وجوب الإشهاد على إقرار المتهم خارج القضاء

 *وجوب الإشهاد على إقرار المتهم خارج القضاء*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*


➖➖➖➖➖



*▪️من المألوف في اليمن ان المتهم عند التحقيق معه أمام النيابة العامة أو عند محاكمته أمام المحكمة المختصة ينكر إقراره السابق أمام مأمور الضبط القضائي لما تتسم به أعمال الضبط من جبر وفرض وتقييد للحرية، فضلاً عن أن سلطة الضبط ليست سلطة تحقيق أو سلطة قضائية حيث تختص سلطة الضبط بضبط الأشخاص والأدلة وعدم العبث بها والمحافظة عليها كما هي عند ضبطها حتى يتم عرضها على النيابة العامة وهي سلطة التحقيق وهي سلطة قضائية وفقاً للدستور والقانون، ومن هذا المنطلق فقد أوجب القانون الإشهاد على الإقرار الشفهي الصادر من المتهم خارج القضاء سواء تم الإقرار أمام مأمور الضبط أم غيره، وقد قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان الإقرار الشفهي أمام مأمور الضبط القضائي إذا لم يتم الإشهاد عليه حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-10-2013م في الطعن رقم (50142)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أما نعي الطاعن بأن إعترافه في الأوليات مخالف للمادة (85) إثبات فله سند من القانون، فالثابت أن المتهم قد أنكر بمحضر التحقيق لدى النيابة العامة ما نسب إليه من أقوال في الأوليات كما أنكر ذلك أمام محكمتي الموضوع، والبين من محضر الإعتراف المكون من صفحتين وسبعة أسطر أنه لا يحمل تاريخاً ولا رقماً ولا مشهود عليه، وذلك مخالف لما أوجبته المادة (85) إثبات التي تنص على أنه: (يجب الإشهاد على الإقرار الشفهي الذي يتم في غير مجلس القضاء) والمعلوم ان مخالفة نص الوجوب يوجب البطلان، فالواضح من محضر الإعتراف أنه غير مشهود عليه ولم يتضمن تاريخ تحريره، وحيث أن المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه قد تجاهلت كل ما سبق ذكره ولم تبرر لذلك تبريراً قانونياً فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور بالتسبيب وفيه إخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون الأمر الذي يستوجب نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية للفصل فيها وفقاً لأحكام الشرع والقانون)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الأول: ماهية الإقرار الشفهي:*

➖➖➖➖➖


*▪️مصطلح (الشفهي) أدق من مصطلح(الشفوي) حسبما ذكر الأستاذ محمد العدناني في كتابه الرائع (معجم الأخطاء الشائعة) والإقرار بصفة عامة ينقسم إلى نوعين إقرار كتابي وإقرار شفهي، وقد نظم قانون الإثبات الإقرار الكتابي ضمن الأدلة الكتابية في المواد(من ١٠٠ الى١٠٣)، فقد يرد الإقرار الكتابي ضمن المحررات الرسمية، فعندئذ تكون له حجيته المطلقة في مواجهة المقر والكافة ولا يشترط الإشهاد عليه، كما قد يرد الإقرار الكتابي ضمن محرر عرفي، فإذا كان المحرر مكتوبا بخط المقر وموقعاً عليه من قبله يكون حجة عليه ولو لم يتم الإشهاد عليه حسبما هو مقرر في المادتين (103 و 104) إثبات، وإذا كان الإقرار مكتوبا بخط الغير وموقعاً عليه من قبل المقر فلا يكون حجة على المقر إلا إذا تم الإشهاد عليه.*

*أما الإقرار الشفهي فهو يتم باللفظ الصادر من المقر الذي ينسب لنفسه القيام بفعل تركه أو الإلتزام بحق أو دين، والإقرار الشفهي الأصل ان يتم شفاهة، فلا يكون مكتوباً، فإذا تمت كتابته فتسري عليه أحكام الإقرار الكتابي السابق ذكرها.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثاني: إثبات الإقرار الشفهي:*

➖➖➖➖➖


*▪️يتم إثبات الإقرار الشفهي عن طريق شهادة الشهود الذين يشهدوا أمام مجلس القضاء ان المقر قد تلفظ أمامهم بقيامه بالفعل أو الشيء، والإثبات بهذه الطريقة هو الغالب في إثبات الإقرار الشفوي، كما يتم إثبات الإقرار الشفهي عن طريق الكتابة سواء في محاضر جمع الإستدلال أو الضبط او غيرها، حيث اشترط القانون الإشهاد على الإقرار في هذه الحالة حسبما نص القانون وحسبما قضى به الحكم محل تعليقنا، وقد يتم إثبات الإقرار الشفهي في محضر التحقيق بنظر النيابة العامة وعندئذ يكون الإقرار حجة من غير حاجة للإشهاد عليه بإعتبار النيابة العامة سلطة التحقيق الابتدائي، وقد نص القانون صراحة على أن محاضر التحقيق الذي تجريه النيابة العامة محاضر رسمية لها حجيتها الثبوتية، فلا يلزم الإشهاد عليها، كما يتم إثبات الإقرار الشفهي أمام القضاء عن طريق تدوينه في محضر جلسة المحكمة ويكون حجة على المقر بإعتباره إقراراً قضائياً تم في مجلس القضاء، غير أنه يجب إثباته في محضر الجلسة حتى يستند إليه الحكم، فلا يجوز للقاضي أن يستند إلى مجرد سماعه للإقرار من غير كتابة له في محضر الجلسة، بالإضافة إلى ما سبق فانه يتم إثبات الإقرار الشفهي عن طريق الوسائل التقنية الحديثة كالهاتف والتسجيل الصوتي إذا لم ينكره المقر، وكذا يتم إثباته عن طريق الرسائل الصوتية أو النصية المرسلة من هاتف المقر.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثالث: الإشهاد على الإقرار الشفهي الذي يتم خارج مجلس القضاء:*

➖➖➖➖➖


*▪️نصت المادة (85) إثبات على وجوب الإشهاد على الإقرار الشفهي الذي يتم خارج مجلس القضاء، واستناداً إلى ذلك قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب الإشهاد على الإقرار الشفهي سواء أكان شفاهة من غير أن يتم تدوينه في محضر أم في حالة تدوينه فيجب الإشهاد عليه في الحالتين، وهذا الإجتهاد القضائي سديد، لان القانون اشترط الإشهاد على محاضر جمع الإستدلال والضبط.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الرابع: طريقة الإشهاد على محاضر الضبط والإستدلال المتضمنة الإقرار الشفهي للمتهم وتوصيتنا لمأموري الضبط:*

➖➖➖➖➖


*▪️من خلال مطالعتنا لأحكام عدة نلاحظ إن سلطة الضبط القضائي تقوم يالإشهاد على إقرارات المتهمين عن طريق عقال الحارات أو المشايخ غالباً وغيرهم دون ان يثبت مأمور الضبط القضائي أن هؤلاء الشهود ليسوا من موظفي الجهة التي يتبعها مأمور الضبط القضائي، لأنه عند إقرار المتهم أو ادلائه بأقواله في مقر سلطة الضبط القضائي (البحث الجنائي/ الأمن) بحضور هولاء الشهود لا يعلم المتهم المقر حينئذ عن شخصيات وصفات هولاء الشهود الحاضرين للاستماع لاقواله حيث ينازع بعدئذ أمام النيابة والمحكمة بأنه كان يظن ان شهود المحضر هم من العاملين في البحث أو الأمن أو غيرها، حيث يذكر المتهم انه أدلى بتلك الأقوال غير مختاراً وإنما خوفاً من الحاضرين بمن فيهم الشهود لانه كان يظنهم جميعا من العاملين في سلطة الضبط، وقد حدث هذا بالفعل كثيراً، ولذلك فإننا نوصي بأن يثبت مأمور الضبط في محضر الضبط أو الإستدلال أنه قد تم إفهام المتهم بأن الإستماع إلى أقواله بحضور الشهود وأنهم ليسوا من العاملين في جهة الضبط وأنهم ليسوا من رجال التحقيق حيث يجب أن يثبت مأمور الضبط في المحضر انه قد تم إفهام المتهم بصفات الشهود ، وبعد ذلك يتم تدوين البيانات اللازمة في ديباجة المحضر كتاريخ فتح المحضر ومكانه واسم مأمور الضبط واسم المتهم واسماء الشهود الحاضرين ثم يتم الإستماع إلى أقوال المتهم وتدوينها في المحضر ثم يتم إثبات تاريخ وساعة قفل المحضر ثم يتم التوقيع على المحضر من قبل المتهم والشهود ومأمور الضبط، فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد ابطل الحكمين الابتدائي والاستئنافي لإستنادهما إلى المحضر الذي كان خالياً من التاريخ، والله اعلم.*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني