احكام المغارسة في القانون اليمني

 *إنهاء المغارسة بحكم القضاء*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

➖➖➖➖➖


*▪️نظم القانون المدني عقد المغارسة، وفي سياق تنظيمه اشار إلى أنه لا يحق لطرفي عقد المغارسة إنهاء العقد الا بتراضي الطرفين أو انتهاء الغروس في الارض المؤجرة للغارس، وقد تشدد القانون في إنهاء عقد المغارسة، لان هذا العقد لاتتحقق ثماره المرجوة منه إلا بعد إن تثمر الغروس وتباع ثمارها لفترة من الزمن فيستعيد الغارس ماانفقه في شراء الغروس وسقيها والاهتمام بها، حيث لاتثمر الغروس الا بعد مضي مدة طويلة نسبيا ، غير ان ذلك لايعني انه لايجوز للقضاء ان يحكم بإنهاء عقد المغارسة حسبما يفهم البعض، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بأن وظيفة القضاء الأساسية هي الفصل في المنازعات وحسمها، فإذا تنازع المؤجر والمستأجر في عقد المغارسة وطلب احدهما من القضاء الحكم بإنهاء المغارسة فلا تثريب على القضاء إذا حكم بذلك بإنهاء عقد المغارسة حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-3-2018م في الطعن رقم (59471)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((أن قول الحكم الاستئنافي المطعون فيه أنه لا يجوز فسخ عقد المغارسة إلا بإتفاق الطرفين وفقاً لحكم المادتين (761 و762) مدني، فهذا القول لا يمكن القبول به على إطلاقه، ذلك لأنه في حالة إختلاف الطرفين في شرط من شروط صحة عقد المغارسة فعلى المحكمة الفصل فيما شجر بينهما وفقاً للثابت في الأوراق وحكم المادة (762) مدني، وعند التفاسخ يخير الغارس بين تفريغ الأرض بقلع الغروس ويرجع بنقصانها وهو ما بين قيمتها قائمة ليس لها حق البقاء وقيمتها مقلوعة أو تركها لرب الأرض واخذ قيمتها قائمة ليس لها حق البقاء، فإذا لم يسلم المستأجر الغلة فعليه تسليمها حسب عرف الجهة)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الأول: ماهية عقد المغارسة:*


➖➖➖➖➖


*▪️عرفت المادة (761) مدني المغارسة حيث نصت هذه المادة على أن: (المغارسة الصحيحة أن يستأجر مالك الأرض من يغرس قدراً معلوماً من أرضه بغرس معين من عند الاجير من الاشجار التي لها أصل ثابت ويقوم الاجير بتربية الغرس حتى يكتمل صلاحه وتبدو ثمرته في مده معلومة بأجرة معلومة ولو جزءاً معلوماً من الأرض أو الغرس، وهذا النوع من المغارسة ملزم للطرفين بما تراضيا عليه حال العقد وليس لأحدهما الفسخ ولا تعود الأرض كاملة إلى مالكها إلا بذهاب كامل الغرس أو بإتفاق الطرفين) وقد تمسك الحكم الاستئنافي بهذا النص، وتحديدا ما ورد في نهاية النص بأن المغارسة لا تنقضي الا بإنتهاء الغرس أو بإتفاق الطرفين المؤجر والمستأجر، فمن وجهة نظر الحكم الاستئنافي انه لا يجوز للقاضي أن يحكم بإنتهاء المغارسة طالما لم يتحقق أي من الأمرين إنتهاء الغرس أو الإتفاق بين المؤجر والمستأجر على إنهاء المغارسة ، في حين أن حكم المحكمة العليا محل تعليقنا قضى بنقض الحكم الاستئنافي المشار إليه، معللا ذلك بأن إنتهاء عقد المغارسة في هذا النص خاص بطرق إنتهاء المغارسة ودّياً بين المؤجر والمستأجر الغارس، أما في حالة الخلاف بين الطرفين فيحق للقضاء  الحكم بإنهاء المغارسة إذا طلب أحد الطرفين ذلك، وكان لذلك موجب من غير أن يخل ذلك بأحقية المضرور بالتعويض إن كان لذلك موجب، لان وظيفة القضاء الفصل في النزاعات ، ومؤدى ذلك ان القضاء يفصل في ذلك النزاع وفقا للقواعد العامة ومنها إنهاء عقد المغارسة اذا طلب احد الخصوم ذلك حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثاني: حكم المغارسة:*

➖➖➖➖➖


*▪️كان النقاش الذي اشار إليه الحكم محل تعليقنا بشأن حكم القضاء بانهاء عقد المغارسة، حيث كان الحكم الاستئنافي قد قضى بأنه لا يجوز إنهاء عقد المغارسة خلافا لطرق الانهاء المحددة  في النص القانوني الخاص بالمغارسة وهي إتفاق الطرفين المؤجر والمستأجر أو إنتهاء الغرس وتلفه، لان هذه النصوص والأحكام خاصة بالمغارسة فهي الأولى في التطبيق نظرا للطبيعة الخاصة لعقد المغارسة، في حين قضى حكم المحكمة العليا محل تعليقنا بنقض الحكم الاستئنافي السابق ذكره، وقد أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى أن وظيفة القضاء وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية والدستور هي الفصل في النزاعات ومنها النزاع بين المؤجر والمستأجر الغارس في عقد المغارسة حيث قد يستحكم النزاع بينهما فيصل إلى مرحلة  يتعذر فيها إستمرارهما في العقد، فيطلب احدهما من القضاء إنهاء العقد فعندئذ يحق للقضاء  الحكم بإنهاء المغارسة، لان العقود عامة ومنها عقد المغارسة تقوم على رضاء الطرفين، فليس من المقبول في الشرع والقانون ان يتم إجبار الاشخاص الإستمرار في علاقة عقدية لايرغبا في الاستمرار فيها، سيما ان الحكم بإنهاء عقد المغارسة لايخل بحق المضرور بالتعويض،  وقد استند حكم  المحكمة العليا محل تعليقنا إلى المادة (762) مدني التي نصت على أنه: (إذا اختل شرط أو أكثر من شروط الصحة فالغروس للغارس وعليه اجرة المثل وعند التفاسخ يخير الغارس بين تفريغ الأرض بقلع الغروس ويرجع بنقصانها وهو ما بين قيمتها قائمة ليس لها حق البقاء وقيمتها مقلوعة أو تركها لرب الأرض واخذ قيمتها قائمة ليس لها حق البقاء) فالحكم محل تعليقنا استند  إلى هذه المادة في جواز إنهاء عقد المغارسة بغير طريقي التراضي وذهاب أو إنتهاء الغرس أو تلفه، في حين كان الحكم الاستئنافي يتمسك بأن هذه المادة خاصة بشروط صحة عقد المغارسة اي العيوب التي تعتري عقد المغارسة، فضلا عن أن هذه المادة حصرت إنهاء المغارسة على التفاسخ الذي يكون من قبل المؤجر والمستأجر الغارس فلايكون التفاسخ بحكم القضاء، فالتفاسخ حسبما ورد في هذه المادة لا يكون إلا إذا اختل شرط من شروط عقد المغارسة وليس بمجرد مطالبة المطعون ضده للقضاء بإنهاء المغارسة.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثالث: التكاليف الكثيرة والكبيرة للمغارسة من قبل المستأجر الغارس:*

➖➖➖➖➖


*▪️من خلال مطالعة النصين يظهر لنا ماهية المغارسة وحكمها القانوني، ومؤدى ذلك  أن المستأجر أو الغارس يتكبد تكاليف باهظة للغاية حينما يقوم بغرس الأشجار المعمرة الثابتة في الأرض التي استأجرها وبعد ذلك يقوم بسقي ورعاية الاشجار المعمرة التي يغرسها في أرض المؤجر ويستمر الغارس في ذلك مدة طويلة حتى تؤتي الأشجار ثمارها ، ومع ذلك فقد لا يصل الغارس إلى ثمارها الا بعد وقت طويل وقد لايستعيد الغارس ماانفقه الا بعد وقت طويل، وبهذا فإن عقد المغارسة يختلف عن عقد المزارعة الذي يحصل فيه المزارع المستأجر على محصول سنوي أو أكثر في كل سنة أو من كل محصول تنتجه الأرض، وعلى هذا الأساس فإن إنهاء عقد المغارسة تترتب عليه اضرار فادحة بالمستأجر الغارس، ولذلك لاحظنا ان القانون تشدد في إنهاء عقد المغارسة.*


➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الرابع :التطبيق المعاصر للمغارسة في اليمن (غرس القات العمري والمعلي والعنسي والرداعي):*

➖➖➖➖➖


*▪️ينتشر عقد المغارسة في محافظات ذمار وإب والضالع ومديريات رداع حسبما اعلم، وتتم تطبيقاته: في أن صاحب الأرض يقوم بتأجيرها للغارس الذي يقوم بغرسها باشجار القات ويتعهد الغارس الأشجار بالسقي والمحافظة عليها حتى تثمر فيبيع قطافها، ومع ان هذا العقد من أهم تطبيقات عقد المغارسة في اليمن الا ان شروطه تختلف من حيث المقابل الذي يتقاضاه مالك الأرض التي غرسها الغارس  بالقات، ففي بعض المناطق المشار إليها يكون المقابل مبلغ مالي يدفعه الغارس للمالك المؤجر في السنة وعندئذ يقترب عقد المغارسة من عقد الإيجار وفي مناطق أخرى يكون المقابل الذي يتقاضاه المؤجر مالك الأرض جزء من المحصول وعندئذ يقترب عقد المغارسة من عقد المزارعة، وقد يكون مقابل المغارسة الذي يتقاضاه الغارس جزء من الأرض المغروسة أو جزء من الغرس حسبما ورد في المادة (761) السابق ذكرها، الا ان تغير المقابل على هذا النحو لا يخرج هذه التطبيقات عن دائرة عقد المغارسة، والله اعلم.*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني