شروط السكن الشرعي للزوجة

 *شروط السكن الشرعي للزوجة*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2023/05/blog-post_8.html

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️أمر الله سبحانه وتعالى الزوج بأن ينفق على زوجته بحسب إمكانياته المالية ومكانته ومنزلته الأجتماعية، فقال تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ...}[(7) من سورة الطلاق]، ومن مظاهر نفقة الزوج على زوجته إعداد المسكن الشرعي للزوجة الذي اشترط قانون الأحوال الشخصية ان تتوفر فيه شروط عدة منها ان يكون مما يليق مثله من مثله ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-7-2018م في الطعن رقم (61418)، وقد سبق ذلك الحكم الاستئنافي الذي قضى (بتأييد الحكم الابتدائي، وإلزام الزوج بأن يعد للزوجة سكنا  شرعياً شقة تليق مثله من مثله، طبقاً لنص المادتين (41 و42) أحوال شخصية وإلزام الزوجة بالعودة إلى سكن الزوجية بعد إعداده)، وقد أقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي وورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة تفاصيل ما ورد في عريضة الطعن والرد المشار إليهما فيما تقدم، وبعد الإطلاع على الحكم الابتدائي وما تبعه بمحكمة الاستئناف وجدنا حكم الاستئناف موافقاً للشرع والقانون، وذلك لما علل به واستند إليه في قضائه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الأول: السكن الشرعي بين الحق والواجب:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

السكن الشرعي حق للزوجة وواجب على الزوج، ويقابل ذلك حق الزوج في إنتقال الزوجة إلى منزل الزوجية كمظهر من مظاهر طاعة الزوجة لزوجها وحق من حقوق الزوج على الزوجة، حسبما هو مقرر في المادة (40) أحوال شخصية، ولذلك  يجب على الزوج (إعداد سكن شرعي للزوجة مما يليق مثله من مثله)، حسبما هو مقرر في المادة (41) أحوال شخصية. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الثاني: شروط السكن الشرعي للزوجة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️بينت المادة (42) أحوال شخصية شروط السكن الشرعي للزوجة، فقد نصت هذه المادة على أنه (1- يشترط في المسكن الشرعي أن يكون مستقلا  تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها ، ويعتبر في ذلك حال الزوج ومسكن أمثاله وعرف البلد وعدم مضارة الزوجة، وللزوج أن يسكن مع زوجته أولاده منها ومن غيرها ولو كانوا بالغين وأبويه ومحارمه من النساء إذا كان إسكانهم واجبا عليه بشرط اتساع المسكن لسكناهم وعدم مضارة الزوجة وان لا تكون قد اشترطت غير ذلك عند العقد 2 – لا يحق للزوج أن يسكن مع زوجته ضرة لها في دار واحدة إلا  إذا رضيت بذلك، ويحق لها العدول متى شاءت)، ومن خلال إستقراء ما ورد في هذا النص يظهر أنه قد تضمن الشروط العامة للسكن الشرعي للزوجة، وهذه الشروط هي الحد الأدنى للسكن الشرعي للزوجة ، وبيان شروط السكن الشرعي الواردة في المادة (42) كما يأتي: 

*▪️الشرط الأول: أن يكون السكن شرعياً:*  السكن الشرعي هو  الموافق لأحكام الشريعة، فهو الذي تستطيع فيه الزوجة الإختلاء بزوجها وتغيير ملابسها والإحتفاظ بإحتياجاتها ومتعلقاتها الشخصية واموالها، والحد الأدنى للسكن الشرعي وفقاً لهذا المفهوم غرفة مستقلة ضمن بيت العائلة الذي تشترك فيه الزوجة مع بقية أفراد العائلة في المرافق الأخرى في المنزل كالمطبخ والحمام والسطح والفناء.

*▪️الشرط الثاني: إستقلال السكن الشرعي:* وهذا الشرط مستفاد من النص السابق الذي اشترط (ان يكون السكن مستقلاً)، حسبما ورد في النص السابق، والمقصود بإستقلال السكن أن تستقل به الزوجة خاصة، فلا يشاركه أحد في الإنتفاع بالسكن أو المبيت فيه، فيكون السكن خاص بالزوجة وزوجها وأولادهما منه خاصة، ومقتضى ذلك  ان يكون السكن مقفلا  يكون مفتاحه  بيد الزوجة، فتكون هي المتحكمة في الدخول والخروج من السكن الشرعي.

*▪️الشرط الثالث: أن يكون السكن آمنا:* تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها وحاجياتها ، وهذا الشرط مذكور في نص المادة (42) السابق ذكرها، التي نصت على أن (تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها)، والسكن الآمن كما ينص عليه الفقهاء: هو الذي لا يكون موقعه في الأماكن الموحشة الخالية من العمران والجيران كأطراف المدن والمناطق والحارات المشهورة بالفساق والعصاة وأرباب الشر والإجرام، كذلك لا يكون مسكنا أمناً إذا كان أهل الزوج  الذين يقيم معهم من أرباب الشر والفسوق.

 *▪️الشرط الرابع: أن يكون سكن الزوجية متناسباً مع حال الزوج المالية والاجتماعية:* وهذا الشرط مستفاد من النص القانوني السابق الذي ورد فيه (ويعتبر في ذلك حال الزوج)، وحال الزوج المعتبر في القانون هي الحالة المالية للزوج، لأن السكن مظهر من مظاهر النفقة، والزوج هو المأمور بالنفقة، كما يندرج ضمن حال الزوج حالته الإجتماعية أو مكانته ومنزلته الإجتماعية في المجتمع الذي يعيش  الزوج فيه أو يعمل فيه. 

*▪️الشرط الخامس: ان يكون السكن مماثلاً للسكن الذي اعده أمثال الزوج لزوجاتهم:* وهذا الشرط مستفاد من النص القانوني السابق الذي ورد فيه (ويعتبر في ذلك مسكن أمثاله)، وقد ورد هذا الشرط صراحة في المادة (41) أحوال شخصية التي نصت على أنه (يجب على الزوج لزوجته ما يلي: -1- إعداد سكن شرعي مما يليق مثله من مثله)، وقد أستند الحكم محل تعليقنا إلى هذا النص، ومعنى (مما يليق مثله من مثله) أن يكون السكن لائقاً ومماثلاً للمساكن التي أعدها لزوجاتهم أمثال الزوج من حيث القدرة المالية والمكانة والمنزلة الإجتماعية، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأنه يلزم الزوج أن يعد لزوجته سكناً شرعياً مما يليق مثله من مثله، وصرح الحكم بأن السكن في تلك الحالة (شقة)، وليس غرفة مستقلة أو فيلا أو غيرها. 

*▪️الشرط السادس: ان يكون السكن الشرعي ومكوناته واثاثه بحسب عرف البلد:* حسبما ورد في المادة (42) أحوال شخصية التي استند إليها الحكم محل تعليقنا التي اشترطت في السكن الشرعي أن يكون بحسب (عرف البلد)، حسبما ورد في النص، لأن العرف معتبر في تقدير وتحديد مسائل كثيرة منها كيفية السكن واثاثه وموجوداته، فينبغي ان يكون سكن الزوجة بحسب العرف السائد في البلد من حيث مكوناته وموجوداته واثاثه ، ولذلك يختلف السكن الشرعي بحسب إختلاف الأعراف، فإذا لم يكن مسكن الزوجة بحسب العرف السائد في البلدة فإن الزوجة تشعر بالانتقاص والدونية وان معاملتها في سكنها معاملة أدنى مما تعارف عليه اهل البلدة، فلا يليق بالزوج أن يجعل مسكن الزوجية أقل أو أدنى مما تعارف عليه أهل البلدة من حيث مكوناته وموجوداته واثاثه. 

*▪️الشرط السابع: أن يكون السكن واثاثه متناسباً مع المناخ السائد في البلدة:* وهذا الشرط ملحق بالشرط السابق وهو العرف السائد في البلدة، ولذلك ينبغي أن يكون سكن الزوجية وموجوداته واثاثه ملائماً للمناخ السائد في البلدة من حيث درجة الحرارة والبرودة والبداوة والحضارة، فالسكن في المناطق الشديدة الحرارة له متطلباته ومكوناته التي تختلف عن مكونات السكن في المناطق الشديدة البرودة ومساكن الصحراء غير مساكن الجبال.

*▪️الشرط الثامن: ان لا يكون في سكن الزوجية ضرر بالزوجة:* وهذا الشرط وارد في المادة (42) أحوال شخصية السابق ذكرها التي اشترطت في السكن الشرعي (عدم مضارة الزوجة)، وشرط عدم مضارة الزوجة شرط عام، تندرج فيه كل المضار المادية المعنوية والجسمية والنفسية ، فالزوجة تتضرر من اسكانها مع زوجات اخريات (ضرات)، وكذا اسكانها مع الذكور البالغين من غير محارمها، وتتضرر الزوجة من السكن في مسكن آيل للسقوط والسكن خارج العمران وبعيد عن أقاربها والسكن في مناطق الوباء والفتن ...إلخ، فهذا الشرط عام في السكن، فربما أن شرط عدم مضارة الزوجة يشمل الشروط السابقة أيضاً. 

 اما الدكتور وهبة الزحيلي فقد عرف السكن الشرعي للزوجة بأنه: مأوى الزوجة اللائق بها بحسب حال الزوجين يساراً أو إعساراً عند أكثر الفقهاء، أو بحسب حال الزوجة فقط عند الشافعية، ونصت المادة (65) من القانون الســوري: «على الزوج إسكان زوجته في مسكن أمثاله».

 وقد اضاف الدكتور وهبة بأن  السكن الشرعي  واجب على الزوج باتفاق الفقهاء فيجب عليه إسكان زوجته ولو في أثناء العدة، وأن السكن أحد أنواع النفقة الأساسية الواجبة على الزوج وهي الطعام والشراب، والكسوة، والسكنى إما بملك أو كراء أو إعارة أو وقف، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (الطلاق 6) أي بحسب سعتكم وقدرتكم المالية، وقوله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء 19) ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأن المرأة كأي إنسان لا تستغني عن المسكن، للستر وحفظ المتاع.

وقال الدكتور الزحيلي أنه: يجب أن تتوافر في المسكن الأوصاف الآتية لأنه مظهر حضاري متعين:

1ًـ أن يكون ملائماً حالة الزوج المالية، للآية المتقدمة: {مِنْ وُجْدِكُمْ}.

2ًـ أن يكون مستقلاً بها، ليس فيه أحد من أهله إلا أن تختار ذلك، في رأي الحنفية، لأن السكنى من كفايتها، فتجب لها كالنفقة، ولأن السكن المشترك يمنعها معاشرة زوجها وتحقيق الاستمتاع بها،  والحد الأدنى للمسكن غرفة (أو حجرة) واحدة، مستقلة بمرافقها بشرط ألا يُسكن الزوج مع زوجته ضَرَّة (امرأة أخرى) لها، في دار واحدة من غير رضاها.

وإذا تعددت الزوجات وجب على الزوج التسوية بينهن في المساكن. وليس له إسكان أحد من أقاربه مع زوجته، سوى ولده الصغير غير المميز إذا ثبت إيذاؤهم لها، على ما نص عليه القانون السوري (م 67ـ 69) وذلك كله مأخوذ من مذهب الحنفية، ولابدّ أيضاً من خلو المسكن من أهل الزوجة كأبويها، وولدها من غير الزوج.

3ًـ أن يكون المسكن مؤثثاً مفروشاًـ في رأي الجمهور غير المالكية ـ بأن يشتمل على مفروشات النوم، وأدوات المطبخ والغسيل والإضاءة، لأن المعيشة لا تتم من دون ذلك، فكان من المعاشرة بالمعروف. ولم يوجب المالكية على الزوج تأثيث المنزل، وإنما المكلف هو الزوجة. واتفق الفقهاء على اشتراط كون المسكن مشتملاً على المرافق الضرورية اللازمة للسكنى كالمعتاد، وأن تكون تلك المرافق خاصة بالسكن، إلا إذا كان الزوج فقيراً ممن يسكن في غرفة واحدة في دار كبيرة متعددة الغرف والسكان، بشرط كون الجيران صالحين.

وإذا كان المسكن موحشاً كوجوده في منطقة نائية أو محاطاً بغير المؤتمنين من الفساق، وجب على الزوج ـ كما صرح الحنفية والحنابلة ـ إسكان المؤنسة، وهي التي تؤنس الزوجة إذا خرج الزوج ولم يكن عندها أحد. وهذا واجب عند الحاجة، منعاً من المضارة المنهي عنها في قوله تعالى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (الطلاق 6) كما أن الموحش ليـس من المعاشرة بالمعروف المأمور بها بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء 19).

 وأضاف الدكتور الزحيلي بأن سكنى المعتدة:  واجب على الزوج حتى بعد الفرقة في أثناء العدة المقررة شرعاً. فإن كانت معتدة عن طلاق رجعي (وهو ـ كما جاء في المادة (94) سوري ـ كل طلاق إلا المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول، والطلاق على بدل، والطلاق البائن، وما نص على كونه بائناً في القانون) وجب لها السكنى باتفاق العلماء في بيت الزوجية، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}(الطلاق 6)، وقولـه سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}(الطلاق 1) أي إلا إذا ارتكبن فاحشة الزنا أو السرقة مثلاً، أو للتخلص من بذاءة المرأة وتطاولها على الزوج أو أقاربه.

وإن كانت معتدة من طلاق بائن كالطلاق الأول أو الثاني بألفاظ معينة مثل: بائن، بتلة ، بتة، أو الطلاق الثلاث أو على بدل، وجب لها السـكنى أيضاً بالاتفاق إن كانت حاملاً، للآية السـابقة: {أَسْكِنُوهُنَّ…}.

وإن كانت المعتدة عن وفاة: فلا نفقة لها ولا سكنى عند أكثر العلماء، لانتهاء الزوجية بالموت، لكن أوجب لها المالكية السكنى مدة العدة إذا كان المسكن مملوكاً للزوج، أو مستأجراً أو دفع الزوج أجرته قبل الوفاة، وإلا فلا.

ولا يجوز عند المالكية والشافعية للرجل المطلِّق مساكنة المعتدة، سواء أكانت رجعية أم بائناً، إلا إذا كانت الدار لهما ومعهما محرم أنثى. وأجاز الحنفية والحنابلة للمطلِّق السكنى مع المطلقة الرجعية، وكذا المطلقة البائن في رأي الحنفية، والأفضل أن يحال بينهما في البينونة بستر، إلا أن يكون الزوج فاسقاً، فيحال بينهما بامرأة ثقة تقدر على الحيلولة بينهما، وإن تعذر خرجت واعتدت في منزل آخر.

وأما إيجاب المسكن للحاضنة: فمختلف فيه بين الفقهاء، فذهب الحنفية والمالكية على المشهور إلى أنه تجب أجرة مسكن الحضانة للحاضن والمحضون إذا لم يكن لهما مسكن، لأن أجرة المسكن من النفقة الواجبة للصغير، وهي تجب على من تجب عليه نفقته، باجتهاد القاضي أو غيره، بحسب حال الأب. وهي واجبة عند المالكية على والد المحضون، وعند بقية الفقهاء هي في مال المحضون إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، فعلى الأب أو من تلزمه نفقته، لأنها من دواعي الكفاية والحفظ والصون من المهالك أو المخاطر.

أما الانتقال من المسكن فقد نصت المادة (70) من القانون السوري على أنه: تُجبر الزوجة على السفر مع زوجها إلا إذا اشترط في العقد غير ذلك، أو وجد القاضي مانعاً من السفر.(المسكن الشرعي، الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، ص2)، والله اعلم . 

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني