إستظهار إرادة المتعاقدين

 *إستظهار إرادة المتعاقدين*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

➖➖➖➖➖


*▪️عند حدوث الخلاف بين المتعاقدين بشأن بعض بنود العقد المجملة او الغامضة فأنه يجب على القاضي ان يستظهر إرادة المتعاقدين حتى يتوصل القاضي إلى حسم النزاع، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى الوسائل التي يتوسل بها القاضي لكشف إرادة المتعاقدين وتشخيص أسباب  الخلاف بشأن تفسير العقد وتطبيقه حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-10-2015م في الطعن رقم (56536)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وتجد الدائرة ان الشعبة لم تستظهر الحقيقة حول أسباب تحرير العقد وما جاء في بنوده وفترة سريانه ولم تسمع شهوده، حيث أيدت الشعبة المحاسب في تقريره بالرغم من أنه طبق الفقرة (4) من العقد فقط، وذلك بإحتساب اربعة ريالات لـ... عن كل دولار لفترة التعامل بين الطرفين كاملة حسبما ذكر في تقريره بالرغم من ان الطرفين غير متفقين على سريانه على كامل الفترة، فالطاعن يؤكد انه يسري لعام.... أما الفترة السابقة فالعمولة مذكورة في الكشوفات الشهرية للحساب المسلمة لممثلي المطعون ضدها...إلخ، في حين ان المطعون ضدها أكدت بأنه  يسري على الأعوام  السابقة كلها ، لذلك كان على الشعبة إستظهار حقيقة الاتفاق المذكور وذلك بسماع ما لدى كل طرف بهذا الخصوص) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الأول: ماهية استظهار إرادة المتعاقدين:*

➖➖➖➖➖


*▪️إستظهار العقد حسبما تعبر الحكم محل تعليقنا او إستظهار ارادة المتعاقدين هو عبارة: عن بحث عن الإرادة الباطنة للمتعاقدين لازالة الغموض او الإجمال في بنود العقد التي افضت إلى خلاف المتعاقدين بشأن تفسيرها وتطبيقها، وهذا ما يسمى بالتفسير الباطني للعقد الذي يبحث عن إرادة المتعاقدين التي لم تظهر صريحة في بنود العقد، فالاصل ان تكون بنود العقد الظاهرة مطابقة لارادة المتعاقدين، فلا يتم اللجوء إلى البحث عن إرادة المتعاقدين من خارج نطاق العقد، ولكن الإشكالية في اليمن ان صياغة العقود لاتكون في غالب الأحيان مطابقة لارادة المتعاقدين، ولذلك فإنه من المعتاد في اليمن ان يتم البحث عن إرادة المتعاقدين التي لاتظهر في بنود العقد، حيث يبحث القاضي عن إرادات المتعاقدين عن طريق اللجوء إلى وسائل خارج العقد مثل الرجوع إلى خطابات النوايا ومذكرات التفاهم المتبادلة بين المتعاقدين قبل إبرام العقد، أو عن طريق معرفة كيفية تنفيذهم للعقد بعد إبرامه ومعرفة كيفية التعامل الذي تم بين المتعاقدين بعد إبرام العقد، لان ذلك هو التطبيق العملي للعقد من قبل المتعاقدين، فهو الذي يكشف عن إرادة المتعاقد وقصده، كما ان استظهار الغامض من العقد يتم عن طريق إستماع القاضي إلى أقوال المتعاقدين أنفسهم، لان المتعاقد نفسه هو الاعرف بإرادته ومقصوده ، وكذا يتم إستظهار إرادة المتعاقدين  عن طريق الإستماع إلى أقوال كاتب العقد وشهوده الذين وقفوا  وشاهدوا وسمعوا  عبارات المتعاقدين قبل صياغتها وإفراغها في قالب العقد المختلف بشأنه، لان غالبية العقود في اليمن تتم صياغتها بعبارات نمطية غير تلك التي أدلى بها المتعاقدون قبل صياغة العقد (مهارات الصياغة القانونية، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص45) ونخلص من هذا الوجه إلى القول بأن المقصود من إستظهار إرادة المتعاقدين  هو البحث عن إرادة المتعاقد الباطنة بشأن الغامض والمجمل من بنود العقد التي اختلف المتعاقدون بشأنها، بقصد الكشف عن ارادتهم الحقيقية  حتى يحكم القاضي في ضوء ما سيظهر لان الحكم  يقوم على الظاهر.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثاني: متى يلجأ القاضي إلى استظهار إرادة المتعاقدين:*

➖➖➖➖➖


*▪️يلجأ القاضي إلى إستظهار إرادة المتعاقدين، عندما يرد في العقد بنداً أو بنودا غامضة او مجملة اختلف بشأنها المتعاقدون، أما إذا لم يكن هناك غموض أو إجمال في بنود العقد، فلا مجال أمام القاضي إلا إعمال وتطبيق بنود العقد ولو كانت محل خلاف بين المتعاقدين ، كما يتم اللجوء إلى الاستظهار إذا وجدت قرائن تدل على أن المتعاقدين قد تعاملوا بموجب العقد على خلاف بند من بنود العقد، حيث  يهدف الاستظار في هذه الحالة إلى الكشف عما إذا كان هذا التعامل تعديلا  لبند  من بنود العقد الذي يتم التعامل على خلافه، وكذا إذا كان هناك تعامل سابق على العقد فيما بين المتعاقدين ولم يظهر في العقد ما يدل على نطاق سريانه مثلما كان الحال في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث ثار الخلاف بين المتعاقدين بشأن الفترة السابقة للتوقيع على العقد "هل يشمل الفترة السابقة على العقد أم لا"؟  علما بأن العقد في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان يتناول الفترة السابقة على التوقيع عليه ولكن بصيغة غامضة.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثالث: أهمية إستظهار إرادة المتعاقدين بالنسبة للقاضي:*

➖➖➖➖➖


*▪️العقد شريعة المتعاقدين، فالواجب على القاضي ان يقوم بتطبيق بنود العقد في الخصومة المنظورة لديه، وذلك يستدعي ان يقف القاضي على الإرادة الحقيقية للمتعاقدين بشأن البنود الغامضة او المجملة محل الخلاف بين المتعاقدين حتى يكون الحكم القضائي عنواناً للحقيقة.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الرابع: توصية للمعنيين بالدولة بشأن اولوية إصلاح نظام العقود باليمن للحد من المنازعات والخلافات بين المواطنين:*

➖➖➖➖➖


*▪️القوانين والتشريعات عبارة عن قواعد عامة مجردة مرنة مناسبة تمت صياغتها لتلائم في تطبيقها  المجتمع اليمني بأسره، أي أن القوانين والتشريعات تنظم حقوق ومصالح ثلاثين مليون يمني تختلف ظروفهم واحوالهم وإراداتهم، كما تختلف الوقائع التي تحدث لهذا العدد الهائل من الناس، ولذلك فإن التشريعات عامة تهتم بالاشياء العامة المجملة التي لا تمس ولاتلامس مشاكل المواطنين وظروفهم وتفاصيل حياتهم الدقيقة، ولذلك كانت العقود هي االأدوات والوسائل المناسبة لتنفيذ القوانين والتشريعات المختلفة ، إلا أنه من الملاحظ ان الدولة مشكورة تتجه إلى إصلاح القوانين والتشريعات وتعطي لهذا الجانب الاولوية في اهتمامها في حين أن اهتمامها بالعقود ما زال محدوداً وثانويا، مع ان إصلاح العقود أهم وأجدى من إصلاح التشريعات والقوانين ، ولذلك فأننا نوصي المختصين في الدولة بأن تكون الأولوية في الإصلاح للعقود والتصرفات، لانها المتصلة مباشرة بأفراد المجتمع، ولان إصلاح العقود والتصرفات ضمانة من أهم ضمانات تحقيق السلم الإجتماعي والحيلولة دون حدوث نزاعات وخلافات وتنافر بين افراد المجتمع اليمني، والله اعلم.*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني