القتل العمد دهساً بالسيارة

 *القتل العمد دهساً بالسيارة*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

➖➖➖➖➖


*▪️الأصل أن حوادث السير تقع بالخطأ، إلا أنه من المتصور أن تكون عمدية إذا تعمد السائق دهس إنساناً وثبت ذلك بشهادات الشهود ودلت ظروف الحال على أن السائق قد  اتجه بالسيارة نحو المجني عليه والسائق يشاهد المجني عليه الذي  يلوح للسائق ويامره بالتوقف الا ان السائق لم يأبه بذلك فاتجه نحو المجني عليه فصدمه ودهسه، فعندئذ تكون الجريمة قتل عمد، ويعاقب السائق بالقصاص الشرعي لثبوت الدليل الموجب للقصاص، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-4-2013م في الطعن رقم (47645)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وقد نعى الطاعن على الحكم الاستئنافي الذي قضى بالقصاص منه، مع ان الحادث كان حادث سير عادي وليس قتل عمد، وبالرجوع إلى أوراق القضية وظروف الواقعة  ظهر ان الطاعن قام بصدم المجني عليه ودهسه بالسيارة التي كان يقودها، فلم يكن حادث سير حصل عرضاً بدون قصد من الطاعن، بل كان فعلاً متعمداً قصد به الطاعن الهروب من الحملة التي كان يقوم بها المجني عليه ومن معه من الجنود لضبط السيارات المخالفة، والسيارة التي كان يقودها الطاعن كانت من ضمن السيارات المخالفة المطلوب ضبطها، وما ان وصل رجال الضبط ومنهم المجني عليه لضبط سيارة الطاعن حتى سارع بقيادتها قاصداً الهروب بها خارجاً عن الطريق ومتجاهلاً النداءات والأوامر الصادرة له بالتوقف من رجال الضبط، وعندما لم يستجب الطاعن وقف المجني عليه أمامه في خط سيره ملوحاً له بالتوقف غير أن الطاعن لم يعر النداءات والأوامر الشفهية أي اعتبار، كما لم يهتم الطاعن بوقوف المجني عليه في خط سيره، فواصل الطاعن قيادته لسيارته وهو يعلم أنه سيصدم حي المجني عليه، وقد صدمه بالفعل، ومع ذلك لم يتوقف بعد ان سقط حي المجني عليه بعد صدمه بل واصل الطاعن سيره داهساً المجني عليه ولم يتوقف إلا بعد أكثر من مائة متر ثم ترجل عن السيارة وسارع بالهروب سيراً على الأقدام ولم يتم القبض عليه إلا بعد أكثر من ثلاثة كيلو متر من مكان الواقعة، فالواقعة بتلك الكيفية جريمة قتل عمد وعدوان، وليست حادث سير ولا يغير في وصفها كون الجاني الطاعن لا يعرف المجني عليه ولم تكن بينهما خصومة أو عداوة، فطالما ان الطاعن قصد بفعله قتل إنسان حي معصوم فأنه يعد قاتلا عامدا بصرف النظر عن الشخص المقصود بالقتل، فالسيارة التي كان يقودها الطاعن واستخدامها لصدم المجني عليه ودهسه أداة قتل عند إستعمالها بتلك الكيفية بل هي اشد فتكاً من السلاح الناري، فلا يعني انها مركبة تستعمل للنقل انها غير قاتلة حسبما ذكر محامي الطاعن أمام محكمة الموضوع)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الأول: وسيلة القتل بالسيارة:*

➖➖➖➖➖


*▪️كان دفاع السائق يتأسس على أساس ان السيارة هي وسيلة نقل وليست وسيلة قتل، فهي أصلاً وسيلة لم يتم صنعها للقتل  ولا تستخدم اصلا في القتل، فالقتل العمد لايقع الا بالالات المعدة اصلا للقتل كالآلات المحددة والمثقلة، فكان رد الحكم محل تعليقنا على ذلك الدفاع بان السيارة وان كانت وسيلة نقل معدة أصلاً لهذا الغرض لكن السائق بعلمه وبإرادته استعمل السيارة قاصدا قتل المجني عليه ودهسه ونتج عن ذلك قتل المجني عليه فورا بسبب فعل السائق الجاني، فتحققت النتيجة التي ارادها السائق ، فالسيارة اذا تم استعمالها على النحو الذي استعملها السائق اشد فتكاً من السلاح الناري حسبما ذكر الحكم محل تعليقنا، وعلى هذا الأساس فإن السيارة وسيلة يتحقق عن طريقها الركن المادي لجريمة القتل العمد الموجب للقصاص حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثاني: استخلاص قصد العمد في القتل دهساً بالسيارة:*

➖➖➖➖➖


*▪️سبق ان ذكرنا في الوجه الأول ان السيارة تكون وسيلة قاتلة إذا توسل بها الجاني للقتل، حيث يقع عن طريقها فعل القتل وتتحقق نتيجته وهي إزهاق نفس مسلمة معصومة، واشار الحكم محل تعليقنا الى ان ظروف الواقعة هي التي تدل على العمدية في القتل دهساً بالسيارة، فقد استخلص الحكم محل تعليقنا قصد العمد من الظروف التي سبقت الواقعة وتلك التي صاحبت الواقعة وكذا الظروف التي اعقبت الواقعة، فالظروف التي سبقت الواقعة دلت على أن السائق كان من جملة المخالفين المطلوب ضبطهم بواسطة المكلفين بذلك ومنهم الجندي المجني عليه، وكان السائق الجاني يريد الهروب بسيارته باي ثمن، وكذا دلت الظروف المصاحبة للواقعة على العمدية فقد كان المجني عليه  يريد القبض على الجاني حيث أراد المجني عليه الحيلولة دون فرار الجاني بالسيارة فوقف أمامه في طريق سيره حتى يمنعه من الهرب وكان المجني عليه يلوّح بيديه للجاني بالوقوف وكان الجنود المصاحبون للمجني عليه ينادوا على الجاني ويأمرونه بالتوقف، إلا أن الجاني الذي كان يشاهد المجني عليه أمامه يلوح له قام بصدمه ودهسه وهو يشاهد المجني عليه، وكذا دلت الظروف التي اعقبت الواقعة على العمدية لان السائق بعد إرتكابه للفعل هرب ، وقد كانت هذه الظروف مجتمعة التي احاطت بالواقعة من كل جوانبها كانت ثابتة بأقوال الشهود، ولذلك فقد اعتبر الحكم محل تعليقنا هذا الحادث قتلاً عمداً وليس حادث سير وقع فيه القتل على سبيل الخطأ.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثالث: الدليل الموجب للقصاص في القتل دهساً بالسيارة:*

➖➖➖➖➖


*▪️لا يختلف الدليل الموجب للقصاص في هذه الحالة عن القتل بأية وسيلة أخرى، حيث يثبت القصاص بالإقرار الصريح وشهادة شاهدين عدلين يشهدا لله تعالى أنهما شاهدا السائق وهو يشاهد المجني عليه أمامه يأمره بالتوقف أو ينبه بالتوقف إلا أن السائق يتجه إلى المجني عليه ويصدمه ويقتله، ولا عبرة بالباعث على القتل فقد يكون الفرار من القبض عليه أو غيره، لان الباعث ليس من أركان الجريمة وان كان له اثره في العقوبة، والله اعلم.*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني