عدول المحكمة عن قرارها باختيار الخبراء لتقدير سعي بعض الورثة

 *عدول المحكمة عن قرارها باختيار الخبراء لتقدير سعي بعض الورثة*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

➖➖➖➖➖


*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن عدول محكمة الموضوع عن قرارها السابق باختيار العدول لتقدير سعي الورثة أو الشركاء يترتب عليه بطلان الحكم اذا لم تذكر المحكمة أسباب عدولها عن ذلك القرار ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-9-2017م في الطعن رقم (59400) الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد وجدت الدائرة ان مناعي الطاعن مؤثرة،، حيث تبين للدائرة ان الشعبة المدنية قررت في جلستها المنعقدة في تاريخ.... لزوم إختيار عدول لتقدير السعي إلا أن الشعبة قامت بإصدار حكمها قبل تنفيذ قرارها  السابق بإختيار العدول لتقدير السعي لما يستحقه كل واحد من الورثة، ودون بيان وتوضيح أسباب عدم تنفيذها قرارها بشأن العدول ...إلخ ما ذكره الطاعن في عريضة طعنه ، ومن خلال رجوع الدائرة إلى الأوراق فقد تبين للدائرة ان الشعبة مصدرة الحكم كانت قد قررت إلزام الطرفين بإختيار عدول لتقدير السعي، وكان هذا القرار عين الصواب إلا أن الشعبة تغاضت عن تنفيذ قرارها وقامت بحجز القضية وإصدار الحكم قبل ان تستوفي جوانب النزاع، حيث انها لم تناقش ما طرح أمامها بصورة كاملة ولم تعط القضية حقها من التحقيق والبحث خاصة حول موارد الكسب وحول ما اثاره الطاعن في أقواله من أن هناك فوائد خاصة به من الكرمة حيث لم تتأكد الشعبة من وجود كرمة للأب من عدمه وقدر إستحقاق الأب من الكسب لأهمية ذلك، وحيث ان محكمة الاستئناف قصرت في حكمها فأن ذلك يعد قصورا في التسبيب)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الأول: ماهية السعاية (الشقية):*

➖➖➖➖➖


*▪️أصل السعاية قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)}[سورة النجم] وقوله تعالى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[سورة الليل آية (4)] والمقصود بالسعي هنا هو الجهد الذهني والبدني والوقتي الذي يبذله الوارث أو الشريك أو غيره الذي يحقق فعلا زيادة  في  المال الأصلي (الكرمة ) سواء أكان مال تركة أو شراكة، وان يترتب على السعي زيادة ونماء في أصل المال عما كان عليه بسبب السعي، وعلى هذا الأساس فلا يقصد هنا بالسعاية أو السعي  المفهوم الدارج عند العوام (السمسرة).*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثاني: السعاية أو الشقية القنبلة الموقوتة في طريق النشاط الإقتصادي والإستثماري في اليمن/وتوصيتنا لهيئة الاستثمار والقائمين على الشركات والتركات:*

➖➖➖➖➖


*▪️أغلب البيوت التجارية في اليمن هي عبارة عن شركات ومؤسسات وبيوت تجارية عائلية يسعى فيها الأبناء مع أبيهم أو يسعى الأخوة مع بعضهم أو يسعى الأخوة مع أمامهم أو أبناء عمومتهم، علاوة على ان هناك شركات ومؤسسات أخرى غير عائلية يسعى فيها الشركاء مع بعضهم، ومن هذا المنطلق فإن السعي والسعاية يندرج في كل مكونات النشاط الإقتصادي والتجاري والإستثماري في اليمن، ومن المؤكد ان سعي الشركاء أو الورثة متفاوت من حيث مساهمته في زيادة المال الأصلي (الكرمة) حيث تختلف نتائج وثمرة السعي من شريك أو وارث إلى آخر، كما أنه من المسلم به أن غالبية الشركات لا تلتفت لمسألة السعاية أو الشقية فتضع لها المعالجات اللازمة قبل حدوث الخلاف بشأنها وتحديد المراكز والعلاقات القانونية  ومقابل السعي للسعاة ، وبسبب عدم وضع المعالجات في هذا الشأن، فقد ظهرت بالفعل إلى السطح هذه المشكلة في كثير من المؤسسات والشركات حسبما هو ظاهر في القضايا الكثيرة المنظورة أمام المحاكم ، كما ان البقية الباقية من الشركات والمؤسسات التجارية مرشحة لان تظهر فيها إشكالية السعاية إلى السطح، وهذه الإشكالية سبب من اسباب تعطيل النشاط التجاري والإستثماري في اليمن، وسوف تزداد حدة هذه الإشكالية في المستقبل القريب، قلت هذا: حتى اقرع الجرس عالياً لتنبيه المختصين لهذه الإشكالية الخطيرة التي لاتهدد وجود الشركات والمؤسسات التجارية أو التركات بل انها تهدد مستقبل النشاط الإقتصادي للدولة كلها، ولذلك فأنا اوصي: هيئة الاستثمار بدراسة هذه الإشكالية واقتراح المعالجات المناسبة لها وكذا اوصي: القائمين على الشركات والمؤسسات التجارية  والتركات بتحرير اتفاقيات بين الشركاء أو الورثة على تحديد مقابل السعي مقدما للحيلولة دون حدوث اية منازعات مستقبلا قد تكون سببا لتعطيل نشاطها وضياع أموالها.*


➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثالث: تقدير السعاية أو الشقية وأعمال الخبرة في ذلك:*

➖➖➖➖➖


*▪️سبق القول ان السعاية هي: الجهد المبذول الذي يحقق زيادة اونماء في أصل المال( الكرمة )، وبناءً على ذلك فإن تقدير السعاية يحتاج على خبرة نوعية متخصصة في مجال المحاسبة والمراجعة والتدقيق وكذا في مجال النشاط النوعي الذي تم السعي فيه، فتقدير الشقية يتم عن طريق خطوات متوالية، نلخصها كما يأتي:*


*الخطوة الأولى: تحديد مقدار المال الأصلي( الكرمة ) وتحديد الأرباح والعائد الذي كان يحققه راس المال الأصلي قبل قيام السعاة بالسعي، لمعرفة مقدار عائد راس المال قبل دخول السعاة أو شروعهم في السعي ، وينبغي تقديم الادلة على ذلك بإعتبار تحديد الكرمة دعوى تحتاج إلى ادلة تدل على صحتها .*


*الخطوة الثانية: تحديد تاريخ بدء السعاة في سعيهم وتحديد نوع السعي الذي قام به كل شريك أو وارث على حدة وتحديد الأعمال التي قام بها الساعي كل عمل على حدة وتحديد عائدات كل عمل على حدة.*


*الخطوة الثالثة: الاسترشاد في تقدير الشقية بالنشاط المماثل وبالسعاة المماثلين، حيث يتم إختيار الخبراء العدول من العاملين  في النشاط المماثل، ولايتم اللجوء إلى هذه الخطوة الا اذا تعثرت الخطوتان السابقتان، وعلى هذا الأساس فإن القاضي لا يستطيع تقدير السعاية أو الشقية من خلال مطالعته الشخصية للمذكرات أو المستندات التي يقدمها الخصوم، وعلى هذا الأساس لا بد من اللجوء إلى أعمال الخبرة الفنية النوعية المتخصصة في تقدير الشقية في ضوء الجهود المبذولة من السعاة بعد تحديد رأس المال الأصلي وثمرته ومساهمته في الزيادة الطارئة عليه وتحديد مساهمة السعي في الزيادة وتحديد مساهمة كل ساعي في النماء والوقوف على الأدلة الشاهدة على كل هذه المسائل، ولذلك نلاحظ ان الحكم محل تعليقنا قد أنكر على الحكم الاستئنافي تراجعه عن القرار بندب خبراء عدول لتقدير السعاية، ولذلك فإن طلب تعيين خبراء عدول لتقدير السعاية طلب جوهري لا يجوز للحكم القضائي اغفاله حسبما قضى الحكم محل تعليقنا يترتب على إغفاله بطلان الحكم وفقاً للمادة (221) مرافعات، كما ان بطلان الحكم يكون جزاءا لعدول المحكمة عن قرارها إختيار العدول.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الرابع: جزاء تراجع محكمة الموضوع عن قراراتها:*


➖➖➖➖➖


*▪️أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن جزاء تراجع محكمة الموضوع عن قرارها في ندب خبراء لتقدير السعاية يكون جزاؤه بطلان الحكم، لان هذا القرار قد كان بناءً على طلب جوهري من بعض الخصوم، إضافة إلى أن تقدير السعاية مسألة فنية مركبة دقيقة وحساسة لا تستطيع محكمة الموضوع بشأنها تطبيق قاعدة (القاضي خبير الخبراء)، أما لو كان قرار محكمة الموضوع بشأن مسألة غير جوهرية لا يترتب عليها تغيير وجه الرأي في القضية فإن عدول المحكمة عنه لايبطل حكمها ، وكذلك الحال بالنسبة للمسأئل الفنية غير الدقيقة فقد قضت المحكمة العليا في أحكام كثيرة لها بأن عدول محكمة الموضوع عن قراراتها في هذه الاحوال لا يترتب عليه بطلان الحكم، وقد سبق لنا التعليق على بعض هذه الأحكام مثل عدول محكمة الموضوع عن قرارها بإجراء المعاينة إذا كانت الأدلة كافية لإقامة الحكم عليها، والله اعلم.*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني