المحكمة المختصة المقصودة في نصوص قانون التحكيم اليمني؟

 المحكمة المختصة المقصودة في نصوص قانون التحكيم اليمني؟


✒️القاضي مازن أمين الشيباني


⭕نص قانون التحكيم اليمني في كثير من نصوصه على إحالة بعض النزاعات الى ما أسماها (بالمحكمة المختصة) دون أن يبين المقصود منها هل المقصود المحكمة الابتدائية أم محكمة الاستئناف؟


◀️أولاً: بعض النصوص التي أحالت بعض النزاعات للمحكمة المختصة:


👈🏼 نصت المادة (13) من قانون التحكيم بقولها (على - المحكمة المختصة - أو التي يتفق طرفا التحكيم عليها أن تفصل في ......)


👈🏼 كما نصت المادة (14) أنه (في حال الخلاف على مصاريف التحكيم يكون الرجوع الى - المحكمة المختصة-)


👈🏼ونصت المادة (24) من قانون التحكيم على أن (طلب رد المحكم يقدم الى -المحكمة المختصة-)


👈🏼 كما نصت المادة (25) من ذات القانون على أنه (يجوز تقديم طلب عزل المحكم الى -المحكمة المختصة-)


👈🏼وجاء في المادة (50) حكم مضمونه (إيداع حكم التحكيم خلال ثلاثين يوما من صدوره لدى قلم كتاب -المحكمة المختصة-) ...الخ وغيرها من المواضع في قانون التحكيم اليمني التي استخدم فيها المقنن مصطلح (المحكمة المختصة) دون بيان هل المقصود المحكمة الابتدائية أم محكمة الاستئناف؟


👈🏼من لا يمتهن القانون من القراء الكرام لا يشكل الأمر بالنسبة له فارقا او مشكلة

وسيقول أن المقصود بداهة المحكمة الابتدائية، ولكن لا بد أن يحيط أولاً بسبب الإشكال.


◀️ثانياً: سبب الإشكال:

إن سبب المشكلة هو ما جاء في نص المادة (7/2) المادة الثانية من قانون التحكيم اليمني الفقرة السابعة منها من مقروءًة مع ما جاء في نص المادة (8) من ذات القانون،

فالمادة (7/2) عرفت المحكمة المختصة بقولها

((المحكمة المختصة : هي المحكمة المعنية بنظر النزاع – أو – التي يحيل اليها هذا القانون أي منازعات تخرج عن اختصاص لجنة التحكيم))

بينما نصت المادة (8) من ذات القانون بقولها ((تختص المحاكم الاستئنافية بنظر النزاعات التي يحيلها هذا القانون الى القضاء ما لم يتفق الطرفان على جعل الاختصاص لمحكمة أخرى))


الآن، بعد قراءة النصين (المادة (7/2)، والمادة 8) لنعد الى البند أولاً من هذا المنشور ونمعن في النصوص ونسأل، ما هي المحكمة المقصودة الواردة في المواد ١٣و ١٤ و٢٤ و٢٥ بقوله (المحكمة المختصة)؟،


هل المحكمة المعنية بنظر النزاع وفق المادة (7/2)؟ أم محكمة الاستئناف وفق المادة (8)؟

وهذا هو صلب المشكلة.


◀️ثالثاً: معنى المحكمة المختصة وفق المادة (7/2):


أورد قانون التحكيم في المادة (7/2) تعريفين للمحكمة المختصة، أو بالأصح معيارين مختلفين لتحديد معنى المحكمة المختصة التي يرد ذكرها في نصوص قانون التحكيم وذلك ان المادة (7/2) نصت بقولها

👈🏼 (المحكمة المختصة هي المحكمة المعنية بنظر النزاع – أو – المحكمة التي يحيل اليها هذا القانون أي منازعات تخرج عن اختصاص لجنة التحكيم) إذاً.. وفقا للمادة (7/2) فإن المحكمة المختصة المقصودة بقانون التحكيم تحدد بمعيارين مختلفين:


♦️المعيار الأول: قوله (المحكمة المختصة هي المحكمة المعنية بنظر النزاع)، والمحكمة المعنية بنظر النزاع ابتداءً هي المحكمة الابتدائية بكل تأكيد، والدليل على ذلك أن الفقرة الأولى من المادة (2) ذاتها عرفت التحكيم بقولها

((التحكيم هو اختيار الطرفين برضائهما شخصاً آخر أو أكثر للحكم بينهما – دون المحكمة المختصة – فيما يقوم بينهما من نزاعات)) فقوله (دون المحكمة المختصة) أي دون المحكمة الابتدائية المعنية بنظر النزاع، لأن المحكمة الابتدائية هي المحكمة التي تفتتح الخصومات أمامها، فيكون الخصوم بالخيار، إما أن يلجئا للتحكيم، أو يقدم صاحب المصلحة دعواه أمام المحكمة الابتدائية، وهذا المعنى هو الذي يستقيم مع قواعد الاختصاص النوعي المنصوص عليها في المادة (89/1) مرافعات والتي نصت بقولها


((تختص المحاكم الابتدائية في الحكم ابتدائياً في جميع الدعاوى التي ترفع اليها أيا كانت قيمتها أو نوعها))،

إذاً، المحاكم الابتدائية تعتبر هي المحاكم المعنية أصلا بنظر النزاع، لذلك فإن المقصود بالمادة (7/2) حين قالت (المحكمة المختصة هي المحكمة المعنية بنظر النزاع) المقصود بها (المحكمة الابتدائية المعنية ابتداءً بنظر النزاع)

♦️المعيار الثاني وفق المادة (7/2): وهو في قول النص

(أو المحكمة التي يحيل اليها هذا القانون أي منازعات تخرج عن اختصاص لجنة التحكيم)،

والمقصود هنا محكمة أخرى غير المحكمة المعنية بنظر النزاع،

لأن النص استخدم أداة العطف (أو) وهذه الأداة تعني المغايرة بين ما جاء قبلها وبين ما جاء بعدها،

لذلك فإن قوله (أو المحكمة التي يحيل اليها هذا القانون...) المقصود بها محكمة الاستئناف وليس المحكمة الابتدائية وذلك بأمارتين،

1️⃣الأمارة الأولى هي أداة العطف (أو) والتي ذكرنا أنها تستلزم المغايرة،

2️⃣ والأمارة الثانية هو نص المادة (8) من نفس القانون التي قالت ((تختص محاكم الاستئناف بنظر النزاعات التي يحيلها هذا القانون الى القضاء))

وبعد هذا التناقض الكبير نجد النصوص تقول:

- (يقدم طلب رد المحكم الى المحكمة المختصة)

- (يقدم طلب عزل المحكم الى المحكمة المختصة)

- (يودع حكم المحكم لدى...المحكمة المختصة)

....الخ


فهل يقصد القانون أنها المحكمة المعنية بنظر النزاع (الابتدائية) أم يقصد المحكمة التي يحيل اليها القانون (الاستئناف)؟؟؟!!!


◀️رابعاً: أسباب تناقض النصوص وعدم انسجامها:


إن سبب تناقض نصوص قانون التحكيم اليمني على هذا النحو الفاضح هو تطفل لجنة التقنين في مجلس النواب على نصوص قانون التحكيم المصري، فلجنة التقنين عند قيامها بصياغة قانون التحكيم قامت بالنقل من القانون المصري دون أن تراعي مقاصد المقنن المصري من جهة ولا القيود التي أوردها المقنن في قانون التحكيم المصري ولا الاعتبارات التي اخذها المقنن المصري بعين الاعتبار ولا اختلاف معنى (التحكيم الدولي) فيما بين القانون اليمني والقانون المصري،

واليكم كيف حدد قانون التحكيم المصري معنى المحكمة المختصة


◀️المحكمة المختصة وفق قانون التحكيم المصري


👈🏼نصت المادة (9) من قانون التحكيم المصري بقولها ((يكون الإختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون الى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أما اذا كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى في مصر أو في الخارج فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى))


👈🏼وكانت المادة (3) من قانون التحكيم المصري قد نصت بقولها (( يكون التحكيم دولياً في حكم هذا القانون اذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية وذلك في الأحوال الآتية

(أ) اذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في دولتين مختلفتين وقت ابرام العقد

(ب) اذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء الى منظمة تحكيم (دولية) أو مركز للتحكيم.

(ج) اذا كان موضوع النزاع الذي يشمله التحكيم مرتبط بأكثر من دولة واحدة

(د)....))

بينما نصت المادة (4/2) من قانون التحكيم اليمني بقولها

👈🏼((التحكيم الدولي يعني أن أطراف التحكيم من جنسيات مختلفة أو يكون موطنهم أو مقرهم الرئيسي في بلدان مختلفة أو اذا تم التحكيم في مركز دولي للتحكيم))

اي ان القانون اليمني اعتبر التحكيم بشأن اجرة الحضانة تحكيما دوليا طالما احد اطرافه ليس يمني!!


من جهة اخرى فان المقنن اليمني لم ينتبه أن المقنن المصري ربط بين قانون التحكيم المصري بقائمة قواعد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (اليونسترال) (UNCITRAL) الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 98/31 الصادر في 15 ديسمبر 1976م والتي تضمنت أحكاماً تتعلق باجراءات التحكيم التجاري الدولي وأحالت بعض المسائل الى جهات قضائية محددة في الدولة المنظمة الى المعاهدة والتي تكون طرفاً في أي تحكيم تجاري دولي، لذلك فإن القانون المصري اعتبر المحكمة المختصة هي المحكمة الابتدائية المعنية أصلاً بنظر النزاع كقاعدة عامة، والاستثناء في حال اذا كان التحكيم تجاريا دولياً فإن المحكمة المختصة هي محكمة استئناف القاهرة أو أي محكمة (استئناف) أخرى يتفق عليها اطراف التحكيم،


👈🏼 فحتى اتفاق أطراف التحكيم مقيد بأن تكون المحكمة المتفق عليها محكمة (استئناف)، ولهذا السبب نجد أن قانون التحكيم المصري كان يستخدم عبارة مختلفة تماماً عما هو الحال في القانون اليمني، فمثلاً نصت المادة (14) من قانون التحكيم المصري بقولها

👈🏼(يجوز للمحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون أن تأمر بناء على طلب أحد طرفي التحكيم...)


👈🏼كما نصت المادة (1/17/أ) تحكيم مصري بقولها( إذا كانت هيئة التحكيم مكونة من محكم واحد تولت المحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون اختياره)


👈🏼 وكانت المادة (3/19) من قانون التحكيم المصري كذلك قد نصت بقولها (لطالب الرد أن يطعن بالحكم.... أمام المحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون) وقد صدر حكم من المحكمة الدستورية المصرية بعدم دستورية هذه الفقرة وتم استبدالها بنص اخر،

والشاهد هنا أن القانون المصري دوماً يحيل الى نص المادة (9) لمعرفة المحكمة المختصة، بينما القانون اليمني استخدم عبارة (المحكمة المختصة) ما يجعل المطلع في حيرة هل المقصود بها المحكمة وفقاً للمادة (7/2) أم المقصود بها المحكمة وفقاً للمادة (8)؟!


◀️خامساً: حل إشكالية التناقض في القانون اليمني:


إن قانون التحكيم اليمني قد وقع في تناقض رهيب في تحديد المحكمة المختصة بنظر النزاعات التي تتعلق بالتحكيم وتخرج عن اختصاص لجنة التحكيم، فلا هو جعلها المحكمة الابتدائية ولا جعلها محكمة الاستئناف؟،

ويجب الانتباه هنا أن المادة (8) التي جعلت الاختصاص لمحكمة الاستئناف حددت اختصاصها بالمسائل التي يحيلها قانون التحكيم ذاته الى القضاء،

بينما الفقرة الثانية من المادة 7/2 قالت (...أو التي يحيل اليها هذا القانون أي منازعات تخرج عن اختصاص لجنة التحكيم)


👈🏼 وهنا نكون أمام إشكالية أخرى، فالمادة (24) مثلا من قانون التحكيم نصت بقولها ((يقدم طلب رد المحكم إلى المحكمة المختصة في ميعاد أسبوع واحد من يوم اخطار طالب الرد بتعيين المحكم او من يوم علمه بالظروف المبررة للرد وتقوم المحكمة المختصة بالفصل في الطلب خلال أسبوع واحد على وجه الاستعجال فإذا رفضت المحكمة الطلب جاز لطالب الرد الطعن في قرارها أمام المحكمة الاعلى درجه خلال أسبوعين من تاريخ استلام القرار كما انه يجوز تقديم طلب الرد إلى لجنة التحكيم ذاتها وتطبق نفس الإجراءات المذكورة في هذه المادة))،


👈🏼 فمقدمة النص قال يقدم طلب الرد الى( المحكمة المختصة)، وهنا إذا اعتبرنا أنها محكمة الاستئناف فإن هذا يعني أن طلب الرد يجب ان يكون خارج اختصاص لجنة التحكيم طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة (7/2)،


إلا أن نهاية المادة (24) ذاتها قالت ((كما يجوز أن يقدم طلب الرد الى لجنة التحكيم ذاتها...))


إذا.. يعتبر طلب الرد ضمن صلاحيات لجنة التحكيم وهو ما يعني أن الفقرة (7/2) التي قالت (أو المحكمة التي يحيل اليها هذا القانون أي منازعات «تخرج عن اختصاص لجنة التحكيم») غير منطبقة على طلب رد المحكم كونه يدخل ضمن صلاحيات لجنة التحكيم!!


ومن قبيل التناقض كذلك ما جاء في المادة (28) من قانون التحكيم التي نصت بفقرتها الأخيرة بقولها ((... وإذا تم الفصل في الدفع برفضه جاز الطعن بهذا الحكم أمام محكمة الاستئناف))


دققوا بالنص... فهنا لم يقل ((جاز الطعن به أمام (المحكمة المختصة))


بل قال بالحرف (أمام محكمة الاستئناف) ... إذاً... ما هي المحكمة المختصة المذكورة في باقي النصوص طالما أنه حدد هنا محكمة الاستئناف بالحرف؟

لماذا لم يقل (جاز الطعن به أمام المحكمة المختصة)؟!

اذا المحكمة المختصة ليست هي محكمة الاستئناف لان القانون اينما يريد يجعل الاختصاص للاستئناف فانه يذكرها بالإسم


هذا التناقض الكبير والرهيب في نصوص قانون التحكيم اليمني يستدعي تدخل عاجل من لجنة التقنين في مجلس النواب لمعالجة هذه النصوص المتضاربة المتصادمة مع بعضها التي تجعل اللبيب حيران.


لقد جرى العمل في الميدان أن المحكمة المختصة بأي نزاع يتعلق بالتحكيم هي محكمة الاستئناف، عدا ما يتعلق بطلب عزل المحكم فقد تواترت الأحكام أن الاختصاص ينعقد فيه للمحكمة الابتدائية دون أن يوجد أي أساس قانوني لهذه التفرقة سوى التطبيق العملي في الميدان.


إن حصر الاختصاص في مسائل التحكيم لمحكمة الاستئناف يزيد من تعقيد الأمور على أرض الواقع بسبب ازدحام القضايا على محاكم الاستئناف ما يؤدي الى بطئ الإجراءات في القضايا المحالة عليها وفق قانون التحكيم اليمني رغم ان التحكيم لم يشرع الا لما يمتاز به من سرعة،


لذلك نرى أن يتم الغاء المادة (8) من قانون التحكيم اليمني، ويتم حصر الاختصاص في المحاكم الابتدائية بكافة المسائل التي يحيلها قانون التحكيم الى القضاء فيما عدا مسائل التجارة الدولية مع مراعاة إضافة كلمة (ابتداءً) للفقرة (7/2) لتكون صيغتها على النحو التالي (المحكمة المختصة هي المحكمة المعنية ابتداءً بنظر النزاع)


وللحديث بقية ...


دمتم برعاية الله


✒️القاضي مازن أمين الشيباني.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني