حكم بيع الوقف في القانون اليمني وماهي الحالات التي يجوز فيها بيع العين الموقوفة

 *بيع الوقف باطل*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️المالك لرقبة الوقف هو الله سبحانه وتعالى، وتقتصر ولاية الناظر على الوقف على إدارة الوقف والمحافظة عليه وتنميته وإصلاحه واستثماره وغيرها من تصرفات الإدارة للعين الموقوفة، بيد أنه لا يجوز لناظر الوقف أو متوليه أن يباشر اي من التصرفات الناقلة لملكية العين الموقوفة ومنها بيع العين الموقوفة، فإذا قام ناظر الوقف أو متوليه ببيع العين الموقوفة فقد ثبتت خيانته مما يستوجب عزله عن الولاية على الوقف، فبيع الوقف باطل لأن من شروط عقد البيع أن يكون البائع مالكاً للعين التي يبيعها في حين أن ناظر الوقف ليس مالكاً لعين الوقف بل أنه مجرد مدير لها فحسب، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-9-1999م في الطعن رقم (310)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((هذا وبعد المداولة والتأمل فقد وجدت الدائرة بأن ما قضت به محكمة الموضوع ببطلان بيع... وبيع... لثلثي موضع... وتمييز نصيب كل واحد من ورثة... بحسب الفصول التي بيد البائعين التي تعين لكل واحد من الثلاثة الاخوة.. إلخ – فقد وجدت الدائرة أن ذلك الحكم موافق لأحكام الشرع والقانون، لأن المواضع المشار إليها وقف، ومعلوم عدم صحة بيع الوقف، فبيعه حرام – ويرجع المشتري بالثمن على البائعين له، اما الولاية على الوقف فيرجع فيها إلى من عينه الواقف إلا من ظهرت خيانته للوقف ببيع أو غيره فلا ولاية له))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الأول: تعريف الوقف وطبيعته وعدم جواز التصرف فيه بأي من التصرفات الناقلة للملكية:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️عرف قانون الوقف الشرعي عرف الوقف في المادة (3) بأن (الوقف حبس مال والتصدق بمنفعته أو ثمرته على سبيل القربة تأبيداً وهو نوعان وقف أهلي ووقف خيري)، فمن خلال هذا التعريف الموجز يظهر أن الوقف حبس مال قربة لله تعالى، وهذا يعني أن ملكية رقبة العين الموقوفة تكون لله سبحانه وتعالى مالك الملك، إذ تحبس العين الموقوفة عن أي تصرف من التصرفات التي تخرجها من ملكية الله تعالى إلى ملكية غيره، ولذلك لا يجوز التصرف في العين  الموقوفة بأي من التصرفات الناقلة ملكيتها، فلا يجوز بيع العين الموقوفة أو هبتها أو التنازل عنها أو مصادرتها وغير ذلك من التصرفات الناقلة لملكيتها، وهذا الحظر يكون على سبيل التأييد حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فهذا هو معنى كلمة تأبيداً في تعريف القانون للوقف،، وإن كان من المتفق عليه عدم جواز التصرف في أصل المال الموقوف بأي من التصرفات الناقلة لملكيته إلا أنه يجوز التصرف فيه بأي تصرف لا يترتب عليه نقل ملكيته كإجارته أو استثماره وغير ذلك من التصرفات غير الناقلة لملكيته، وتتولى إبرام هذه التصرفات الجهة المعنية صاحبة الولاية وهي هيئة الأوقاف المتولية لإدارة الوقف والإشراف عليه وحمايته وتنميته واستثماره والمحافظة عليه والدفاع عنه، ويجوز لمتولي الوقف الأهلي ان يباشر التصرفات غير الناقلة لملكية المال الموقوف باعتبار ناظر الوقف الأهلي هو المدير للوقف الذي عينه الواقف في الوقف الأهلي، (محاضرات في الوقف، الشيخ محمد أبو زهره، ص67).

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الثاني: بطلان بيع الوقف لأن الناظر للوقف أو المنتفع بالعين الموقوفة ليس مالكاً للعين:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان بيع العين الموقوفة حسبما هو مبين في أسباب الحكم، فالموقوف عليه أو الأجير أو المنتفع بالوقف أو متولي الوقف كلهم جميعاً لا يملكون العين الموقوفة لله سبحانه وتعالى، ولذلك لا يجوز لهم بيع الوقف الذي يتولونه أو ينتفعون به أو يستأجرونه، فمن المعلوم في الشرع والقانون أنه يشترط في عقد البيع أن يكون البائع مالكاً للعين المبيعة، وفي هذا المعنى نصت المادة (463) مدني على أنه (يشترط في المتعاقدين البائع والمشتري ما يأتي: -2- أن يكون كل منهما مالكاً لما يتصرف به للآخر أو وكيلاً لمالكه أو ولياً أو وصياً عليه) ومن المعلوم في الشرع والقانون أن ناظر الوقف لا يجوز له بيع الوقف أو غيره من التصرفات الناقلة لملكيته، إذ أن حدود ولايته قاصرة على إدارة الوقف كما ذكرنا  ويستوي في هذا الحكم الوقف العام الخيري والوقف الأهلي (الجامع لأحكام الوقف 2/135). 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الثالث: الحالات الاستثنائية التي يجوز فيها بيع العين الموقوفة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️الأصل عدم جواز بيع العين الموقوفة على النحو السابق بيانه، بيد أنه يجوز في حالات محددة بيع العين الموقوفة على سبيل الاستثناء عندما تقتضي مصلحة  العين الموقوفة ذلك كإصلاح ما تلف من العين الموقوفة اذا لم تكن هناك غلات فائضة من الاعيان الأخرى لإصلاح ما تلف من العين، وفي هذا الشأن نصت المادة (58) من قانون الوقف على أنه (إذا لم تكن غلة الوقف كافية لإصلاح ما تلف من الوقف فيجوز بيع بعضه لإصلاح البعض الآخر منه إذا لم يكن هناك فائض من غلات أوقاف أخرى)، وفي السياق ذاته نصت المادة (59) من قانون الوقف على أنه (لا يجوز بيع بعض الوقف لإصلاح عين الموقوف عليه إلا إذا كان الواقف لها واحد)، فبيع الوقف في الحالة المشار إليها في النصين السابقين يستهدف حماية العين الموقوفة من التلف والاندثار إذا كان الواقف لها واحداً، كما اجاز قانون الوقف بيع العين الموقوفة إذا بطلت منفعة الوقف، فقد نصت المادة (60) من قانون الوقف على أنه (إذا بطل نفع الوقف في المقصود أو نقصت غلته بالقياس إلى قيمته جاز بيعه بما لا يقل عن ثمن مثله زماناً ومكاناً والاستعاضة عنه بما ينفع في المقصود أو يغل أكثر مع تحقق المصلحة)، البيع للعين الموقوفة في هذا النص يكون بهدف شراء عين أخرى افضل عائدا من العين المبيعة.

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الرابع: تسويغ الوقف:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️يطلق بعض الفقهاء على بيع العين الموقوفة اذا بطلت منفعتها مصطلح ( التسويغ ) ، وقد اعد الباحث هاشم عبد الإله العزي مفيدا بهذا العنوان توصل فيه إلى أن: معنى التسويغ في اللغةً: مستفاد فعل سَوَّغَ ، ومنه سوَّغَ يسوِّغ، تسويغًا، فهو مُسوِّغ، والمفعول مُسوَّغ. 

سَوَّغَ الشَّيْءَ: جَعَلَهُ سائِغاً. سَوَّغَ تَصَرُّفَهُ: بَرَّرَهُ، وسَوَّغَ لَهُ الشَّيْءَ: أَعْطاهُ إِيَّاهُ، وسَوَّغَ الأمْرَ ونحوَه: جوَّزَه ئوأَباحَه.

 ذهب الباحث العزي إلى أن: معنى تسويغ الوقف اصطلاحاً:

هو قيام المحكمة المختصة – بناءً على إحالة المجلس الأعلى للأوقاف والإرشاد في وزارة الأوقاف والإرشاد بموجب رفع متولي الوقف (ناظر الوقف) من تحقق بطلان منفعة عين الوقف المقصود أو تدنى غلاتها قياسا الى قيمتها إلى الجهة المختصة بوزارة الأوقاف لدراسة الموضوع وإبداء الرأي بشأنه والعرض على الوزير المختص والذي بدوره يصدر توجيهاته بما يراه وفقاً للشرع والقانون باتخاذ الإجراءات اللازمة لطرح الموضوع على المجلس الأعلى للأوقاف والإرشاد للنظر فيه وإحالته إلى المحكمة المختصة – بإصدار حكم شرعي بالتسويغ وجواز التصرف ببيع العين الموقوفة التي بطل نفعها أو نقصت غلاتها والاستفادة بثمنها في تعويض الوقف بمصلحة أرجح وفقا لقانون الوقف الشرعي.

واردف العزي إلى أن الأصل في الوقف أنه لا يجوز بيعه، والعمدة في ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أخرجا ه البخاري ومسلم من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضا فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم -فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: “إن شئت حبّست أصلها وتصدقت بها” فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب ولا يورث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه. 

البخاري 2313 و2764 و2737 و2772 و2773 و2777. ومسلم 1632 /15مكرر. 

وفي رواية للبخاري من طريق صخر بن جويرية عن نافع بلفظ “فقال النبي -صلى الله عليه وآلة وصحبه وسلم -تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره” فهذا مرفوع، حتى لا يتوهم أحد أن الرواية السابقة موقوفة على عمر رضي الله عنه. حديث 2764 ولكون الوقف مال أخرجه الإنسان عن ملكيته لله عز وجل، فلا يجوز التصرف فيه ببيع أو هبة ونحوهما؛ لأن البيع يفتقر إلى ملكية، والوقف ملك لله تعالى ، والقاضي له ولاية مبنية على الولاية العامة للحاكم ببيع ما ل الوقف الذي بطلت منفعة أو قلت فائدته.

فإذا خرب الوقف، وتعطلت منافعه جاز بيعه واستبداله بمثله أو أفضل منه، كدار انهدمت، أو أرض خربت، أو مسجد انصرف أهل القرية عنه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه ونحو ذلك من الأسباب التي تُنقِص أو تعطل منفعة العين الموقوفة.

وأضاف الباحث العزي: أن استبدال الوقف عند الفقهاء هو بيع العين الموقوفة بمبلغ من المال وشراء عين آخرى تكون وقفاً بدلها وحدد الفقهاء أسباب استبدال الوقف في:

1- تهدمه أو احتراقه.

2- تعطله أو انقطاع المنافع منه.

وفي جواز جريان هذا التصرف على الأموال الموقوفة عند الضرورة، اختلف الفقهاء إلى مشدد وموسع ومانع من ذلك على التفصيل الآتي.  ولخص الباحث العزي الآراء الفقهية  بشأن جواز تسويغ الوقف (التصرف باستبدال الوقف حالة خرابه وتعطل منافعه) فقال العزي: وضع فقهاء الإسلام أحكاماً تتعلق بالوقف إذا تعطل واختلت منافعه وجعلوا له شروطا وأحكاما ينبغي أن تراعي، وفي كثير من الوقفيات اليوم لا تراعى هذه الشروط ويحصل الاستبدال فورا ًمع كون الوقف لم يخرج عن صلاحيته بالمرة، وها نحن نورد نصوص العلماء من أهل المذاهب الإسلامية المعتبرة في ذلك:

1- مذهب الزيدية.

للزيدية في بيع المسجد إذا صار في قفر وتعطلت منافعه روايتان:

أ‌- لا يجوز هدم المسجد ونقل آلاته إلى مسجد آخر قرب حي عامر بأهله وكذا لا يجوز تحويل أوقافه من أطيان وغيرها. (التاج المذهب 3/309-312، البحر الزخار 4/158-163).

ب‌- يجوز استبدال المسجد ونقله إلى موضع آخر عامر بالناس، حيث قال بهذه الرواية بعد أن ذكر أدلة المانعين بقوله: وأدلة الجواز أظهر. (التاج المذهب 3/309-312، البحر الزخار 4/160).

– كما أن الزيدية لم يفرقوا بين عقار ومنقول في جواز الاستبدال والبيع وعدمه عند الضرورة، صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله ومع الانتفاع به، وإن قل لا يضيع المقصود، فلا يباع لعدم الضرورة على أن القيمة التي تجب بالأتلاف المضمون يلزم أن يشترى بها ما يكون وقفاً مكان الذي أتلف.

– أما نقل المصرف للواقف لا غيره من أهل الولايات فيما هو عن حق بلا خلاف بين فقهاء الزيدية.

2- مذهب الحنفية.

أ‌- إذا كان العقار مسجداً وصار في قفر من الناس لا يصلي فيه أحد من الناس فإنه لا يجوز بيعه مطلقاً ولو لم ينتفع به، وذلك لتعلق القربة فيه بالعرصة، ولأن المسجد يراد للصلاة فيه أبداً بمجرد القول إلى قيام الساعة فلا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر ليبني بدله مسجداً ولو استغني عنه حتى ولو اشترط الواقف ذلك عند خرابه أو إقفار مكانه وهذا على المفتي به عندهم.

ب‌- أما إذا كان الوقف من غير المساجد سواءً كان عقاراً أو منقولاً، فعلى المفتي به عند مشائخ الحنفية أنه يجوز استبداله ما دام ذلك يحقق مصلحة سواء كان بشرط الواقف أو للضرورة وذلك بأن صار بحال لا يمكن الانتفاع به.

– والذي يتولى بيع الموقوف عند الاستبدال وشراء ما يقوم مقامه هو الحاكم، لأنه هو الذي يقدر ذلك، ويشتري بثمنه وقف مكانه فإذا لم يمكن الشراء رده إلى ورثة الواقف إن وجدوا وإن لم يوجدوا يصرف للفقراء، وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه وإن استغنى عنه أمسكه إلى وقت الحاجة إلى عمارته فيصرفه فيها ولا يجوز أن يصرفه إلى مستحقي الوقف لأن حقهم في المنفعة والغلة لا في العين بل هي حق لله تعالى على الخلوص. (بدائع الصنائع 6/221، الدر المختار 2/406، حاشية ابن عابدين3/535، المب سوط12/41).

3- مذهب المالكية.

أ‌- استبدال وقف العقار:

1- إذا كان العقار مسجداً فلا خلاف عند أئمة المالكية بعدم جواز بيعه أو استبداله بمسجد آخر مطلقاً حتى ولو استغني عنه ولم يصلى فيه.

2- إذا اكان الموقوف عقاراً كالدور والحوانيت قائم المنفعة وذا غلة فهو كذلك بالإجماع لا يجوز بيعه ليستبدل به غيره من جنسه، وإن خرب الموقوف، إلا أنهم استثنوا من ذلك حالات ثلاث للضرورة يجوز المعاوضة فيه للمصلحة العامة ولو بالإكراه إذا اقتضى الأمر وذلك: 1- توسيع طريق عام، 2- مسجد فيه خطبة وضاق بأهله، 3- مقبرة، لأن هذا من المصالح العامة للأمة ومن الواجب التيسير على الناس في عبادتهم وسيرهم ودفن موتاهم. (الشرح الكبير4/87-90).

ب‌- استبدال وقف المنقول:

– أجاز المالكية في المشهور عندهم استبدال الوقف المنقول ولكن بشرط أن يتعذر الانتفاع به فيما حبس من أجله وإلا لم يصح بيعه.

4- مذهب الشافعية.

– أما الشافعية فقد تشددوا أكثر من غيرهم فلم يجيزوا الاستبدال مطلقاً سواءً كان عقاراً أو منقولاً، وكأنهم رأوا أن في الاستبدال سبيلاً وذريعة إلى ضياع الوقف أو التفريط فيه ، وعليه فالمسجد المعطل وما وقف عليه في الموضع الخراب إن لم يخف من أهل الفساد نقضه لم ينقض ،وإن خيف نقض وحفظ ، ولا يجوز صرفه إلى غيره لجواز أن يرجع إلى كما كان وإن رأى الحاكم أن يعمر بنقضه مسجداً آخر جاز ، وما كان أقرب إليه فهو أولى وكذا الحال في البئر الموقوفة إذا خربت بصرف نقضها إلى بئر آخرى أو حوض لا إلى المسجد ويراعى غرض الواقف ما أمكن.

– إلا أن الشافعية تكلموا في مدى مشروعية استبدال بعض المنقول كنخلة جفت أو بهيمة زمنت أو جذوعاً على مسجد فتكسرت إذا لم يصلح منها شيء سوى الإحراق، وإن أمكن أن يتخذ منها ألواح أو أبواب أو أستار الكعبة إذا لم يبق فيه المنفعة فلهم قولان:

أ- يجوز بيعها لأنه لا يرجى منفعته فكان بيعه أولى.

ب- لا يجوز بيعها، بل تترك بحالها أبداً محبوسة لما ذكر بعدم جواز استبدال المسجد. (المهذب 1/445)

5- مذهب الحنابلة.

لم يفرق الحنابلة في جواز استبدال الوقف بين عقار ومنقول إذا خرب وتعطلت منافعه. (المغني5/632-635، كشاف القناع على متن القناع 2/472 وما بعدها)

 وأشار الباحث العزي إلى أن: حكم من استولى على الوقف وباعه،

فقال العزي: ان من استولى على الوقف وباعه، فهو غاصب لهذا الوقف، حتى وإن كان هو مالكه الأصلي، قبل أن يصير وقفاً، والواجب عليه أن يرده، أو ويرد بدله إن تعذر رده بعينه، وكذا الحكم في كل من انتقل إليه الوقف ببيع إو إجارة أو هدية أو ميراث... إلخ.

 ولخص الباحث هاشم العزي ضوابط  استبدال العين الموقوفة أو بيعها عند الضرورة على النحو الآتي: 

1-تقييد الاستبدال والبيع عند الضرورة:

لا يجوز نقل المسجد وإبداله وبيع مساحته وجعلها سقاية وحوانيت إلا عند تعذر الانتفاع به وبمجرد شراء البديل يكون وقفاً.

وإذا بيع الوقف عند وجود الضرورة اشتري بثمنه مما يرد على أهل الوقف سواء كان الوقف المشترى من جنس المباع أم من جنس غيره، لأن المقصود والمعتبر هو المنفعة والغلة وكثرتها وقلة النفقات لا الجنس فلا اعتبار له، على أنه لا يجوز تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه، كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع إمكان الانتفاع به.

2- الجهة المختصة بالبيع والاستبدال عند الضرورة:

الذي يتولى بيع الموقوف عند الاستبدال للضرورة وشراء ما يقوم مقامه هو الحاكم إذا كان الوقف على مصلحة عامة كالمساجد والقناطر والمساكين ونحوها، لأن الاستبدال فسخ لعقد لازم في موضع مختلف فيه اختلافاً قوياً فتوقف على الحاكم كالمفسوخ المختلف فيها ، وإن كان الوقف على معين فالذي يتولى البيع ناظره الخاص ، و الأحوط ألا يفعل ذلك إلا بإذن الحاكم وقد اشترط قانون الوقف صراحة  ان البيع أو التسويق الا بنظر الحاكم ،لأنه يتضمن البيع على من يجئ بعده من الاختلاف فأشبه البيع على الغائب والشراء له فكان لا بد من إذن الحاكم صاحب الولاية العامة.

 ثم اشار الباحث هاشم العزي إلى موقف القانون اليمني من تسويغ الوقف: فقال: ان  قانون الوقف اليمني رقم (23) لسنة 1992م  قد نص على جواز نقل أنقاض المسجد بعد خرابه أو إقفار مكانه إلى موضع آخر عامر بالسكان وكذا نقل ما يتبع هذا المسجد المنقوض من المصرف الموقوف له وذلك بإذن من الحاكم وبإشراف الجهة المختصة وهي وزارة الأوقاف ،وكذلك الحال أجاز نقل مصرف الوقف عند عدم إمكان الانتفاع به كلياً إلى مصرف آخر في مبرة مماثلة أو مبرة أصلح ،ولا يختص بنقل المصرف للمصلحة الواقف فقط بل أجاز القانون للمتولي نقله إذا كان الواقف قد مات ويكون تحت إشراف الحاكم وتقديم مسو غ قانوني ،أي كتاب يدون فيه مبررات مصلحة النقل والضمانات التي تؤكد أن المبدل به فيه نفع في الجملة.

 ثم ذكر الباحث هاشم العزي النصوص القانونية من القرار الجمهوري بالقانون رقم (23) لسنة 1992م بشأن الوقف الشرعي ذات الصلة بتسويغ الوقف عند بيعه أو نقله أو استبداله على النحو الآتي:

مادة (26): للواقف في حياته نقل المصرف الى مصرف آخر في مبرة مماثلة أو مبرة أصلح.

مادة (27): يجوز لمتولي الوقف بإشراف الحاكم وتسويغه نقل المصرف من مبرة الى مبرة مماثلة أو أصلح منها.

مادة (41): يجوز باذن من الحاكم وباشراف الجهة المختصة نقل مواد المسجد ومصرفه من قفر الى محل آهل بالسكان للمصلحة.

مادة (42): يجوز لكل الناس اعادة المتهدم في المسجد تبرعاً من اموالهم بغير اذن , كما يجوز لكل مقتدر من أهل الخير القيام ببناء المساجد والانفاق عليها بعد تحديد الموقع والمواصفات من قبل الجهة المختصة.

مادة (43): يجوز نقض المسجد للتوسيع مع الحاجه وظن قدرة الناقض على اعادته باذن الجهة المختصة أو الحاكم, ولا ضمان على الناقض اذا عجز عن الإصلاح ويكون للتوسعة حكم الأصل.

مادة (44): يجوز فعل مايرغب الناس في المسجد من أعمال البر وانارته للقراءة ونسخ كتب الهداية واحياء حلقات العلم.

مادة (45): يجوز للجهة المختصة صرف فائض غلة أي مسجد على المساجد الأخرى. (حكم  تسويغ الوقف وفقا للشرع والقانون اليمني، الباحث هاشم عبد الإله العزي). 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الخامس: بيع الوقف الذري:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️من الأخطاء التي وقع فيها قانون الوقف النافذ تصريحه بمنع الوقف على الذرية، حيث لم  يكتف قانون الوقف النافذ بمنع  وقف  الذرية بل اورد  نصوصا  تحرض على بيع وتصفية الأوقاف الأهلية  القديمة بما  فيها  الوقف الذري وتحريرها، فوقعت جراء ذلك مخالفات شرعية عظيمة، حيث فتح قانون الوقف النافذ أبواباً واسعة لتعطيل الأوقاف الذرية القديمة  وتصفيتها وتجاوز نصوص الواقفين المتقدمين، مع ان عبارة الواقف كنص الشارع، ومع هذا  الموقف  السلبي لقانون الوقف الا انه  قد نص على بعض  الضوابط فيما  يتعلق ببيع  الوقف  الذري،  ومن  أهم هذه الضوابط عدم جواز  بيع  العين الموقوفة  قبل  أن  تحكم  المحكمة  المختصة  بنقض الوقف الذري بناء  على إحالة هيئة الأوقاف لهذا  الموضوع إلى المحكمة  المختصة،  وان  البيع قبل  نقض  الوقف  الذري باطل. 

 فالوقف على الذرية هو الذي يحبس فيه الواقف  ثلث ماله  لله تعالى، ويجعل عائداته على ذريته مطلقاً أو على  الضعفاء والمحتاجين منهم، والوقف على الذرية تتحقق فيه الاركان والشروط المقررة للوقف في الشريعة الإسلامية وقانون الوقف، حيث تكون فيه ملكية رقبة العين لله سبحانه وتعالى، في حين تتعلق حقوق الذرية الموقوف عليهم بعائدات أو غلال العين الموقوفة، وينص الواقف في  وقفيته على أن الموقوف  عليهم  هم ذريته، كما  ينص الواقف أيضا في الوقفية على أن الولاية على الوقف تكون للأرشد أو الأصلح من ذريته بطنا عن  بطن ، وفي الغالب يقترن الوقف على الذرية يقترن بوقف القراءة لما تيسير من القرآن إلى روح الواقف والدعاء له ، والمقصود بالذرية في هذا الوقف هم الذكور لانهم هم الذين ينطبق عليهم وصف الذرية لأنهم ينتسبوا إلى الواقف عليهم بخلاف البنات (بنونا بنو أبنائنا: وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد)، وبحسب  دراسات  سابقة  فإن  الوقف الذري في  اليمن يوازي  الأوقاف  العامة  من حيث  مساحته وحجمه وانتشاره، ويقوم  الوقف  الذري بدور لايستهان به في  المجال  الاجتماعي  والاقتصادي، ولذلك  فهو رديف واحتياطي للأوقاف  العامة. 

 وللأسف الشديد فقد صرح قانون الوقف النافذ ببطلان الوقف على الذرية، حيث نصت المادة (33) على أن: (الوقف على النفس خاصة أو على وارث أو على الورثة أو على الذرية أو على الأولاد وأولاد الأولاد باطل مالم يكن المذكورون داخلين في عموم جهة بر عينها الواقف في الحال، فيعامل الواحد منهم كأحد افرادها أو كان الموقوف عليه عاجزاً كالأعمى والأشل وليس له ما يكفيه، ففي هذه الحالة إذا زال عجزه أو مات اعتبر الوقف منقطع المصرف ويأخذ حكمه المبين في المادة (30) من هذا القانون)  ومعلوم أنه يعمل بهذا النص من تاريخ صدوره (29/3/1992) بمقتضى المادة (92) من القانون ذاته التي نصت على أن: (يعمل بهذا القانون من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية)، مما يعني جواز الوقف على الذرية السابق على تاريخ  صدور القانون المشار إليه، ولغرض معالجة الوقف القديم على الذرية فقد نصت المادة (46) من قانون الوقف الشرعي على أن: (الأوقاف الأهلية القديمة التي لا تتفق شروطها مع الشروط المنصوص عليها في هذا القانون إذا كانت قد صدرت فيها أحكام شرعية بصحتها أو كان الورثة قد تراضوا عليها أو مضى عليها أربعون عاماً تبقى على ماهي عليه ولا تنقضي إلا بتراضي أهل المصرف أو اغلبهم بحسب الاستحقاق واوفرهم صلاحاً، ويقدم من خلال الجهة المختصة للمحاكم لتحقيقه والإذن بنقض الوقف إذا تحققت المصلحة)، ومن خلال النصين المتقدمين يظهر ان قانون الوقف قد  منع استحداث  الوقف على  الذرية الا في  حالتين: 

▪️الحالة  الأولى: أن تكون الذرية  داخلة في  جهة  البر  الموقوف عليها كان يكونوا من  الفقراء اذا كان الوقف على  الفقراء أو من العلماء اذا كان  الوقف على العلماء، وهكذا الحال بالنسبة للمرضى  والعجزة.. إلخ.

▪️والحالة  الثانية: اذا كان الموقوف عليه  من  الذرية  عاجزاً  عن  العمل كالاعمى  والمشلول فيجوز الوقف  عليه  طيلة  حياته. ولم يكتف القانون بإبطال الوقف الذري من تاريخ صدور القانون بل أنه حرض على تصفية وإبطال ونقض الأوقاف القديمة حتى الصحيحة حيث  سعى  القانون  لنسف   المراكز  القانونية التي  استقرت  وتعلقت بالأوقاف  الأهلية  القديمة حسبما هو ظاهر في المادة (46) السابق ذكرها، وفي سياق التحريض على نقض الأوقاف الأهلية القديمة وتصفيتها والاعتداء على نصوص الواقفين في العصور القديمة نصت المادة (47) من قانون الوقف على أنه: (إذا حكمت المحكمة بنقض الوقف الأهلي القديم طبقاً لما هو مبين بالمادة السابقة تؤول ملكية اعيان الوقف للموقوف عليهم كل بقدر استحقاقه الحالي، ومن مات من طبقة المستحقين الحاليين وله ورثة عند وفاته فيحل ورثته وورثة من مات منهم محله بقدر استحقاقه لو كان حياً كل بقدر نصيبه في الميراث)، كما نصت المادة (48) من القانون ذاته على أنه: (إذا اختلف الموقوف عليهم في الوقف الأهلي القديم المنقوض طبقاً للمنصوص عليه في المادة (46) على الاستحقاق أو القسمة فيما بينهم ولم يكن قد صدر في الاستحقاق حكم سابق يجب اتباعه عيّن الحاكم استحقاق كل منهم على الفرائض الشرعية إن عمت وإن التبس الأمر فعلى رؤوس الموجودين ذكراً أو أنثى واجرى القسمة بينهم طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة (47) مع عدل أو عدول يختاروهم إذا لزم ويفضل من بعض الورثة أو اغلبهم على اختياره)، ومن خلال عرض النصوص المتقدمة يظهر أن قانون الوقف منع  الوقف على الذرية من تاريخ صدوره، ولم يكتف بذلك بل أنه تضمن نصوصاً صريحة لتصفية الأوقاف الأهلية القديمة ولو كانت صحيحة بما في ذلك الوقف على الذرية، حيث جعل خلاف الذرية مبرراً لتصفية الأوقاف الأهلية القديمة في مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية التي قررت أن عبارة الواقف كنص الشارع،  حيث أوجبت الشريعة الإسلامية إحترام إرادة الواقف وتنفيذها، فضلاً عن أن قانون الوقف تنكر للدور المهم الذي يقوم به الوقف الأهلي في مساندة الوقف العام ودعمه للنهوض بدوره الديني والاقتصادي والاجتماعي لاسيما إن الأوقاف الأهلية بما فيها الوقف على الذرية تشكل النسبة العظمى من حجم الأراضي الزراعية والاستثمارية في اليمن، علما  بأن كثيرا من  العلماء المتقدمين والمتاخرين قد ذهبوا إلى جواز الوقف  على  الذرية لأنهم  أولى بذلك ولان  الشريعــة ارشدت  المسلم ان لايترك  ذريته  فقراء  يتكففون الناس.  

وقد قضت المحكمة العليا في اليمن في أحكام عدة  بأن بيع الوقف الذري قبل  الحكم من  المحكمة بنقضه باطل، فلا يجوز للموقوف عليه أو متولي الوقف الذري أن يبيعه من تلقاء نفسه قبل الحكم بنقض الوقف الأهلي الذي لا يتم نقضه إلا بموجب حكم قضائي بذلك حسبما ورد في المادة (47) وقف السابق ذكرها، لأن الوقف الذري لا زال قائماً ولم يتم نقضه، ولا تقوم المحكمة المختصة بنقض الوقف إلا بناءً على طلب من هيئة الأوقاف العامة حيث يتم  تقديم هذا  الطلب إلى المحكمة  المختصة، غير  أنه  يجوز  بيع  حق  اليد أو الإنتفاع بالوقف الذري شريطة  أن  يتم  البيع لأي  من  الذرية  الموقوف عليهم حتى  لاتتم مخالفة  نص  الواقف الذي صرح  بحبس  المال بأيدي  ذريته  لضمان انتفاعهم  بها ، والله اعلم. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه السادس: بيع المتولي للوقف خيانة تستوجب عزله من الولاية على الوقف وتمنع عودته إلى الولاية:*

 ▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن إقدام متولي الوقف على بيع الوقف خيانة تستوجب عزله عن الولاية على الوقف، واشار الحكم إلى أن أية خيانة تقع من المتولي تستوجب عزله حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا، وقد اشارت المادة (80) من قانون الوقف إلى أنه إذا دلت القرائن على خيانة المتولي فينبغي وقفه عن العمل في حين نصت المادة (82) وقف على أنه إذا تبينت الجهة المختصة قانوناً خيانة المتولي فعليها تقديمه إلى جهات الضبط لعقابه، والله اعلم.

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني