الاخطاء اللغوية في القانون

 *الاخطاء اللغوية في القانون*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2023/05/blog-post_35.html

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

نصت المادة (2) من الدستور على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة ، وللغة العربية قواعدها واساليبها وتراكيب جملها كما ان للغة العربية الفاظها ومعانيها وإعرابها، فإذا لم تلتزم النصوص القانونية بقواعد اللغة العربية فإن النص القانوني يكون قد خالف الدستور الذي صرح بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة،  وهذا يعني أن لاتخالف النصوص القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية قواعد اللغة العربية، إذ يجب أن تراعي هذه النصوص قواعد اللغة العربية، فإذا تضمنت النصوص القانونية اخطاء نحوية أو إملائية فإنها تكون مخالفة للنص الدستوري الذي صرح بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، حسبما ورد في الدعوى بعدم دستورية بعض مواد قانون ضريبة المبيعات، بيد أن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في اليمن قضت برفض هذا الوجه من الدعوى، لأنه كان ينبغي على المدعية بعدم الدستورية تحديد أوجه مخالفة النص القانوني لقواعد اللغة العربية في كل نص من نصوص القانون على حدة وان تذكر الاخطاء اللغوية الواردة في النصوص كل نص على حدة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-12-2010م في الدعوى الدستورية رقم (5/1) لسنة 2005م، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((حيث أن المدعية بعدم الدستورية قد ذكرت في دعواها أنه: من الثابت للدائرة الموقرة أن القانون محل الدعوى قد تضمنت نصوصه قاطبة اخطاء لغوية ونحوية وتعبيرية فاحشة مما يدل على عدم إلتزام واضعه بقواعد اللغة العربية واساليبها الصحيحة، كما أن ذلك يبرهن على عدم إلمامه بأسس وصياغة النصوص القانونية، فكافة نصوص القانون الطعين تحتوي على اخطاء لغوية ونحوية وتعبيرية فاحشة تقع برمتها في حومة المخالفة لنص المادة (2) من الدستور، والدائرة: تجد أن ما ذكرته المدعية كافٍ لرفض دعواها، لأن الرقابة على دستورية القوانين في ذاتها رقابة على الأحكام والقواعد التي تضمنتها النصوص القانونية ومقابلتها مع القواعد والأحكام التي تضمنت النصوص الدستورية لبيان أوجه المخالفة أو التعارض وهو مالم يتوفر في هذا الوجه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الأول: معنى النص الدستوري (اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة):*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

عرض الحكم محل تعليقنا  نقاش المدعي عدم دستورية القانون الذي ادعى عدم دستورية القانون، لأن كل نصوص القانون كانت قد تضمنت اخطاء لغوية ونحوية وإملائية وتعبيرية فاحشة وذكر المدعى ان ذلك يخالف نص المادة (2) من الدستور التي نصت على أن لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية، واردف المدعى بأن ذلك يعني أن تكون جمل وكلمات النصوص القانونية موافقة لقواعد اللغة العربية النحوية والإملائية، وهذا يقتضي الإشارة إلى معنى النص الدستوري الذي قرر ان: لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية:  فمعنى النص الدستوري ان اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة يعني ان تكون المخاطبات التي تصدر عن سلطات الدولة الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية باللغة العربية، واللغة كما هو معلوم تشمل الحرف والصوت والمعنى، بمعنى ان تكون الكلمة  مكتوبة بالحروف العربية بحيث يستطيع كتابتها وقراءتها عموم الأفراد ويفهموا معناها  المقصود بها، فاللغة الرسمية هي لغة تُعطى اعتبارًا قانونيًا خاصًا في الدولة  حيث يتم استعمالها  لدى سلطات واجهزة الدولة ومصالحها المختلفة كالمحاكم والبرلمان والإدارات، ويتم استعمالها في تحرير الوثائق الرسمية والمراسلات وتصدر الوثائق الرسمية للدولة باللغة الرسمية، كما تصدر الجريدة الرسمية للدولة المتضمنة القوانين والتشريعات باللغة العربية، و كذا الصحف الرسمية التابعة للدولة، كذا تستعمل اللغة الرسمية في التدريس بمدارس الدولة وجامعاتها ومعاهدها، وعلى هذا الأساس فإنه ينبغي أن تحترم النصوص القانونية قواعد اللغة العربية بما فيها  قواعد النحو والاملاء والتعبير، وقد رفض الحكم محل تعليقنا رفض دعوى عدم دستورية بعض النصوص في قانون ضريبة المبيعات بسبب ان المدعى لم يبين في دعواه  الأخطاء النحوية والاملائية والتعبيرية في النصوص القانونية كل على حدة ووجه الخطأ في  تلك الجمل أو الكلمات المدعى أنها  تخالف قواعد اللغة العربية  في كل نص على حدة.

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الثاني: اللغة العربية القانونية:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

علم اللغة القانونية هو العلم الذي يدرس أصل الكلمة القانونية اللغوي (بنائيا ودلاليا) وسياقاتها وتوظيفاتها القانونية، أو هو :”علم يدرس الكلمة القانونية من حيث أصولها اللغوية البنائية والدلالية وتوظيفاتها القانونية”. أو “هو علم يدرس المفردات اللغوية القانونية وتوظيفاتها القانونية، فموضوع علم اللغة القانونية هو الكلمة القانونية والكلمة العربية القابلة لأن تكون قانونية، من حيث: ٢- بناؤها ودلالتها لغويا وقانونيا وما يتعلق بذلك من البناء والدلالة اللغوية، أو البناء والدلالة القانونية، ومن حيث اعتبارات: أ- المفردة وهو ما نعبر عنه بالفوارد جمع مفرد.ب- المركبة حيث التراكيب القانونية (الوصفية والإضافية على وجه الخصوص) ، ولعل “المصطلح القانوني” لا يجاوز هذين المستويين غالبا ، فهو يأتي مفردا وقصاراه أن يأتي مركبات، مثال ذلك مصطلح قانوني :”مصطلح اللغة العربية القانونية، وهو المصطلح الوسيط (الهجين) بين اللغة والقانون، إذ  يأتي الداعي لاصطناع مصطلح “اللغة العربية القانونية” ، وهو المصطلح العلمي الأول في أبنية مصطلحات “اللغة القانونية” ، كما أنه المصطلح الوسيط بين اللغتين العربية وبين اللغة القانونية، إلا أنه ليس المنتهى، فهو مجرد عبور من عالم اللغة العربية التراثية الواسع إلى عالم التخصص اللغوي القانوني في أوله، ومن ثم فهو يعبر عن مستويين متقاربين وهما المستوى اللغوي المناسب والمستوى القانوني الأول حيث يصب في معنى أن اللغة العربية كلها بجميع مكناتها وقواعدها وسننها وطرائقها صالحة للقانون كله في جميع مساراته ومجالاته، وهو ما يعبر عن أوسع اللغات القانونية وبالأحرى أوسع المستويات اللغوية القانونية، فاللغة العربية لغة قانونية بامتياز، وهي مستوى نظري أكثر منه عمليا، ولا يمكننا ابدا كذلك هدم هذا المستوى وإلغاءه كما لا يمكن اعتماد لنبني عليه مستوى علميا معتبرا، فنحن نعترف به ونعتبره المعين والبحر اللغوي القانوني العام الذي تنهل منه نظرية اللغة القانونية وعلمها وفروعه وشعبه، وغالبا ما نذكره مصحوبا بالمستوى البياني سابقه وهو ما يعبر بحق عن اللغة العربية القانونية أو عن المستوى الثالث البياني لها، بمعنى أن جميع مهارات ومكنات اللغة العربية صالحة للاستخدام القانوني، وكما عبرنا بهذا المصطلح عن المستوى الثالث للغة القانونية فإننا أيضا نفسر به معنى اللغة العربية المقصودة في نصوص الدستور مادة (2) وقانون السلطة القضائية (مادة 19) في اختصاصها بأنها لغة الدولة ولغة المحاكم ، حيث عبر المشرع عنها باسمها التراثي العام ، ومحال أن يريد بها تلك اللغة الوعرة التي لا يعرفها إلا الأعراب الاقحاح في أقصى البوادي ( غريب اللغة ) أو تلك اللغة الوجدانية التي تعبر عن أدق وجدانيات صاحبها فهي مغرقة في الوجدانية والذاتية  أو غيرها من الأساليب الملغزة أو الغامضة والغريبة وكلها مما يصح أن يطلق عليه اللغة العربية، ولكن المراد باللغة العربية التي تكون لغة قانونية  هي لغة الاتصال والإيصال والتواصل القانوني، لغة تقارب بين اللغة العربية الأصلية وبين اللغة المتخصصة، فاللغة العربية القانونية لغة تناسب المعاني والدلالات القانونية وما يريد المشرع إيداعه في قوالبها البنائية ، ومن هنا فاسمها هو اللغة العربية هكذا -كما نص عليها المشرع- ويلحق بذلك وصفها “بالقانونية”  فيصير المصطلح اللغة العربية القانونية. 

فاللغة العربية -كما نطق بها- في وجها القانوني أو في وظيفتها القانونية، وكذلك عبرنا بها عن اللغة المقصودة في “الميثاق العربي للغة القانونية” وفي “برنامج التكوين اللغوي والتمكين المهاري” لتقريب ما ذكره المشرع (اللغة القانونية وعلم المصطلح القانوني – صناعة  المصطلح القانوني، د. محمد عبد الكريم الحسيني ص٣). 

 ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: اللغة العربية الرسمية وميثاق شرف اللغة العربية:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

سبق أن ذكرنا ان المادة (2) من الدستور صرحت بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وهذا يعني القول بأن مقتضى النص الدستوري على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وذلك يقتضي بأن تصدر القوانين باللغة العربية بإعتبار السلطة التشريعية إحدى سلطات الدولة الثلاث المكونة للدولة، ومعنى ذلك ان تكون النصوص القانونية سليمة لاتخالف قواعد اللغة العربية،حسبما اشار الحكم محل تعليقنا. 

ولذلك يجب أن تكون لغة القانون متوافقة مع قواعد اللغة العربية،، فاللغة القانونية لغة فنيَّةُ  تدخل في تكوين  القاعدة القانونية ، مثل باقي عناصرها من الفَرْض والحكم كما في القواعد التجريمية ، وهي لازمةٌ لزومَ عنصر الفرضِ حالَ غابَ الحكمُ كما في القواعد القانونية التكميلية، ولذلك  قام الباحثون الخبراء في مجال القانون واللغة العربية  بإقتراح ميثاق شرف للموائمة بين اللغة العربية واللغة القانونية، كما يأتي:

بند ( 1 ) يستجيب هذا الميثاق للنصوص القانونية الدستورية والتشريعية في كافة دساتير وتشريعات الدول العربية بأن: ” الإسلام دين الدولة، و اللغة العربية لغتها الرسمية” ، ونصوص التشريع القاضية بأن “لغة المحاكم هي اللغة العربية”. ويقر الميثاق كذلك كافة النصوص القانونية في جميع التشريعات العربية المتعلقة باللغة العربية وأحكامها .

بند ( 2 )“اللغة العربية القانونية” – ويمكن تسميتها اختصارا بــــ”لغة القانون” – مصطلح جامع أصله ومصدره هو “اللغة العربية الفصحى” بقواعدها ونظامها اللغوي المعتبر ، ونقصد بهذا المصطلح: تلك اللغة العربية التي تصاغ بها النصوص القانونية والأحكام والعقود وسائر المكاتبات الرسمية ذات المضمون القانوني والغاية القانونية، وهي كذلك لغة الخطاب والتخاطب القانوني الرسمي في المؤسسات والكيانات القانونية.

بند ( 3 )، تستمد “اللغة العربية القانونية أصولها وروافدها من اللغة العربية الفصحى الأم ، فهي تجري على سننها وتأخذ بنظامها مع ما يناسبها من سمات تركيبية وخصائص دلالية تقتضيها طبيعتها القانونية ووظيفتها العدلية، فهي لغة عربية فصحى ذات مضمون قانوني ووظيفة قانونية وسمات وخصائص تناسب النص القانوني وطبيعته ووظيفته .

بند ( 4 ) تعتبر اللغة العربية القانونية مُقوِّما رئيسا من مُقومات الدول العربية القانونية المعاصرة ، باعتبارها لغة النصوص القانونية، ولغة نظامها القانوني الوطني، إضافة إلى أنها فرع عن اللغة العربية الفصحى ، لغة الدولة الرسمية، ولغة القرآن الكريم، ولغة التاريخ والحضارتين العربية والإسلامية.

بند ( 5 ) مع مراعاة أحكام القوانين العربية المتعلقة باللغة العربية الرسمية، ووجوب الاستجابة لنصوصها الدستورية والقانونية ومقتضياتها بهذا الخصوص، يُعْتدُّ باللغة العربية القانونية وَحْدها لغةً رسميةً في كافة النصوص القانونية والمكاتبات والمشافهات والاتصالات القانونية الرسمية في جميع الدول العربية الموقعة على هذا الميثاق .( المرجع السابق، ص ٣).

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الثالث: القانون وقوانين اللغة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

تُعرف اللغة بصفة عامة بأنها مجموعة من الرموز الصوتية، التي يُرمز بها إلى المعاني والأفكار، وتحتاج اللغة الصوتية، إلى وجود شخصين على الأقل، متكلم ومخاطب حتى يتم التواصل والتفاهم، فتستخدم اللغة في نقل فكرة من ذهن أحدهما إلى ذهن الآخر، ولكن ذلك قد لا يتيسر دائما، إذ قد يختلف مكان الاتصال، أو زمانه، أو الاثنين معاً، مما يضطر الإنسان إلى اختراع طريقة أخرى يستخدمها أداة للتواصل في حالة بُعد المسافة أو اختلاف الزمن. 

لذا لجأ الإنسان إلى الرسم للتعبير ، ثم اخترع الكتابة، ولذلك تُطلق كلمة "لغة" على التعبير الصوتي الشفوي بالكلام، والتعبير التحريري البصري بالكتابة. 

وإذا كانت اللغة بمفهومها السابق، ما هي إلا وسيلة لنقل الأفكار، والتفاهم بين الناس، فإن واقع الحياة، وتجارب الناس اليومية، تدل على أن الناس يستخدمون طرقاً أخرى للتفاهم، ونقل الأفكار دون حاجة إلى كلام، أو كتابة، إذ قد يتم ذلك بالإيماءة، أو هزة رأس مثلاً. 

أضف إلى ذلك أن بعض الشعوب على مر التاريخ، مثل الهنود الحمر في أميركا الشمالية، وبعض قبائل أفريقيا، قد استحدثوا لغات متعددة من الإشارات المعقدة، مثل دقات الطبول، التي تُدق بطريقة ذات معان مفهومة بالنسبة لكل طرف من طرفي التواصل، بل إن بعض العبارات الشائعة مثل "لغة العيون" تذكرنا، بأننا نستعمل عادةً في حديثنا بعض النظرات ذات المعاني الواضحة المفهومة. 

كما يمكن التعبير عن بعض الأفكار بحركة، أو حركات معينة، وهو ما يُطلق عليها "لغة الجسد"، وهي تلك الحركات التي يقوم بها بعض الأفراد مستخدمين أيديهم، أو تعبيرات وجوههم، أو أقدامهم، أو نبرات أصواتهم، أو هز أكتافهم، أو رؤوسهم؛ ليفهم المخاطَب بشكل أفضل المعلومة، التي يريد أن تصل إليه، هذا فضلاً عن "لغة الإشارة"، التي يستخدمها البُكم للتواصل فيما بينهم، أو للتواصل مع غيرهم. 

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن إطلاق لفظ "اللغة" على هذه الأشكال من أشكال التواصل، يظل من باب المجاز، ويظل مفهوم اللغة قاصراً على التواصل المنطوق، والاتصال المكتوب، دون سواهما من وسائل التواصل والاتصال الأخرى،لأن الفرق بين اللغة بوصفها أداة لنقل الأفكار، وبين الحركات، والإشارات الصوتية، ومشاكلها، هو أن المخاطب يستطيع باللغة المنطقة والمكتوبة، أن يتابع تطور سلسلة من الأفكار في ذهن المتكلم، هذا فضلا عن أن اللغة المنطوقة، والمكتوبة هي وعاء العلوم كلها، وأداة نقل ثقافة الآباء والأجداد إلى الأجيال القادمة. 

ولأهمية اللغة، فإن الأمم تعتز بلغاتها، وتتعصب لها، فهي كيانها، ودليل وجودها، وعنوان شخصيتها، ومستودع تراثها الحضاري، والثقافي، والعقائدي، وسبب مهم من أسباب وحدتها، ومطيتها للعبور إلى مستقبل مشرق. 

وإذا كان هذا هو حال الأمم جميعها، فإنه من واجبنا أن نعتز بلغتنا العربية، وأن نفتخر بها، وأن نهتم بتعلمها وتعليمها، وأن نأخذ بأسباب نشرها، فهي لغة القرآن، وبها تتحدث الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، كما يتحدث بها عدد كبير من أبناء الدول الإسلامية غير العربية، وقد صارت اللغة العربية في الوقت الحاضر لغة رسمية في كثير من المنظمات والمؤتمرات الدولية. 

ولأن اللغة تنمو مع الإنسان منذ طفولته، وتنمو مع نمو جسمه وطاقاته، وفطرته التي فطره الله عليها، وعقيدته التي يؤمن بها، فلا يمكن أن يكون اهتمامنا باللغة العربية قاصراً على تدريسها مقرراً دراسياً في مراحل التعليم قبل الجامعي، أو أن نؤسس لها الكليات المتخصصة في علومها وفنونها، بل يجب أن نجعلها محوراً أساسياً في بناء الإنسان العربي، ومحوراً للعملية التعليمية بكل مكوناتها، وعلى مختلف مستوياتها. واذا كانت اللغة مهمة لعموم الناس، فهي لرجل القانون والمخاطبين بأحكامه أهم، إذ هناك علاقة وثيقة بين علم القانون، واللغة العربية، فاللغة العربية لا يحتاج إليها المفتي وحده، بل يحتاج إليها المفتي والمستفتي، والمدّعي، والمدّعى عليه، فتبديل حركة في حرف قد يُصيّر الحق باطلاً، والباطل حقاً. ومثال ذلك ما ذكره "ابن فارس" في رسالته "فتيا فقيه العرب" بأن رجلا ادّعى مالا بحضرة القاضي "أبي عبيد بن خربوبة"، فقال الرجل: مالُه عليّ حق "بضم اللام في كلمة مالُه"، فقال "أبو عبيد": أتعرف الإعراب؟ قال: نعم، فقال: قم قد ألزمتك المال". 

ولأن اللغة وعاء العلم فإن مَنْ لم يُجد اللغة، لن يجيد العلم الذي وقف نفسه على دراسته، لأن كل معنى من المعاني دقّ أو عظم يحتاج إلى لفظ ينقله من عقل إلى عقل، فاللغة هي الحاملة، والناقلة للعلوم والمعارف، ومن يُقصِّر في تعلمها، يكون قد قصَّر في تحصيل العلم الذي تخصص فيه. 

ويجب على طلاب القانون في الدراسة الأولية في كليات القانون "مرحلة الليسانس أو البكالوريوس"، أو في مرحلة الدراسات العليا "الماجستير والدكتوراه" التوسع في اللغة العربية، والثقافة اللغوية، فلا كمال لشخصية رجل القانون دون أن يستقيم لسانه، ويصح منطقه، ويحسن بيانه. 

فباللغة يقف على حقائق المشكلات التي تُعرض عليه، ويتجنب الظلم وضياع الحقوق نتيجة القصور في الثقافة اللغوية، فلا تُحجب عنه قضية، ولا يفتنه مدّعي أو مدّعى عليه ألحن بحجته من خصمه، ولا يفتنه سائل ماكر، عرف من أسرار اللغة، ما لا يعرفه، ولا يضر بغير قصد من يلجأ إليه طالباً نصرته، فحفظة اللغة أقدر من سواهم على فهم النص، واستنتاج الحكم. 

كما يجب على القاضي، أن يدرس علوم اللغة العربية من صرف، ونحو وبلاغة وغيرها، ليكون تصديه للحكم مصيباً، وليس هذا فحسب، بل إن المشرع الذي يصيغ القوانين، ويصدرها يجب أن يكون ملماً بكل فنون وقوانين اللغة العربية، وإلا أصاب القانون العوار، وكثرت ثغراته، ولم يُحقق الهدف المبتغى من إصداره. 

فالجمع بين اللغة العربية بكل قوانينها، وفنونها والمضمون القانوني يُحقق أهدافاً، لا يمكن أن يحققها التركيز على دراسة القانون وحده، فإذا ما أجاد القانوني اللغة العربية أصبحت لغة القانون ذاتها أداة لتعلم قوانين اللغة، ولعل ذلك يظهر في بعض رسائل الحقوق على مر التاريخ الإسلامي، ونصوص أحكام بعض القضاة، ومرافعات جهابذة المحامين، والتي تمثل نماذج فريدة للغة القانون وقوانين اللغة العربية، الأمر الذي يجعلها مادة قيمة، يجب أن تُدّرس في كليات القانون. 

ولاريب أن طالب القانون، عندما يجد المعلومة القانونية والقاعدة اللغوية مجتمعتين في نص واحد مع اقتناعه التام، بأن القاعدة اللغوية تخدم المعلومة القانونية، سيُقبل على دراسة اللغة العربية، ويجتهد في إجادة كل فنونها أو جلها، ليفهم من خلالها المعلومة القانونية. 

وقد جرى العمل في كليات القانون في الجامعات العربية، على أن اللغة العربية ليست من ضمن المقررات التي تُدرس فيها، إلا أن بعض الجامعات العربية تجعل دراسة اللغة العربية متطلباً جامعياً اختيارياً، أو إجبارياً حسب الخطط الدراسية المطبقة في كل جامعة، يدرسه جميع طلاب الجامعة خلال فصل دراسي أو فصلين على الأكثر. 

ومما لا شك فيه، أن ما يدرسه طالب القانون من قواعد وفنون اللغة العربية خلال فصل دراسي أو فصلين، لا يكفي لتشكيل ثقافته اللغوية، التي هي سلاحه لإجادة الفنون القانونية، ليكون بعد تخرجه فارساً من فرسان القانون، قادراً على ترسيخ قيم الحق، والعدالة، والمساواة، لذلك نقترح أن يتم تدريس اللغة العربية "قوانينها وفنونها" في كل مراحل الدراسة الأولية في كليات القانون، وأن تكون الدراسة اللغوية أكثر شمولاً وتعمقاً خلال مرحلة الدراسات العليا،وأن يتم تدريس أسلوب المرافعات، وفنون الصياغة القانونية من قبل أساتذة اللغة العربية جنباً إلى جنبا مع أساتذة قانون المرافعات، وأن تتألف لجان الإشراف على مشاريع التخرج، وأطروحات الدراسات العليا من أستاذ في القانون، وأستاذ في اللغة العربية. 

وأخيراً، نؤكد على أن وجود أساتذة متخصصين في اللغة العربية وفنونها داخل كليات القانون لن يكون مفيداً لطلاب القانون فحسب، بل سيكون مفيداً أيضاً لأساتذة القانون أنفسهم، الذين لا يستطيعون مهما برعوا في قوانين وفنون اللغة، أن يستغنوا تماماً عن علم، ومشورة أهل اللغة، فكما يقول المثل القديم" أهل مكة أدرى بشعابها"، وما أكثر شعاب لغتنا الحبيبة

من الإشارة هنا بأن الصياغة التشريعية هي أهم أنواع الكتابات القانونية، فهي التي تحدد الحقوق وتفرض الواجبات والالتزامات وتخول الصلاحيات والامتيازات.

ومن هنا فإن الصياغة هذه يجب أن تتسم بالسهولة والبساطة، وأن تخلو أيضاً من المحسنات والأساليب البلاغية، حيث أنها تلحق غموضاً بالمعنى قد يكون مطلوباً في لغة الأدب، لكنه من المحرمات في اللغة القانونية.

وفي هذا أسوق قولاً للفقيه الكبير د.عبدالرزاق السنهوري حيث يقول:

"يجب أن تكون لغة التقنين واضحة ودقيقة، فاللغة المعقدة تجعل القانون مغلقا،ً كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهماً.....".،

وفي هذا المقام أقول وبملء فمي إن المراقب لاستعمال اللغة العربية في أيامنا هذه يرى – بكل أسف - أن خطراً يواجهها الآن يهب من التآكل العام للغــة الفصحى وغياب لإلمام بها وبمعانييها ونحوها وصرفها، وهذا التآكل المروّع لا تحتمله المواد القانونية والأحكام القضائية، بالإضافة إلى ما نلاحظه في مدارسنا وجامعاتنا من تصرفــات مهينة مع اللغة. (اللغة العربية ودورها في التشريع والقضاء

المحامي الأستاذ فهد أبو العثم،ص٧). 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الرابع:  توصية إلى مجلس النواب اليمني:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

قنوات التشريع في اليمن طويلة تتعرض خلالها مشاريع القوانين لتعديلات عدة من جهات عدة، إذ تحدث خلالها اخطاء لغوية ونحوية واملائية وطباعية في القوانين، ولذلك اوصي مجلس النواب بأن يعرض مشروع القانون على مصحح لغوي قبل عرض المشروع على القاعة للتصويت عليه مادة حسبما تنص عليه لائحة مجلس النواب، لأن عرض المشروع على مصحح لغوي سيؤدي إلى تلافي الاخطاء اللغوية والنحوية والتعبيرية، حتى يجسد مجلس  النواب النص الدستوري (اللغة العربية  اللغة الرسمية للدولة)، والله اعلم.

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني