طبيعة الشكوى الجزائية في القانون اليمني

 طبيعة الشكوى الجزائية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين


الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء


قرر قانون الإجراءات الجزائية الشكوى كقيد على تحريك الدعوى الجزائية في بعض الجرائم  لاعتبارات ترجع الى طبيعة هذه الشكوى، ولكن النص القانوني الذي قرر الشكوى لم يحدد طبيعتها واجراءات وكيفية تقديمها وهل تكون كتابة أو شفاهة وماهو مضمون الشكوى وبياناتها ، ولا تثريب على القانون في ذلك فليس المطلوب من القانون تناول هذه التفصيلات لان القانون عبارة عن قواعد عامة مجردة، فمحل هذه التفاصيل هي كتابات الفقهاء وشراح القانون والتطبيق القضائي، وفي هذا الشأن فان الحكم محل تعليقنا قد تناول هذه المسألة وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22/2/2010م في الطعن الجزائي رقم (36377) لسنة 1429هـ ، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة العامة احالت المتهم إلى المحكمة بتهمة ارتكابه جريمة حريق قلاب المجني عليه، وبعد أن سارت المحكمة في إجراءات نظر القضية خلصت إلى الحكم على المتهم بالحبس لمدة سنة من تاريخ القبض عليه في الحق العام وفي الحق الخاص الزام المتهم بدفع كافة تكاليف إصلاح القلاب بحسب ما يقدره مهندس سيارات متخصص، فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه فقبلت الشعبة استئنافه وحكمت بإلغاء الحكم الابتدائي وبراءة المتهم، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي ان الحكم الابتدائي قد بني على إجراءات باطلة حيث لم يتقدم المستأنف ضده المجني عليه بالشكوى وفقاً للقانون، فلم يقبل المجني عليه بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض حيث قبلت الدائرة الجزائية الطعن وقررت نقض الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد تبين أن ما أورده الطاعن من مناع على الحكم الاستئنافي في محلها من الواقع والقانون ذلك أن ما بني عليه الحكم المطعون فيه في حيثياته حيث ورد فيها أن هناك مخالفات صاحبت التحقيق في القضية وهي عدم وجود شكوى من الشاكي الطاعن مع ان  الحكم ذاته قد تضمن في ص10 مالفظه:وهو ما أكده مالك المركبة بعريضته المرفوعة الى النيابة العامة شرح فيها قضية احتراق قلابه ويطلب فيه التحقيق مع المتهم ) وهذا يؤكد وجود شكوى في مواجهة المطعون ضده خلافاً لما ورد في أسباب الحكم المطعون فيه ولذلك فان الدائرة تقبل الطعن وتنقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه مع إعادة أوراق القضية الى محكمة الاستئناف لنظرها مجدداً بتشكيلها الجديد ومن ثم اصدار حكم يتفق مع صحيح القانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :


الوجه الأول : إجراءات تقديم الشكوى في قانون الإجراءات الجزائية :

نظم قانون الإجراءات الشكوى وبين إجراءات تقديمها ضمن قيود رفع الدعوى الجزائية وذلك في المواد (من 27 إلى 31) ووفقاً لهذه المواد لا يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجزائية أمام المحكمة الا بناء على شكوى المجني عليه في الجرائم معينة ذكرها القانون في المادة 27 ولا يجوز اتخاذ إجراءات التحقيق فيها الا بعد تقديم هذه الشكوى إلا أن تلك النصوص القانونية السابق ذكرها لم تتضمن تعريف الشكوى، وقد سلك القانون في ذلك مسلك غالبية القوانين العربية وليس ذلك عيباً لان التعريف من وظائف الفقه وليس القانون، وقد وردت تعريفات عدة للشكوى منها تعريفها بانها : بلاغ مقدم من المجني عليه إلى سلطة العقاب متضمناً طلبه تحريك الدعوى الجزائية ضد متهم معين بجريمة قيد القانون سلطةالنيابة بتقديمها حتى يتم تحريك الدعوى الجزائية،وهناك من يذهب الى تعريفها بانها : الشكوى مطالبة المجني عليه أو ممثله القانوني للسلطة المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية بحق متهم لغرض توقيع الجزاء المناسب عن طريق  السلطة القضائية المختصة، ومن خلال مطالعة  النصوص القانونية الناظمة للشكوى لم تشترط شكلاً معينا او صيغة مخصوصة او بياناتً محددة ،ويجوز تقديمها إلى مأمور الضبط القضائي أو الى النيابة العامة.


الوجه الثاني : الطبيعة القانونية للشكوى :

اختلفت الآراء بشأن الطبيعة القانونية للشكوى، فهناك من يذهب إلى انها مقررة لمصلحة المجني عليه بسبب وقوع الضرر في المجني عليه فجسامة الضرر تصيبه اكثر مما تصيب المجتمع، ويذهب اخرون إلى أن الشكوى قيد يرد على سلطة الدولة في مسائلة المتهم الا بتقديم المشتكي شكواه، وهناك من يذهب إلى أن الشكوى عبارة عن إجراء يؤدي الى رفع القيد عن النيابة العامة لتحريك الدعوى الجزائية، الا أن الاتجاه الغالب يذهب إلى أن قيد الشكوى هو مفترض إجرائي لصحة الدعوى الجزائية ذلك أن الشكوى هي قيد لسلطة الدولة في مباشرة الإجراءات الجزائية فحق الدعوى حق ثابت للدولة وقائم بذاته عن أية جريمة .


الوجه الثالث : وجهة الحكم الاستئنافي بشأن طبيعة الشكوى وإجراءاتها :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم الاستئنافي تشدد في فهمه وتطبيقه للشكوى وإجراءاتها حتى اخطا في تطبيق القانون، حيث اراد الحكم الاستئنافي أنه لا بد من تقديم المجني عليه شكوى خطية مستقلة  ليس هذا فحسب بل انه قد اراد في الشكوى أن تتضمن بياناتها اسم شكوى وبياناتها الاخرى مثل تاريخ الشكوى واسم الشاكي واسم المشكو به وموضوع الشكوى وغير ذلك ،كما أن الحكم الاستئنافي اراد ان يتم تقديم الشكوى كتابة أمام النيابة بتلك الصيغة،ولذلك لم يلتفت الحكم الاستئنافي الى حضور المجني عليه الى النيابة ومطالبته للنيابة ومتابعته لها للوصول الى حقه،فالحكم الاستئنافي يريد تصريح المجني عليه كتابة بمطالبة النيابة بتحريك الدعوى الجزائية فلايكفي من وجهة نظره حضور المجني عليه ومطالبته بحقه على أساس أن حق المجني عليه حق خاص هو التعويض في حين ان موضوع الدعوى الجزائية هو الحق العام وليس الحق الخاص ،ولهذه الاعتبارات فقد قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي لأنه قد فصل في الدعوى الجزائية والدعوى المدنية التبعية من غير وجود  شكوى مستقلة مكتوبة من المجني عليه  سابقة على التحقيق يصدع فيها المجني عليه بطلبه تحريك الدعوى الجزائية،  فالشكوى في جرائم الحريق غيرالعمدي قيد يرد على النيابة في تحريك الدعوى الجزائية فلا ينبغي ان تشرع في أي إجراء الا بعد رفع هذا القيد بتقديم الشكوى، ولأهمية الشكوى فيجب على المجني عليه أن يفصح عن ذلك بوضوح وبيان فلا يتحقق ذلك إلا اذا قام المجني عليه بتقديم شكوى بوثيقة مستقلة مكتوبة تتضمن  البيانات اللازمة مثل اسم الشكوى والشاكي والمشكو به وموضوع الشكوى وغيرها من البيانات، ومن خلال ما تقدم يظهر لنا تشدد الحكم الاستئنافي في فهم الشكوى وإجراءاتها وطبيعتها، وهذا التشدد هو الذي أوصل الحكم الاستئنافي إلى الغاء الحكم الابتدائي.


الوجه الرابع : وجهة حكم المحكمة العليا بشأن طبيعة الشكوى ووظيفتها وإجراءات تقديمها :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن حكم المحكمة العليا قد أخذ بالاتجاه الغالب في الفقه الجنائي الذي يذهب إلى أن طبيعة الشكوى كقيد من قيود تحريك الدعوى الجزائية هي أن الشكوى مجرد إجراء شكلي اشترطه القانون لمعرفة رغبة المجني عليه وطلبه تحريك الدعوى، فلا يشترط في هذا الإجراء شكلاً معيناً فيكفي ان يفصح المجني عليه عن طلبه للنيابة العامة مباشرة إجراءات تحريك الدعوى الجزائية في مواجهة المتهم ،فلا يشترط في ذلك شكل معين لإفراغ الشكوى كتابة في محرر كتابي مستقل بهذا المسمى وإنما يكفي في ذلك أن يفرغ المجني عليه شكواه شفاهة وان يكون ذلك ثابتا في محاضر التحقيق أو جمع الاستدلالات أو ان يكون ذلك ثابتا في أي من المذكرات التي يقدمها إلى النيابة حتى ولو لم يطلق عليها مسمى شكوى طالما أنه افصح عن طلبه للنيابة بتحريك الدعوى الجزائية فالعبرة بالفحوى وليس بالمسمى، والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني