جريمة نقل وازالة حدود الاراضي في القانون اليمني

 جريمة نقل وازالة حدود الاراضي

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين


الاستاذ بكلية الشرية والقانون جامعة صنعاء


غالبية اليمنين فلاحين او تحدروا من اسر فلاحية اشتغلت بزراعة الارض وابتكرت نظم واعراف تنظم شئون الزراعة وشئون الاراضي الزراعية؛ فقد وجدت هذه النظم قبل ان يوجد السجل العقاري وقبل ان توجد القوانين الحديثة, ومن ذلك العلامات التي تعارف الفلاحون اليمنيون على انها علامات فاصلة تبين ملكية الارض الزراعية ورهقها ؛ وكانت تلك العلامات تحمي الملكية من اطماع الطامعين وتطلع المتطلعين وتهبش المتهبشين, وقد حافظت تلك العلامات على استقرار الملكية ومن ثم استقرار المراكز القانونية للفلاحين اليمنين ومنعت الى حدما النزاعات بشان حدود الاراضي المتلاصقة؛ وهذا بدوره ادى الى استقرار المجتمع اليمني كله باعتبار ان المجتمع اليمني كله كان من الفلاحين, ولذلك استجاب قانون الجرائم والعقوبات اليمني لوضعية العلامات المتعارف عليها لتمييز ملكية الاراضي الزراعية وغيرها عن بعضها بل ان هذا القانون قد جعل الاعتداء على هذه العلامات جريمة يعاقب عليها, وللأسف ان مفهوم هذه الجريمة يشوبه الغموض والالتباس حتى عند بعض المختصين, ومن هذا المنطلق جاءت فكرة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية  بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/2/2011م في الطعن الجزائي رقم (40175) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان  مواطنا قام بوضع نصب او علامة لتمييز الارض المملوكة له عن ارض  جاره الملاصقة لارضه كك فقام جاره في اليوم التالي لوضع تلك العلامة قام بإزالتها فقام الشخص الذي وضع تلك العلامة بتقديم شكوى الى النيابة المختصة مفادها ان جاره قد ازال تلك  العلامة الفاصلة ؛ وبعد التحقيق من قبل النيابة العامة اصدرت النيابة قرار بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية في مواجهة الجار الذي ازال تلك العلامة وقد جاء في اسباب القرار بان لا وجه لإقامة الدعوى : بانه حيث ان المشكو به قد اعترف بانه قد ازال (النصب) الذي وضعه الشاكي في يوم الاربعاء وانه قد قام بإزالته في اليوم التالي مباشرة وهو يوم الخميس وحيث ان المشكو به ذكر في محاضر التحقيق بانه قد ازال (النصب) لأن جاره قد  قام بوضع ذلك النصب في ارضه لذلك فقد ظهر للنيابة ان النزاع فيما بين الشاكي والمشكو به مدنيا واتضح عدم وجود جريمة ازالة الحدود حيث ان ما قام به المشكو به هو من قبيل المعارضة وليس جريمة ازالة الحدود ولذلك فاللازم على الشاكي والمشكو به اللجوء الى المحكمة المدنية المختصة  للفصل في ملكية الارض المتنازع عليها, الا ان الشاكي لم يقبل بقرار النيابة فقام باستئنافه امام محكمة الاستئناف المختصة التي حكمت بقبول استئنافه واعادة الملف الى النيابة لاستكمال اجراءات التحقيق والتصرف فيها وفقا للقانون وقد جاء في اسباب الحكم الاستئنافي ان جريمة (قلع النصب) المنسوبة الى المستأنف ضده ثابتة باعتراف المتهم وشهادة الشهود ومع ذلك فقد اهملت النيابة ذلك فلم تلتفت اليه, فقام المستأنف وهو الذي (قلع النصب) قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا  التي قبلت طعنه وجاء في اسباب حكمها انه (اما ما ورد في الطعن بشأن مخالفة الحكم الاستئنافي للقانون حينما قضى بوقوع جريمة ازالة الحدود في حين ان هذه الجريمة لم تقم اصلا لان المطعون ضده قام بوضع النصب في غياب الطاعن ومن غير علمه او علم المجاورين للأرض ولذلك فانه أي الطاعن قد قام بإزالة ذلك النصب غير الشرعي فلا وجود للجريمة في هذه الحالة, والدائرة تجد ان هذا النعي صحيح وفقا لما هو ثابت في الاوراق وله اساس في القانون حيث انه من الثابت من اقوال المطعون ضده في محضر تحقيق النيابة انه قال : انه وضع النصب يوم الاربعاء من تلقاء نفسه وان الطاعن قد قام بإزالة النصب  اليوم التالي وهو يوم الخميس, وحيث ان الثابت في الاوراق ان الذي وضع العلامة هو المطعون ضده في غياب الطاعن والمجاورين له في الارض ولم توضع تلك العلامة من قبل عدل القرية او مساح او مكتب اراضي الدولة او من قبل محكم او باتفاق الطرفين وحيث ان تلك العلامة لم تكن موضوعة من سابق فان ما قام به الطاعن لا يشكل جريمة ازالة الحدود, وحيث ان قرار النيابة العامة جاء موافقا للقانون بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية نهائيا لعدم الجريمة, وحيث ان المحكمة العليا محكمة قانون ولها الحق في مراقبة المحاكم في تطبيقها للقانون وفقا لنص المادة (431) اجراءات ولها ان تصحح الخطأ في تطبيق القانون عملا بالمادة (443) اجراءات التي تنص في الفقرة الثانية على انه (اذا قبل الطعن وكان مؤسسا على ان الحكم المطعون فيه بني على مخالفة للقانون او على خطأ في تطبيقه تصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون .....الخ) وحيث ان جريمة نقل وازالة الحدود لم تقم لان من وضع ذلك الحد هو المطعون ضده قبل يوم من ازالتها حسبما ورد في اقواله في محاضر التحقيق بانه وضع النصب لتحديد الارض التي استأجرها من هيئة الاراضي وقد وضعها دون موافقة المجاورين للأرض حيث ان وضع العلامات او الحدود لا يكون صحيحا الا اذا تم معرفة المجاورين للأرض المحدودة او بنظر عدول وبعد تحديد مساحة الارض كلها وتحديد ملك كل واحد, لذلك فان قيام الطاعن بإزالة الحد لا يشكل جريمة ازالة حدود لان المادة (323) عقوبات تنص على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة من اتلف او نقل او ازال أي محيط او علامة معدة لضبط المساحات او لتسوية الاراضي او لتعيين الحدود او للفصل بين الاملاك وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز السنتين اذا ارتكبت الجريمة باستعمال العنف علىالاشخاص او بقصد اغتصاب ارض مملوكة للغير او كانت العلامات موضوعة من قبل المصلحة المختصة) فالشرط في المادة ان المحيط او العلامة قد تم وضعها  من قبل الجهة المختصة او الشخص المختص وليس من قبل الشخص المدعي بالملك نفسه وطالما كان الامر كذلك فان النزاع على تحديد الملك يجب ان تفصل فيه المحكمة المدنية المختصة, وما انتهى اليه قرار النيابة العامة بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية نهائيا لعدم الجريمة قد جاء موافقا لصحيح القانون الامر الذي يتعين معه قبول الطعن موضوعا ونقض الحكم الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :


الوجه الاول : ماهية الحدود التي تكون محلا للجريمة :

من خلال استقراء المادة (223) عقوبات السابق ذكرها ضمن اسباب حكم المحكمة العليا نجد المقصود بالحدود التي تكون محلا لجريمة الازالة او النقل هي المحيط او العلامة التي تميز الحدود بين الاراضي وتفصل بين الاملاك المختلفة؛وبيان ذلك كماياتي :


1؛-فالمحيط هو الشيء المحيط بالأرض التي يميزها عن غيرها مثل سور الارضية الذي يحيط بها او الجدران المحيطة بمزارع القات او العنب او الزرب المحيط بالأرض او الاسلاك الشائكة التي تحيط بالأرض .


2- العلامة : وهي غير المحيط لأنها لا تحيط بالأرض وانما يتم وضعها الى جهة ارض الغير للفصل بين الارضيتين المتلاصقتبن , فهذه العلامة قد تكون  حجرا يتم غرسهوتثبيته غي الارض  او حجرا كبيرا موجود اصلا من سابق او شجرة معمرة او طريق سابلة, كما قد تكون العلامة عبارة عن مجسمات في حدود الارض الاربعة او بعض حدودها فقط, كما قد تكون العلامة زرب او حائط لا يحيط بالأرض كلها وانما يفصل بين الارض والارض الملاصقة  لها كما تكون العلامة جدارا او اسلاكا شائكة تفصل بين الارضيتين المتلاصقتين  . 


الوجه الثاني : شروط الحدود حتى ت

نطبق جريمة الازالة والنقل :


من خلال استقراء نص المادة (323) عقوبات السابق ذكرها ومن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انهما قد اشارا الى هذه الشروط : ويمكن تلخيصها كما يأتي :


1-  ان يكون الحز  موضوعا بطريقة شرعية : فالمحيط والعلامة يجب ان يكون موضوعا بطريقة شرعية, أي ان يتم وضعه بالاتفاق بين ملاك الاراضي التي يفصل بينها هذا الحد, ويشترط ان يكون هذا الاتفاق ثابت بوثيقة او بشهادة اما اذا قام الشخص بوضع الحد لنفسه من غير موافقة جاره فان هذا الحد لا يكون معتبرا ولا تترتب عليه الاثار الشرعية والقانونية, يكون الحد شرعيا ايضا اذا تم وضعه تنفيذا لحكم قضائي او حكم تحكيم او عقد صلح وتراضي بين الملاك المتحادين .


2-  اشار النص القانوني السابق ذكره واسباب حكم المحكمة العليا الى ان الحد المعتبر شرعا لا يكون كذلك الا اذا سبقته مساحة للأراضي المتحادة بحيث تبين هذه المساحة مقدار كل ارض من  الاراضي المتحادة التي يفصل ببنها  الحد.


3-  ان يقوم بوضع الحد الطرفان او الاطراف المتحادة املاكهم, فاذا انفرد احدهم بوضع الحد فلا يكون الحد غب هذه الحالة  معتبرا  شرعا,  وقد يقوم بوضع الحد الفاصل قاضي التنفيذ او المحكم او عدل القرية الذي يوفق بين الملاك المتنازعين .


الوجه الثالث : ملكية الحد ذاته او الارض المقابلة له :

كوظيفة الحد هي الفصل بين الاملاك المتلاصقة, اما ملكية الحد ذاته فهي تختلف باختلاف الحكم او الاتفاق الذي قرر وضع الحد, فقد يكون الحد الشجرة او الحجرة او الزرب وما تحته ؛ فقد يتم وضعه في ملك الجار وعندئذ يكون الحد ذاته ملكا لمن تم وضعه من ملكه, كما قد تكون ملكية الحد مشتركة بين الجارين المتلاصقة املاكهما, وقد اشارت الى ذلك المادة (1167) مدني التي نصت على ان (للجار الحق على جاره في وضع اعلام لأملاكهما المتلاصقة (اوثانا او غيرها) وتكون نفقات التحديد مناصفة بينهما).


الوجه الرابع : الوضعية العرفية للحد :

من مكارم اخلاق اليمنين استعظامهم للحد الفاصل بين الاملاك وكراهيتهم للاعتداء عليه حيث يسود الاعتقاد بين القبائل اليمنية الكريمة الى البوم ان المعتدي على الحدود الفاصلة بين الاملاك يكون عرضة للعقوبة الدنيوية العاجلة كالأمراض الخبيثة التي تصيب ايدي المعتدي عاي الحدود ؛ ويذهب الدكتور سهيل الفتلاوي في كتابه تاريخ النظم القانونية القديمة الى ان هذا الاعتقاد كان ايضا جزءا من الديانات اليمنية القديمة حيث كان اليمنيون القدماء يعتقدون بان المعتدي على الحد يصاب بالأمراض الجلدية كالبرص والجذام والحساسية الشديدة التي تأكل الجلد, وما زال هذا الاعتقاد راسخا عند اليمنين حتى اليوم .


الوجه الخامس : الرؤية الشرعية للاعتداء على الحدود :

عند التأمل في ماهية جريمة الاعتداء على الحدود الفاصلة بين الاراضي نجد انه يترتب عليها اغتصاب املاك وذلك محرم في الشريعة الاسلامية فقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال (ليس لعرق ظالم حق) ويقول (من ظلم بشبر  من ارض طوقه الله اياه يوم القيامة من ارضين) أي يجعل ذلك الجزء الذي يغتصبه المغتصب في عنق المغتصب وما تحت هذا الشبر الى اخر الارض, اضافة الى ان  ازالة الحدود او نقلها تؤدي الى النزاع والخلاف بين الملاك وذلك محرم في الشريعة وما يؤدي الى الحرام يأخذ حكمه, ولذلك فقد اتفق الفقه الاسلامي على تحريم هذا الفعل الشنيع اكلميتوجب لغضب الله.


الوجه السادس : الركن المادي لجريمة الاعتداء على حدود الاراضي :

بينت المادة (323) عقوبات الركن المادي لهذه الجريمة الذي يتحقق بالأفعال الثلاثة :


1-  اتلاف المحيط او العلامة : والاتلاف يعني تدمير المحيط كالجدار او السور او الاسلاك الشائكة او الزرب او قطع الشجر او تكسير الصخرة  او تجريف السوم او العبيلة .


2-  ازالة المحيط او العلامة الفاصلة : والازالة تعني الانهاء للمحيط او العلامة كلية وليس اتلافها كما سبق ؛ كمن يقوم بإزالة الوثن او النصب او الحجرة او قلع الشجرة


3-  نقل العلامة او المحيط : ففي هذه الحالة لا يتم الاتلاف للعلامة او المحيط وانما يتم نقله الى داخل ارض الجار كمن يقوم بنقل الزرب الفاصل من موضعه الى داخل ارض جاره او يقوم بنقل الوثن الى داخل ارض جاره؛ وهذه الافعال المكونة للركن المادي لجريمة نقل وازالة الحدود وان اختلفت هذه الافعال, الا ان عقوبتها واحدة وهي الحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة اذا لم يقصد الجاني اغتصاب جزء من ارض جاره اما اذا كان يقصد ذلك فان عقوبته الحبس مدة لا تتجاوز السنتين, أي انه في حالة قصد الغصب فان العقوبة تكون الحبس فليس هناك عقوبة تخييرية وهي الغرامة كما ان عقوبة الحبس تكون مضاعفة حسبما ورد في المادة (323) عقوبات؛ والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني