الحائز دون تسليم مادي فيستمر الحائز واضعا يده لحساب خلفه

الركن المعنوي:- العنصر المعنوي في الحيازة

وهو كما قدمنا نية استعمال المال بقصد تملكه سواء كان الحق عينيا أصليا ً أو متفرعا عن حق الملكية كحق الانتفاع أو الارتفاق أو السكنى.

وأهمية توافر الركن المعنوي بالغة؛ لأنه عن طريقه تتميز الحيازة الحقيقية عن غيرها من الحيازات كالعرضية و بالواسطة والتسامح أو المباحات، بمعنى أن وصول الحائز إلى التمسك بكسب الحق المحوز لن يتسنى له إلا بتوافر عنصر النية أو القصد في حيازته .

ولذلك فإن دراسة عنصر القصد بالغ الأهمية في موضوعات الحيازة 

  آثار الحيازة:-  اذا تحققت عناصر الحيازة وشروطها فإن من شان ذلك إنتاج أثار الحيازة التي تتمثل في :

1- أحقية الحائز في استعمال إحدى دعاوى الحيازة حماية لحق حيازته ذاته.

2- يحق للحائز التمسك باكتساب ملكية الحق الذى يحوزه بالتقادم المكسب القصير والطويل مع توافر شروط كل منهما.

3- إمكان التمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية.

4- تملك الحائز حسن النية ثمار الشيء المحوز.

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الرابع : الغصب في الفقه الإسلامي :*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

الغصب في اللغة: مصدر غصب يغصِبُ - بكسر الصاد -: أي أخذ الشيء ظلمًا، وفي الاصطلاح: هو إستيلاء المعتدي على حق غيره قهرًا بغير حق.

  فالقول : "على حق غيره": ما كان مالاً عينًا ونحوها، أو منفعة؛ كسكنى الدار بغير رضاه، أو اختصاصًا؛ كحق شرب ونحوه.، والقول: "قهرًا بغير حق"؛ يعني: على جهة التعدِّي والظلم والعدوان، ويخرج المسروق.

والغصب محرَّم، ودليل تحريمه القرآن والسنة والإجماع.

 فمن القرآن قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188].

 ومن السنة قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه)) وقوله: ((إن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)). 

وأجمع المسلمون على تحريم الغصب، وهو معصية وكبيرة من الكبائر؛ لما ورد من زجر عن التعدي على الأموال، ووعيد على أخذها بغير حق: ((مَن أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، فإنه يطوَّقه يوم القيامة من بين سبع أرضين)). 

والغاصب يستحق الإثم وهو إستحقاق الغاصب للمؤاخذة والعقاب في الآخرة إذا تعدى على حقوق غيره عالِمًا متعمدًا؛ لأن ذلك معصية كبيرة  حسبما سبق بيانه .

كما ان الفقهاء متفقون على تعزير الغاصب  بالضرب والسجن، أو يعزَّر بما يراه الحاكم رادعًا للغاصب ولغيره عن مثل هذه المعصية، حتى ولو عفا المغصوبُ منه عن الغاصب.

 كما يجب حمل الغاصب على رد العين المغصوبة ما دامت قائمة: فقد اتفق العلماء على أنه يجب رد العين المغصوبة إلى صاحبها حال قيامها ووجودها بذاتها؛ لقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيَه)) وقال: ((لا يأخذن أحدُكم متاعَ أخيه جادًّا ولا لاعبًا، وإذا أخذ أحدُكم عصا أخيه فليردَّها عليه)) ومؤنة الرد - يعني نفقته - على الغاصب.

 ومن المقرر في الفقه الإسلامي أن الغاصب ضامن للمغصوب إذا تلف في يد الغاصب، فإن هلك المغصوب في يد الغاصب ضمنه، سواء أتلفه هو أم تلف بنفسه أو بآفة سماوية أو غير ذلك.

 القاعدة في الضمان أنه يجب ضمان المثل باتفاق العلماء إذا كان المال مثليًّا، وهو ما يوجد له في الأسواق مثيل لا يتفاوت عنه، ومن المثليات: ما يباع كيلاً كالزيت، أو وزنًا كالسكر، والعدديات المتقاربة كالبيض والجوز، والذرعيات القماش والأراضي .، وقيمته: إذا كان قيميًّا، وهو لا مثيل له، أو كان مثليًّا وتعذر رد المثل - فيجب رد القيمة بدلاً من المغصوب نفسه، ومن الأشياء القيمية: الحيوانات والدُّور.

والدليل على ضمان التعويض قوله - تعالى -: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]؛ أي: بمثل ما وقع عليكم من الفعل الذي يستحق العقاب، وأما ضمان القيمة؛ فلأنه تعذَّر الوفاء بالمثل تمامًا صورةً ومعنى، فيجب المثل المعنوي وهو القيمة؛ لأنها تقوم مقامَه ويحصل بها مثله واسمها ينبئ عنه.

 وقد اختلف الفقهاء في وقت تقدير التعويض عن تلف المال المغصوب فذهب بعض الزيدية  والحنفية والملكية إلى أن تقدير قيمة المغصوب  يكون يوم الغصب؛ لأن الضمان يجب بالغصب فيقدَّر المغصوب يوم الغصب، وقال الشافعية: المعتبر في الضمان أقصى - أكثر - قيمة للمغصوب من وقت الغصب في بلد الغصب إلى وقت تعذُّر وجود المثل، وكذلك المال القيمي، وقال الحنفية مثل الشافعية في القيمي، أما المثليَّات: فوجبت قيمته يوم انقطاع المثل. 

 وإذا تصرف الغاصب بالعين المغصوب فقال الشافعية والحنابلة[9]: لا يملك الغاصب العينَ المغصوبة بدفع القيمة؛ لأنه لا يصلح أن يمتلكه بالبيع - أو غيره من التصرفات- لعدم القدرة على التسليم، وبناءً عليه تحرُمُ عندهم تصرفات الغاصب أو غيره ولا تصح؛ لحديث: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)) أي: مردود.

وقال المالكية يُمنَع الغاصب من التصرف في المغصوب برهن أو كفالة، لكن لو تلف المغصوب عند الغاصب، فالأرجح عندهم أنه يجوز الانتفاع به، فقالوا بجواز الشراء من لحم الأغنام المغصوبة إذا باعها الغاصب للجزَّارين فذبحوها، وقال الحنفية يملك الغاصب الشيءَ المغصوب بعد ضمانه، وينتج عن التملك أن الغاصب لو تصرَّف في المغصوب بالبيع أو الهبة قبل أداء الضمان ينفُذُ تصرُّفه.(فقه المعاملات المالية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين. ص٢٤٣). 

اما إذا تغيرت العين المغصوبة:

ففي ذلك عدة حالات:

أ- إذا تغير المغصوب بنفسه - كما لو كان عنبًا فأصبح زبيبًا، أو بيضًا فصار فرخًا - يخير المالك (المغصوب منه) إن شاء استرد المغصوب عينًا، ولا يرجع على الغاصب، وإن شاء ضمن الغاصب مثله أو قيمته.

ب- تغير وصف المغصوب بفعل الغاصب من طريق الزيادة كما لو صبغ ثوبًا، أو دقيقًا فيَلُتُّه سمنًا، فإذا نقص المغصوب ضمن الغاصب، وإذا زاد يخيَّر المالك بين تضمين الغاصب قيمة الثوب أو مثل الدقيق، وبين أن يأخذ الأصل مع الزيادة ويغرم للغاصب ما زاده الصبغ والسمن، وفي هذا رعاية للجانبين.

ج- أن يتحول المغصوب بفعل الغاصب إلى شيء آخر يزول به اسمه الأول ويسمى باسم آخر؛ كأن يغصب حنطة فيطحنها فتصير دقيقًا، أو حديدًا فاتَّخذه سيفًا، والحكم في هذه الحالة أن المغصوب بعد تحوُّله يكون ملكًا للغاصب وعليه ضمان مثل ما غصبه أو قيمته للمغصوب منه.

د- أن ينقص سعر المغصوب بدون تغير فيه بسبب هبوط الأسعار في الأسواق، وهذا لا يكون مضمونًا إذا رد العين في الغصب. أما إذا كان النقص بسبب ضعف الحيوان، أو زوال سمعه، أو تعفن حنطة، ونسيان حرفة - فيجب الضمان، سواء حصل النقص بآفة سماوية أو بفعل الغاصب. 

وإذا زاد  المغصوب:فزيادة المغصوب المتصلة أو المنفصلة لا تضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وتضمن الزوائد مطلقًا عند الجمهور.

اما مسألة: البناء على الأرض المغصوبة فيلزم بردِّ المغصوب إلى صاحبه وإزالة ما أحدثه فيه من بناء أو زرع أو غرس؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس لعِرْقٍ ظالمٍ حقٌّ)) وللفقهاء تفصيلات كثيرة يرجع لها في الكتب المعتمدة لمن أراد التفصيل، خاصة في مسألة الزرع؛ حيث قال بعضهم: يخيَّر المالك بين إبقاء الزرع إلى الحصاد ويأخذ أجر الأرض، وأرش النقص من الغاصب، وبين أن يكون الزرع له ودفع النفقة للغاصب.

وإذا اختلف الغاصب مع المغصوب منه: فقد اتفق الفقهاء تقريبًا في دعاوى اختلاف الغاصب والمالك في دعوى تلف المغصوب، أو في جنسه، أو صفته، أو قدره، ولم يكن لأحدِهما بيِّنة أن القول قول الغاصب مع يمينه؛ لأنه منكر، إلا في العين المغصوبة، فلو ادَّعى الغاصب ردَّها وأنكر المغصوب منه ذلك، فالقول قول المالك بيمينه يصدق أنه ما رد عليه المغصوب.

 اما بالنسبة لمنافع المغصوب: كسكنى الدار وركوب السيارة ولبس الثوب لا تضمن عند الحنفية ما لم تنقص، وقال الجمهور: تضمن منافع المغصوب؛ لأن المنافع أموال متقومة كالأعيان؛ ولأن الغرض الأظهر من جميع الأموال هو منفعتُها، إلا أن المالكية قالوا: تضمن بالاستعمال فقط ولا تضمن حالة الترك، فيلزم الغاصب دفع أجرة المثل للمالك أقصى ما كانت من حين الغصب إلى حين رد العين المغصوبة وتلفها في يده. (البحر الزخار ٣/٢٥٤وبدائع الصنائع 7/233، اللباب 2-188، القوانين الفقهية 331، بداية المجتهد 2/311، المهذب 1/367، مغني المحتاج 2/275، المغني 5/220، كشاف القناع 4/8.). والله اعلم. 

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني