إثبات مدة عمل العامل واجره

 *إثبات مدة عمل العامل وأجره*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2023/06/blog-post_26.html

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

قد لا تثار إشكاليات كثيرة بشأن إثبات مدة عمل العامل ومقدار أجره في القطاع الاقتصادي المنظم كالشركات والمؤسسات، ولكن إثبات مدة خدمة العامل ومقدار أجره في القطاع الاقتصادي غير المنظم يثير إشكاليات عدة مثل العاملين في المطاعم والمخابز والبقالات والمحلات وغيرها بسبب عدم تنظيم شئون العاملين في هذا القطاع وعدم الإحتفاظ بدفاتر أو سجلات أو حسابات منتظمة، وكذا عدم كتابة المعاملات فيما بين العامل وصاحب العمل أو عدم الإحتفاظ بالمستندات ذات الصلة بمدة خدمة العامل ومقدار أجره. 

 والعمال في القطاع الاقتصادي غير المنظم كالمطاعم والمخابز والبقالات هم الشريحة الاوسع نطاقا في  الاقتصاد اليمني، وفي القطاع غير المنظم لايتم في الغالب الإحتفاظ بدفاتر وسجلات منتظمة، وغالبا لايتم إتباع الإجراءات المعروفة في الموارد البشرية من حيث التعيين والتعاقد ومنح الإجازات والمكافآت بإعتبار هذا القطاع غير منظم، ومن ذلك عدم تنظيمه لموارده البشرية، ولذلك فإن إثبات سنوات خدمة العاملين وتحديد مقدار أجر العامل طوال فترة عمله والتغيرات التي تطرا على العامل والعمل والاجر تخضع لطرق الإثبات العامة المقررة في قانون الإثبات كالشهادة وغيرها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-3-2013م في الطعن رقم (47145)، الذي سبقه الحكم الاستئنافي الذي قضى بإلغاء قرار اللجنة التحكيمية العمالية لانها قامت بتقدير سنوات خدمة العامل وأجره جزافاً واهدرت الأدلة التي قدمها المستأنف ومنها تاريخ إستلامه للمطعم وتشغيله للمطعم بالإضافة إلى شهادة الشاهد الواحد الذي شهد بأنه تدخل للإصلاح بين الطرفين في خلاف سابق وإنهما توافقا على أن العامل كان قد عمل لدى المستأنف ابتداءً من بداية عام 2004م وتصادقا على أنه لم يتم كتابة عقد عمل بينهما ، وبما أن الحكم قد تجاهل هذه الأدلة في إثبات سنوات خدمة العامل فقد قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي، وقد أقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، ومما جاء في أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع فإن الدائرة: بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت أن ما ينعي به الطاعن على الحكم الاستئنافي هي مناعي في غير محلها ولا سند لها من القانون حيث أن محكمة الاستئناف قد سببت حكمها تسبيباً كافياً، وكان الأساس الذي بني عليه حكمها  أن حكم اللجنة التحكيمية العمالية لم يكن قائماً على سند من القانون، إذ لم يثبت الطاعن بأي دليل مدة خدمته ولا مقدار راتبه الشهري كما يدعي فقد كان حكم اللجنة التحكيمية قائم على تقدير جزافي لمدة الخدمة ومقدار الراتب وهذا التقدير لم يؤسس على سند أو دليل وهو ماحدا محكمة الاستئناف إلى الغائه وهذا قضاء صحيح))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الأول: الوضعية الواقعية للعمال في القطاع غير المنظم:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

المقصود بالقطاع الاقتصادي غير المنظم: هو الذي يتم فيه تشغيل اعداد قليلة من العمال بحسب نوع نشاط المشروع الصغير واحتياجه كالمطاعم والمخابز والبقالات والمحلات التجارية، حيث يتم تشغيل العمال من غير عقود عمل مكتوبة، ولا تحتفظ هذه المحلات بدفاتر أو سجلات تجارية منتظمة أو المستندات لفترات طويلة، ولذلك يتعذر في حالات كثيرة إثبات سنوات خدمة العمال فيها وإثبات حقوقهم، ومن المعروف أن النشاط الاقتصادي غير المنظم هو النشاط الاوسع انتشاراً في اليمن، ويستعمل هذا القطاع عمال بأجور يومية وشهرية بصفة دائمة أو مؤقتة بحسب إحتياج المشروع . 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: سريان قانون العمل على العمال في النشاط الاقتصادي غير المنظم:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

سبق القول أن المقصود بهذا النشاط هو المطاعم والبقالات والمخابز والمحلات التجارية ، وقد صرحت المادة (3) من قانون العمل على أن قانون العمل يسري على جميع أصحاب الأعمال والعمال إلا بعض الفئات المبينة في النص ذاته، وهذا يعني أن قانون العمل يسري على العاملين في النشاط الاقتصادي غير المنظم، وفي هذا المعنى نصت المادة (3) عمل على أنه (أ: تسري احكام هذا القانون على جميع أصحاب الاعمال والعمال الا من يرد بشأنهم نص خاص في هذا القانون.

 ب: لا يسري هذا القانون على الفئات التالية:-

1. موظفو الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام.

2. شاغلي الوظائف القضائية وشاغلي وظائف السلك الدبلوماسي والقنصلي.

3. الأفراد الذين يلتحقون بالمؤسسات العسكرية والأمنية.

4. الاجانب المعارون للعمل مع الدولة.

5. الاجانب العاملون في الجمهورية بموجب اتفاقيات دولية تكون الجمهورية طرفا فيها ويكون الاعفاء في حدود الاتفاقية.

6. الاجانب من حاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة من الحاصلين على تأشيرات ويعملون في الجمهورية في حدود التأشيرات السياسية الممنوحة لهم.

7. العاملون في أعمال عرضية.

8. الاشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه والذين يعولهم فعلا بصورة كاملة أيا كانت درجة القرابة.

9. خدم المنازل ومن في حكمهم.

10. الاشخاص الذين يعملون في المراعي او الزراعة عدا:-

الاشخاص الذين يعملون في الشركات المؤسسات والجمعيات الزراعية والمنشآت التي تقوم بتصنيع او تسويق منتوجاتها.

الاشخاص الذين يقومون بصفة دائمة بتشغيل او اصلاح الآلات الميكانيكية اللازمة للزراعة او اعمال الري الدائم.

ج. الاشخاص الذين يعملون في تربية الدواجن والمواشي). وبناء على ماورد في هذا النص فإن أحكام قانون العمل تسري على العاملين في المطاعم والمخابز والمحلات التجارية الأخرى. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثالث: إثبات سنوات خدمة العامل وأجره الشهري في القطاع الاقتصادي غير المنظم:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

في غالب وحدات القطاع المنظم كالشركات والمؤسسات والمحلات الكبيرة تحتفظ هذه الوحدات بسجلات ودفاتر منتظمة وتحتفظ بالمستندات التي تنظم علاقتها بعمالها و تتوفر لدى هذه الوحدلت نظم وبرامج تتضمن البيانات اللازمة لنشاطها ومن ذلك بيانات العاملين فيها بما في ذلك تاريخ إلتحاق العامل بالعمل وأجره الشهري والتغيرات التي تطرأ على العمل والعامل والأجر خلال فترة عمله وغير ذلك من البيانات، وعندئذٍ تكون دفاتر التاجر وسجلاته حجة له وعليه في مواجهة العامل معه، وعندئذٍ يتم إثبات سنوات خدمة العامل وأجره عن طريق تلك البيانات والمستندات، ويحق للعامل عند الخلاف مع صاحب العمل أن يطلب من المحكمة إلزام صاحب العمل بتقديم البيانات اللازمة المتوفرة لديه من تاريخ بداية عمل العامل وأجره والتغيرات التي طرأت عليه بإعتبار ان تلك المستندات والبيانات مشتركة بين العامل وصاحب العمل وفي هذه الحالة يجيز قانون الإثبات للعامل مطالبة المحكمة بإلزام صاحب بتقديم المستندات المشتركة ولو لم يكن ذلك في صالح صاحب العمل ، ويحدث هذا في الواقع كثيراً، ففي هذه الحالة لايتم الرجوع إلى طرق الإثبات الأخرى في مواجهة ما يثبت كتابة. 

اما في القطاع الاقتصادي غير المنظم الذي سبقت الإشارة إليه، فمن النادر أن ييتم الاحتفاظ بالدفاتر والسجلات والمستندات، ولكن إذا تم الاحتفاظ بهذه السجلات والمستندات فيكون حكمه في ذلك حكم القطاع الاقتصادي المنظم من حيث إثبات سنوات خدمة العامل وأجره . 

اما إذا لم يحتفظ صاحب العمل بسجلات أو دفاتر أو مستندات وكذلك إذا لم يحتفظ العامل نفسه بمستندات تثبت سنوات خدمته وأجره خلالها، فيتم الرجوع في إثباتها إلى طرق الإثبات المقررة في قانون الإثبات كالشهادة وغيرها حسبما قضى الحكم محل تعليقنا حفظا لحقوق الطرفين العامل وصاحب العمل. 

وبإعتبار العامل هو المدعي فأنه يجب عليه أن يثبت سنوات خدمته وأجره الذي كان يتقاضاه خلالها، وله أن يثبت ذلك بكافة طرق الإثبات المقررة في قانون الإثبات، وفي المقابل فمن حق صاحب العمل في هذه الحالة أن ينفي إدعاء العامل بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً، وعندئذٍ يظهر دور القاضي في الموازنة والترجيح بين أدلة الإثبات والنفي وفقاً لما هو معروف، بيد أنه لا يجوز للقاضي أن يقوم بتقدير سنوات خدمة العامل أو أجره من غير دليل أو خلافاً للدليل المطروح أمامه فذلك يبطل حكمه حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

 ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الرابع: وضعية العامل بغير عقد مكتوب في القطاع التجاري غير المنظم:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

يحتل القطاع التجاري غير المنظم المرتبة الأولى داخل القطاع التجاري من كافة النواحي من حيث كثافة العمال في هذا القطاع ومن حيث راس المال المستثمر في هذا القطاع ومن حيث تأثيره في النشاط التجاري والاقتصادي، ونقصد بالقطاع التجاري غير المنظم هي المؤسسات والمحلات والمهن التي ليس لديها نظم ولوائح وتعليمات وأدلة تنظم العمل فيها وتبين حقوق وواجبات العاملين فيها، والتي يعمل فيها العمال بدون ان يتم التعاقد معهم بموجب عقود مكتوبة، ويرجع سبب عدم قيام هذا القطاع بتنظيم العمل فيه إلى خشية التجار العاملين في هذا القطاع من ان يكون هذا التنظيم مدخلا لإبتزاز الموظفين الفاسدين في جهات الجباية (ضرائب + زكاة + تأمينات + الصناعة والتجارة...الخ) لان التنظيم يعتمد على التوثيق المستندي للأعمال والانشطة والحسابات التي يباشرها المحل أو المؤسسة) ولذلك فحصول الموظفين الحكوميين على البيانات والمعلومات والمستندات الخاصة بأعمال أصحاب العمل وانشطتهم  سيجعلهم عرضة للإبتزاز والتهديد من اولئك الموظفين الذين يطالبون لانفسهم اتاوات تفوق بكثير المطالب القانونية المقررة لجهاتهم، ولذلك فان غالبية المؤسسات التجارية لا تجروا على وضع لوحة تبين اسمها في المقر الذي تباشر عملها التجاري فيه. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الخامس : الوضعية القانونية للعامل بدون عقد عمل مكتوب :*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

صرح قانون العمل بان العامل الذي يعمل بدون عقد عمل يعد عاملاً مثله في ذلك مثل العامل الذي يعمل بموجب عقد عمل مكتوب،لان العامل قد ألتحق بالعمل لدى صاحب العمل بموجب عقد شفوي ، فعدم وجود عقد عمل كتابي لايعني عدم وجود اتفاق على العمل بين صاحب العمل والعامل ،فدور الكتابة هو إثبات علاقة العمل بين الطرفين فعدم وجود العقد لاينفي وجود العلاقة بين الطرفين،  وتبعاً لذلك فان أحكام قانون العمل تسري على العامل الذي يعمل بدون عقد عمل مكتوب ويتمتع بكافة الحقوق والضمانات المقررة في قانون العمل، وفي هذا المعنى نصت المادة (2) من قانون العمل في تعريف العامل بانه: (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت ادارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء اجر ووفق عقد مكتوب او غير مكتوب ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الاختبار والتدريب) وتطبيقاً لهذا النص فان أحكام قانون تتدخل لتنظيم العلاقة فيما بين العامل وصاحب العمل وتحديد حقوق وواجبات والتزامات الطرفين حيث تحل احكام قانون العمل بدور عقد العمل فيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين الطرفين  ، ولا يدرك الكثير من اصحاب الاعمال هذه الحقيقة القانونية حيث يخيل لهم ان عدم إبرام عقد مكتوب مع العامل يحرم العامل من صفة ووصف العامل وينفي مسئولية صاحب العمل عن الوفاء بحقوق العامل،  ومن جهة ثانية فقد عرف قانون العمل في المادة (2) صاحب العمل بانه (كل شخص طبيعي او اعتباري يستخدم عاملاً أو اكثر لقاء اجر في مختلف قطاعات العمل المختلفة الخاضعة لأحكام هذا القانون) ولذلك فان أحكام قانون العمل تسري على العامل وصاحب العمل بصرف النظر عن العمل او النشاط الذي يباشره صاحب العمل كالمخابز والمطاعم والمحلات التجارية وغيرها بصرف النظر عن حجم نشاطها فكل من يعمل لديها فهو عامل يتمتع بكافة الحقوق والضمانات المنصوص عليها في قانون العمل احكام،  فلا تستثنى من الخضوع لأحكام العمل الا الفئات المحددة في المادة (3) من قانون العمل   وهم موظفوا الجهاز الاداري للدولة والقطاع العام والقضاة والدبلوماسيين ومنتسبي المؤسسات العسكرية والامنية والأجانب المعارون للدولة أو العاملون بموجب اتفاقيات دولية وكذا العاملون فياعمال عرضية مؤقتة  واقرباء اصحاب العمل الذي يعولهم بالفعل وخدم المنازل والذين يعملون في الرعي والزراعة،والخلاصة أنه في حالة عدم وجود عقد عمل مكتوب فان ذلك لايعني عدم وجود علاقة اوعقد عمل فيما بين صاحب العمل والعامل لأن دور العقد المكتب اثبات العقد ولذلك فان العامل يستطيع إثبات عقد العمل بكافة طرق الاثبات المقررة قانونا كالشهادة والاقرار والقرائن المختلفة. 

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني