*جريمة تزوير المؤهلات الجامعية*

 *جريمة تزوير المؤهلات الجامعية*

*----------------------*

/

*أ.د*/ *عبد المؤمن شجاع الدين* 

*الاستاذ بكلية الشريعة والقانون* – *جامعة صنعاء* 

*التزوير هو تغيير الحقيقة او الكذب المكتوب ؛ وأي شيء اعظم جرماً من تغيير الحقيقة، ولا ريب ان محل التزوير يختلف باختلاف نوع المحرر الذي يقع فيه التزوير فهناك محررات خاصة عرفية وهناك محررات رسمية كما ان المحررات التي يقع فيها التزوير تختلف من حيث اهميتها والاثار والمسووليات المترتبة عليها فليست المحررات على مستوى واحد من حيث الاهمية والخطورة؛ولذلك فان  تزوير الموهلات الجامعية من اعظم جرائم التزوير واخطرها ولذلك ينبغي ان تكون العقوبات عليها اكبر من غيرها وان يكون التزوير فيها ظرفا مشددا للعقوبة لان جريمة تزوير المؤهل الجامعي تمس الامن العلمي للدولة فضلا عن مساسها بالشرف الثقافي والعلمي للمجتمع باسره ؛(قصف العقول ؛ د.فيليب تايلور ؛ ص  172 وفلسفة القانون ؛روبرت اليكسي؛ ص 124؛)، وقانون الجرائم والعقوبات حينما يجرم تزوير المحررات يتناولها بصفة عامة بصرف النظر عن اهميتها حيث يقرر هذا القانون على مرتكب الجريمة عقوبة واحدة وهي الحبس يحدد القانون حدها الاعلى فقط فلا يفرق القانون بين تزوير وتزوير في اضرب قانون الجامعات الحكومية اليمنية وقانون الجامعات والمعاهد الاهلية وقانون التعليم العالي عن التجريم والعقاب بالنسبة لتزوير المؤهلات الجامعية ؛ ولذلك ظلت جرائم تزوير المؤهلات الجامعية في تزايد مستمر  لغياب الردع والزجر، والقيمة العلمية والعملية للحكم الذي اخترنا التعليق عليه هو انه يكشف عن عوار القانون وقصوره في هذه الجريمة كما انه في الوقت ذاته يكشف عن تساهل القضاء في توقيع العقوبة في جرائم تزوير المؤهلات الجامعية ، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/4/2011م في الطعن الجزائي رقم (36976) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان عصابة مكونة من ستة اشخاص قامت باصطناع ختمين لوزارة التعليم العالي وختمين لجامعة خاصة كما قاموا بتقليد وتزوير شهادات جامعية باسم الجامعة الخاصة ثم صادقوا عليها وعمدوها بختمي وزارة التعليم العالي المزورين وتم اكتشاف امر هذه العصابة الخطيرة وتم ايداع افراد العصابة الحبس من قبل سلطات الضبط والتحقيق وقامت النيابة العامة بتقديم افراد العصابة الى المحاكمة الجزائية وقد ورد في قرار اتهام النيابة العامة للمتهمين بان المتهمين الاول والثاني اصطنعا ختمين مزيفين لوزارة التعليم العالي بقصد استعمالهما في المصادقة والقيد للشهائد المزورة والمقلدة كما اصطنعا اختام خاصة بالجامعة الخاصة لختم الشهادات باسم الجامعة الخاصة امام المتهم مؤقته وتقديرات للأعوام الدراسية ثم نسبتها زوراً الى الجامعة الخاصة ووضعوا عليها اختاماً وتوقيعات مزورة بقصد استعمالها في ترتيب اثار قانونية اما المتهم الخامس والسادس فقد كانا الممولين للعملية حيث سلم المتهم الخامس للمتهم السادس ثلاثمائة وعشرة الاف ريال وبيانات وصوراً شخصية للحصول على مؤهل جامعي فقام المتهم بتنفيذ الاتفاق وتسليم المتهم الخامس الشهادة المزورة، وطلبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهمين بالعقوبة المقررة في القانون العام وهو قانون الجرائم والعقوبات؛ لان قانون التعليم العالي وقانون الجامعات لم ينص على عقوبات بالنسبة لتزوير المؤهلات الجامعية!!! وقد سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات القضية حتى توصلت الى الحكم بإدانة المتهمين الستة والاكتفاء بمدة الحبس التي قضوها في الحبس منذ تاريخ القبض عليهم الى تاريخ الحكم بالإضافة الى حبس المتهم الاول سنة مع وقف التنفيذ ومصادرة المضبوطات واتلاف الاختام والشهادات المزورة فلم تقبل النيابة او المتهمون بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه الا ان الشعبة الجزائية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع المتهم الاول بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي الا ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا (وبعد رجوع الدائرة الى اوراق القضية فقد تبين لها ان مناعي الطاعن ماهي الا تكرار لما سبق له اثارته امام محكمة الموضوع التي ناقشت تلك الاسباب وفصلت فيها ومن ذلك مجادلة الطاعن في حقيقة الواقعة المنسوبة التي اقتنعت محكمة الموضوع بثبوتها وادانته بموجب ذلك وقضت بمعاقبته؛ كما المسائل الموضوعية التي اثارها الطاعن مما تستقل بنظرها والفصل فيها محكمة الموضوع فلا تمتد رقابة المحكمة العليا الى تلك المسائل) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية*: 


*الوجه الأول*: *التكييف القانوني للمؤهلات الجامعية والضررالمترتب على تزويرها* : 

*---------------------------*

*المؤهلات الجامعية هي عبارة عن اجازات او تراخيص تصدرها الجامعات للأشخاص الذين يحملون هذه المؤهلات يجوز لهم بموجبها مباشرة الاختصاصات والاعمال المختلفة / محاماة / قضاء / شؤون قانونية / صيدلية / طب / هندسة ...الخ ، وتتعلق هذه الاعمال بحقوق ومصالح الامة كلها ، وعلى هذا الاساس فان المؤهل الجامعي ليس شأنا خاصاً بالشخص الذي يحمله أو الجامعة التي تمنحه أو الوزارة التي تعتمده ، علاوة على ان تزوير مؤهل جامعي واحد يسرب الشك والارتياب الى كل المؤهلات الجامعية بل ان ذلك يفقدها الثقة والحجية المفترضة قانوناً فيها؛ لان القاعدة العامة في الاثبات ان (الدليل اذا تطرق اليه الاحتمال سقط به الاستدلال) فاذا كان من المحتمل ان المؤهل الجامعي مزوراً ومقلداً لظهور مؤهلات جامعية مماثلة مزورة فان اي مؤهل جامعي يكون مشكوكا في صحته، فيقول القائل من يضمن لي أو يؤكد لي ان كل المؤهلات الجامعية ليست مزورة طالما وقد ظهر وثبت وجود مؤهلات مزورة!!! ولذلك فان اهم عنصر من عناصر الضرر في جريمة التزوير في المحررات عامة انها تخل بالثقة المفترضة في المحررات عامة*.

*الوجه الثاني*: *مسؤولية الجامعة والوزارة المعنية عن تزوير مؤهلاتها الجامعية*:

 *--------------------------*

*سبق القول بان المؤهلات الجامعية في تكييفها القانوني انها عبارة عن تراخيص لحامليها في مباشرة الاعمال والمهن المختلفة حيث تصدر هذه التراخيص من الجهة المختصة بالتأهيل الجامعي وهي الجامعات ؛ فالشهادة من اسمها عبارة عن شهادة الجامعة: بان صاحب المؤهل قد صار اهلاً لمباشرة العمل أو المهنة؛ وبموجب هذه الشهادة فان الجهات المختلفة تقوم بتوظيف حملة المؤهلات الجامعية لاداء الاعمال والمهن المختلفة اعتمادا على الشهادة الجامعبة ، ولذلك نجد ان المؤهل الجامعي اهم شرط من شروط التوظيف التي يتم اعلانها، وعلى هذا الاساس فان الجامعة تكون مسؤولة اذا لم تتخذ الاحتياطات والتدابير والمعالجات المناسبة للحيلولة دون وقوع التزوير او التقليد في الشهادات التي تمنحها ومن ضمن ذلك العقوبات الرادعة التي تصرف الاشخاص عن التفكير في تزوير المؤهل الجامعي*.


*الوجه الثالث* : *التجريم والعقاب العام والخاص في تزوير وتقليد المؤهلات الجامعية*: 

*---------------------*

*المقصود بالتجريم والعقاب العام هو: موقف القانون العام وهو قانون الجرائم والعقوبات من هذه الجريمة والمقصود بالتجريم والعقاب الخاص هو موقف قانون الجامعات  وقانون التعليم العالي من هذه الجريمة أي مدى تجريم هذه القوانين ومعاقبتها لمرتكبي تزوير المؤهلات الجامعية، فمن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان الجريمة التي قضى فيها الحكم هي اصطناع اختام واصطناع محررات (شهادات) والتزوير في تلك المحررات عن طريق تدوين بيانات زورية (كاذبة) وهو ما يسمى بالتزوير المعنوي ، وقد قرر قانون الجرائم والعقوبات العام في المادة (208) عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على عشر سنوات على كل من قام بتزوير ختم جهةحكومية او رسمية واذا كان الختم الذي جرى تقليده او تزوير خاص بجهة خاصة كجامعة خاصة فان العقوبة تكون الحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات حسبما نصت المادة (210) من القانون ذاته، هذا بالطبع بالنسبة لتقليد الاختام واصطناعها اما بالنسبة للتزوير في الشهادة الجامعية الصادرة عن جامعة حكومية فعقوبة ذلك الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات حسبما نصت عليه المادة (213) عقوبات اما اذا كان التزوير في محرر عرفي مثل الشهادة الصادرة من جامعة خاصة فان العقوبة تكون الحبس الذي لا تزيد مدته على ثلاث سنوات ، ومن خلال الاشارة الى العقوبات المقررة في القانون العام نجد انها اكتفت بذكر الحد الأدنى للعقوبة فقط دون ذكر الحد الادنى وتبعا لذلكً يكون للقاضي السلطة التقديرية في اختيار مدة الحبس المناسبة للفعل الذي قام به المزور وبالنظر الى شخصيةالمزور نفسه، وبموجب المادتين (16 و 39) عقوبات فان الحد الادنى لعقوبة تزوير الشهادة الجامعية الصادرة عن جامعة حكومية او تقليد او اصطناع اختامها يكون حدها الادنى الحبس ثلاث سنوات اما بالنسبة  لاصطناع اختام او محررات الجامعة الخاصة فيكون حدها الادنى 24 ساعة!!!  وقد لاحظنا كيف تساهل الحكم محل تعليقنا في معاقبة المزورين حبث اكتف بالمدة التي امضوها بالحبس بالاضافة الى حبس المتهم مدة سنة مع وقف النفيذ اي انه لن يحبس بالفعل ومع هذا التساهل فان المتهم الاول قليل الحياء قام بالطعن بالحكم بالنقض !!!  اما قانون الجامعات اليمنية المسالم الطيب فلم يقرر أي عقوبة على تزوير المؤهلات الجامعية والأطيب منه قانون الجامعات الاهلية الذي امتنع عن التجريم والعقاب لمزوري المؤهلات الجامعية الصادرة عن الجامعات الخاصة وكذلك الحال بالنسبة لقانون التعليم العالي الذي لم يقرر اية عقوبة على تزوير المؤهلات  الجامعية الصادرة عن مختلف الجامعات الحكومية والخاصة ، مش مهم تزوير المؤهلات الجامعية المهم ان تتضمن تلك القوانين التراخيص والغرامات والرسوم وكيف تدخل وكيف تخرج !!! ؟ ولو ان المؤهلات الجامعية تتضمن النتيجة النهائية للدراسة الجامعية*.

*الوجه الرابع* : *فكرة عن التجريم والعقاب الخاص في جريمة تزوير المؤهلات الجامعية وتوصيتنا للمختصين والمعنيين* :

*------------------------*

 *يهتم قانون الجرائم والعقوبات العام فقط بالقاسم المشترك لجرائم التزوير المختلفةالتي تقع من افراد المجتمع الذين يصل تعدادهم الى ملايين الاشخاص وكذلك يهتم بوقائع التزوير في المحررات الرسمية والعرفية التي تختلف في اهميتها وخطورتها واثارها ، ولذلك فان القانون العقابي العام يقرر متوسط العقوبة الذي يراه مناسباً لهذا الكم الهائل من المزورين ووقائع التزوير المختلفة التي تصل الى ملايين الوقائع والاشخاص؛ في حين يهتم القانون العقابي الخاص بالجرائم التي تهدد المرفق او النشاط التي تباشره المؤسسة الحكومية (نظرية التجريم في القانون الجنائي ، د. رمسيس بهنام، ص82) ولذلك كان يجب على قانون الجامعات اليمنية وقانون الجامعات والمعاهد الاهلية وقانون التعليم العالي ان تقرر تجريم ومعاقبة افعال التزوير للمؤهلات الجامعية والافعال المساعدة والمسهلة لأركانها وان تقرر العقوبات الرادعة التي تتناسب مع خطورة هذا الفعل الاجرامي الشنيع كما كان يجب على هذه القوانين ان تتضمن الاجراءات والتدابير التي تحول دون ارتكاب هذه الجرائم حتى لاتكون مسؤولة عن تسهيل التزوير في الوثائق التي تصدرها او الموهلات التي تصدرها ويجب ان يكون التجريم والعقاب في القانون وليس في اللوائح لان العقوبات يجب ان تكون بنص قانوني وهذا ما نوصي به المختصين والمعنيين بهذا الموضوع المهم*. 


*الوجه الخامس* : *اشكالية جريمة تزوير المؤهلات الجامعية الصادرة عن الجامعات الخاصة* : 

*-----------------------*

*قانون الجرائم والعقوبات العام ينظر الى المؤهلات الجامعية الصادرة عن الجامعات الخاصة على انها محررات عرفية قبل المصادقة عليها او تعميدها من قبل وزارة التعليم العالي ولذلك فان الحد الاعلى للتزوير في المؤهلات الجامعية الصادرة عن الجامعات الخاصة يصل الى نصف العقوبة المقررة على تزوير المؤهلات الجامعية الصادرة من الجامعات الحكومية ، مع ان الاثر القانوني للمؤهل الجامعي واحد سواء أكان المؤهل صادراً من جامعة حكومية أو جامعة خاصة، وهذه المسألة دليل على المفارقات العجيبة التي تظهر في الواقع العملي نتيجة عدم وجود التجريم والعقاب الخاص لتزوير الموهلات الجامعية في قوانين الجامعات الحكومية والاهلية والتعليم العالي؛ فقانون الجرائم العام ينظر الى تزوير المؤهل الجامعي الصادر عن جامعة خاصة مثل التزوير في تذكرة دخول السينما لان المحررين عرفيين فعقوبتها واحدة وان اختلف حدها*.

*الوجه السادس *: *توصية ودعوة صادقة للمختصين والمعنيين في هذا الشأن* : 

*--------------------*

*بالإضافة الى توصيتنا بتضمين قوانين الجامعات الحكومية والاهلية والتعليم العالي نصوص قانونية  تتضمن التجريم والعقاب لتزوير المؤهلات الجامعية وان يتم تقرير العقوبات الرادعة والمناسبة لخطورة هذه الجرائم واثارها وتضمين تلك القوانين التدابير والاجراءات الكافية والمناسبة التي يجب على المختصين اتخاذها للحيلولة دون تزوير المؤهلات الجامعية فإننا نوصي أيضاً : بإعادة النظر في الاوراق والاختام والتوقيعات المستعملة والاجراءات المتبعة عند اصدار وثائق المؤهلات الجامعية للحيلولة دون تزوير المؤهلات الجامعية؛والله اعلم*.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني