كتابة البصيرة من غير إبراز سند ملكية البائع

 *كتابة البصيرة من غير إبراز سند ملكية البائع*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

البصيرة مصطلح  شائع في اليمن يطلق على  الوثيقة التي تثبت شراء العقار حيث يتم إفراغ عقد بيع العقار في هذه الوثيقة المسماة (البصيرة)  بغرض إثبات ملكية المشتري للعقار، ومن أهم شروط عقد البيع في الشريعة والقانون  أن يكون البائع مالكاً للأرض التي يبيعها، ولذلك يجب على البائع بإعتباره الموجب في عقد البيع أن يبرز سند ملكيته للأرض أو العقار الذي يبيعه، وعلى الأمين الشرعي أن يتأكد من  الصفة العقدية أولاً قبل ان يباشر اي إجراء من الإجراءات، والصفة العقدية  للبائع هي: التحقق من ملكية البائع للمبيع والتحقق من شخصية البائع ومااذا كان أصيلا أو وكيلا أو وليا أو ممثلا قانونيا لشخص إعتباري) لان التحقق من الصفة العقدية للمتعاقدين من الأعمال التحضيرية لتحرير عقد البيع التي يجب على الأمين ان يقوم بها قبل الإستماع إلى صيغة الإيجاب والقبول التي يتم بها إبرام عقد البيع، والتي تليها عملية تحرير البصيرة، لان إنعدام الصفة العقدية يؤدي إلى إنعدام التصرف أو البيع، بيد أنه في بعض الحالات يتم تحرير بيوع عقارية من غير أن يقدم البائع المستند الدال على ملكيته لأسباب وذرائع عدة، فإذا حدث الخلاف بشأن هذا البيع المشكوك فيه وتم رفعه إلى محكمة الموضوع، فعندئذ يجب على محكمة الموضوع أن تبحث أسباب عدم إبراز البائع لسند ملكيته عند البيع، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-1-2002م في الطعن رقم (4958)، فقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((فقد تبين وجود اخطاء قانونية في الحكم المطعون فيه منها أن محكمة الموضوع لم تقم بالتحري والتثبت، فكان يجب عليها مناقشة الكاتب والشهود عن تاريخ البيع ومكانه وسؤال الكاتب للبصيرة عن سبب كتابة البصيرة دون أن يحضر البائع أصل مستند تملكه للمبيع كما هو مقرر قانوناً، خاصة إن المشتري قد افاد بأنه قد طلب من البائع أصل المستند عند صدور البيع فلم يحضره في مجلس العقد غير أنه ابرزه بعد ذلك من غير حضور الأمين  حيث تم التأشير لاحقاً على ظهر أصل المستند بما يدل على انتقال المبيع إلى المشتري))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الأول: خصوصية إثبات الملكية العقارية:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

لا ريب أن إثبات ملكية العقارات في دول العالم المختلفة له شكلياته وإجراءاته ، إذ تتولى الدول المختلفة  تنظيم إثبات ملكية العقارات في إقليم الدولة لإرتباط  التصرفات العقارية بسيادة الدولة، لان إجمالي العقارات الموجودة في الدولة تشكل إقليم الدولة، وإقليم الدولة يعد عنصرا من عناصر تكوين الدولة (إقليم + شعب + سلطة)، إضافة إلى  أن الحكومات تحرص على تنظيم إثبات الملكية العقارية نظرا لخطورة المنازعات على ملكية العقارات وتهديدها للأمن والسلم الإجتماعي، ولذلك تتبع الدول المختلفة نظم واجراءات إثبات الملكية العقارية كنظام الشهر العقاري ونظام السجل العقاري الشخصي ونظام السجل العيني ، وافضلها نظام السجل العيني العقاري، وتعتمد هذه النظم جميعها على الكتابة في إثبات التصرفات العقارية الناقلة للملكية كالبيع والهبة والإرث والوقف...إلخ، ولذلك فإن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة والصحيحة لإثبات الملكية العقارية، فإذا ثبتت الملكية كتابة فلا يتم دحضها إلا كتابة.

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: ماهية البصيرة المشار إليها في الحكم محل تعليقنا:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

البصيرة: هي الوثيقة التي تثبت شراء المشتري للعقار، إذ يتم إفراغ عقد  البيع العقاري في البصيرة لإثبات البيع وإنتقال  المبيع العقاري إلى المشتري، فالبصيرة: هي وثيقة إثبات إنتقال ملكية العقار بالبيع إلى الحائز للبصيرة، وتتضمن البصيرة البيانات اللازمة عن البائع والمشتري والمبيع والثمن، فتتضمن البصيرة بيانات المبيع من حيث مساحته وموقعه ونوعه وحدوده وكذا بيانات الثمن من حيث مقداره ونوعه وطريقة دفعه، وكذا تتضمن البصيرة البيانات الشخصية عن كل من البائع والمشتري وشروطهما إضافة إلى البيانات الشخصية  الخاصة بالشهود وكاتب العقد أو البصيرة وتاريخ تحرير البصيرة ومقدار السعاية واجور الكتابة حتى تكون البصيرة كافية ومستقلة في إثبات الشراء العقاري دون حاجة إلى مستندات أخرى، ويتم الإعتماد عند تحرير البصيرة وتدوين  البيانات الواردة فيها يتم الإعتماد في ذلك على المستندات المعدة قانونا للاثبات، فيتم الإعتماد على البيانات الواردة في البطائق الشخصية بالنسبة لتدوين بيانات البائع والمشتري والشهود ويتم الإعتماد في كتابة بيانات المبيع على  مستند  ملكية البائع، فيجب ان تتطابق بيانات المبيع فيما بين البصيرة ومستند ملكية البائع والبيانات التي يتضمنها التعطيل في ظهر مستند الملكية، وفي الوقت الحاضر يتولى تحرير البصيرة الأمين الشرعي أو  الموثقين العاملين  في  أقلام التوثيق وفقاً لما هو مقرر في قانون التوثيق، وفي بعض الحالات يتم تسجيل البصيرة في السجل العقاري لدى الهيئة العامة للأراضي، وتكون البصيرة محرراً رسمياً بعد أن يتم توثيقها لدى قلم التوثيق المختص وفقا لما هو مقرر في قانون التوثيق، فتكون البصيرة في هذه الحالة حجة على طرفي عقد البيع، بيد انها لا تكون لها الحجية في مواجهة الكافة  الا بعد تسجيلها في السجل العقاري حسبما سيأتي بيانه في الوجه التالي.

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الثالث: حجية البصيرة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

البصيرة الموثقة لدى قلم التوثيق تكون محررا رسيماً ملزماً لطرفيه بموجب قانون التوثيق وقانون الإثبات، اما البصيرة التي يتم تسجيلها في السجل العقاري فتكون محررا رسمياً وتكون لها حجيتها المطلقة في مواجهة البائع والمشتري بل في مواجهة الكافة حسبما نص عليه قانون السجل العقاري، في حين تكون البصيرة التي لم يتم توثيقها أو تسجيلها محرراً عرفياً بموجب قانون الإثبات وقانون التوثيق، والمحرر العرفي تكون له حجيته في مواجهة البائع والمشتري، فالبصيرة العرفية عبارة عن إخبار كاتبها بوقوع البيع والشراء فيما بين البائع والمشتري وانعقاده بالإيجاب والقبول والتراضي وقبض الثمن، وبموجب ذلك فقد تضمنت البصيرة العرفية كافة اركان وشروط عقد البيع المعتبرة شرعاً وقانوناً. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الرابع: وجوب إستيفاء الأمين الشرعي للمستندات والبيانات اللازمة قبل تحرير البصيرة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️اشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه كان يجب على المحكمة التحقق مما إذا كان البائع قد ابرز أصل مستند ملكيته عند تحرير البصيرة، حيث اراد الحكم أن تستوثق محكمة الموضوع من هذه المسألة التي اهملها الأمين الشرعي، إذ يجب على الأمين الشرعي قبل تحرير البصيرة أو عقد البيع العقاري أن يتحقق من وجود أصل مستند ملكية البائع والمستندات الدالة على البيانات الشخصية للبائع والمشتري قبل تحرير البصيرة والتحقق مما إذا كان البائع نفسه سيتولى عملية البيع أم عن طريق وكيل، فعلى الأمين الشرعي أن يتحقق من ذلك قبل أن  يستمع لصيغة البيع أو الإيجاب والقبول وتحرير البصيرة، فينبغي على الأمين ان يقوم  بذلك حتى تتم إجراءات البيع وتحرير العقد بصورة صحيحة موافقة للقانون. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الخامس: تحقق المحكمة من البيانات والإجراءات التي اغفلها الأمين الشرعي عند تحرير البصيرة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

كان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأنه كان يجب على محكمة الموضوع أن تتحقق مما إذا كان البائع قد ابرز أصل سند ملكيته للأرض المبيعة عند إبرام العقد وتحرير البصيرة من قبل الأمين الشرعي، لما لذلك من أهمية للوقوف على صحة البصيرة التي حررها الأمين الشرعي، وما إذا كان أصل مستند ملكية البائع موجودا وما إذا كان قد تم تعطيله أو تنكيته عن طريق الكتابة بظاهره بأن الأرض المذكورة فيه قد تم بيعها من قبل مالكها للمشتري، وإذا كان أصل المستند موجوداً  فيجب معرفة سبب احتفاظ المالك البائع بأصل مستند ملكيته طالما أنه قد باع الأرض كاملة، فقيام محكمة الموضوع ببحث هذه المسائل ومعرفة حقيقتها سيترتب عليه الحكم بصحة البصيرة محل النزاع من عدمه في ضوء البيانات التي تقف عليه محكمة الموضوع.

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه السادس: تنكيت أو تعطيل مستند ملكية البائع عند تحرير البصيرة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️كان جانب من النقاش الذي تضمنه أسباب الحكم محل تعليقنا أن المشتري قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأن البيع صحيح، لأن البائع وإن لم يبرز مستند ملكيته أمام الأمين الشرعي إلا أنه قد وعد بإبرازه لاحقاً ثم ابرزه أمام المشتري وتم بالفعل تعطيله عن طريق الكتابة في ظهر المستند بأن الأرض المذكورة في مستند الملكية قد انتقلت إلى المشتري إلا أن البائع لم يسلم للمشتري حينها ذلك المستند بعد تعطيله، فقد احتفظ به البائع  ورفض ابرازه بعد ذلك، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه كان يجب على محكمة الموضوع أن تبحث وتتحقق من هذه المسألة، لأن التنكيت أو التعطيل يتم أصلاً من قبل الأمين الشرعي وبخط الأمين عند قيامه بتحرير بصيرة شراء الأرض، حيث تتضمن بيانات التعطيل أو التنكيت البيانات ذاتها الواردة في البصيرة، فيجب أن تكون البيانات الواردة في التعطيل أو التنكيت هي البيانات ذاتها الواردة في البصيرة، ويجب أن تكون البيانات الواردة في التعطيل مطابقة للبيانات الواردة في البصيرة، وإن كانت البيانات الواردة في التعطيل مختصرة، إضافة إلى أن أصل مستند ملكية البائع ينبغي تسليمه إلى المشتري مرفقاً ببصيرة شرائه إذا كان البيع قد شمل كل المبيع المذكور في أصل مستند البائع بخلاف الحال إذا كان البيع قد اقتصر على بعض المبيع فإن أصل المستند يعاد إلى البائع بعد تعطيله. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه السابع: ماهية مستند ملكية البائع:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب التحقق من مستند ملكية البائع قبل تحرير البصيرة، ولذلك سنعرض بإيجاز بالغ ماهية مستند ملكية البائع للأرض أو العقار، فمستند ملكية البائع للعقار هو المحرر الذي يدل على أن البائع مالك للعين المبيعة، وقد يكون هذا المستند بصيرة تدل على أن العين المبيعة قد انتقلت إلى البائع عن طريق شرائه لها من الغير، كما قد يكون المستند فصل يتضمن الأموال التي انتقلت إلى البائع عن طريق الإرث من مورثه، كما قد يكون المستند هبة أو نذر أو غيرها من مستندات إنتقال الملكية العقارية، ويجب أن يكون مستند ملكية العين المبيعة هو أصل المستند وليس صورة منه، حسبما اشار الحكم محل تعليقنا، لأن قانون الإثبات قد اشار إلى أن الحجية تكون لأصول المحررات أو المستندات، وان الصورة هي مجرد قرينة، علاوة على أن مفهوم أصل المستند قد يتسع إذا كانت هناك اصول سابقة  تدل على أن البائع السابق أو المورث أو الواهب كان مالكاً عندما تصرف إلى البائع الأخير، لأن بقاء الأصول السابقة للبائعين السابقين لدى البائع الأخير تثير إشكاليات كثيرة، فكثيراً ما يستعملها البائع الأخير في تصرفات أخرى للغير، ولذلك يحرص بعض الأمناء على النص في البصيرة بأن البائع قد سلم المشتري كافة الوثائق والمستندات المتعلقة بالمبيع وأنه إذا ظهر أن هناك وثائق لم يتم تسليمها للمشتري فلا يعمل بها ولا يحتج بها في مواجهة المشتري للعين أو غيره، والله اعلم.

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني