مدى لزوم التوقيع على وثيقة التحكيم

 مدى لزوم التوقيع على وثيقة التحكيم


أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

وثيقة التحكيم هي سند ولاية المحكمين للفصل في النزاع، ولذلك فقد اشترط القانون ان تكون مكتوبة وان تتضمن الوثيقة اختيار أو تسمية المحكمين وتحديد موضوع التحكيم ،فاذا كانت وثيقة التحكيم قد تمت على هذا النحو فلا يلزم ان يقوم الخصوم بالتوقيع على الوثيقة، هذا ما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/10/2017م في الطعن رقم (59032)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المدعي ببطلان حكم التحكيم قد ذكر في دعواه بأنه لم يقم بالتوقيع على وثيقة التحكيم وإن التوقيع الظاهر في ذيلها هو لولده في حين انه لم يصدر منه توكيل لولده لمباشرة اجراءات التحكيم ولذلك فان وثيقة التحكيم باطلةحسبما ورد في دعوى البطلان، وقد تضمنت وثيقة التحكيم اسماء الشهود ،ولذلك فقد كلفت محكمة الاستئناف كاتب الوثيقة والشهود بالحضور حيث ادلى الكاتب والشهود بشهاداتهم ومفادها: ان المحتكم كان حاضراً وقت تحرير وثيقة التحكيم وقد صرح في الموقف بانه قد فوض وحكم المحكمين للفصل في نزاعه مع غريمه وان ذلك التحكيم كان بموافقته ورضاه واما التوقيع على الوثيقة فقد كان من قبل ابنه، وإستنادا إلى ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف برفض دعوى البطلان، وبعد ذلك اقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم الدائرة (فالطعن غير ذي جدوى فلا يخفى ان محكمة الاستئناف لم تعتبر ابن الطاعن وكيلاً عن والده في التحكيم مطلقاً ولم تعتبر انه عند التوقيع على وثيقة التحكيم قد قام بالتوقيع بصفته وكيلا لوالده حيث ان والده كان حاضراً عند تحرير وثيقة التحكيم فقد تمت كتابة الوثيقة بناءً على رضا الطاعن واختياره وقد كان ذلك بحضور الشهود الذين شهدوا مع كاتب الوثيقة بان الطاعن كان حاضراً في الموقف وكان حينها موافقاً على وثيقة التحكيم وليس في القانون ما يلزم المحتكم بالتوقيع على الوثيقة طالما أنه قد تم الاشهاد عليها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:


الوجه الأول: الكتابة مظهر الشكلية في وثيقة التحكيم:


لأهمية وثيقة التحكيم فقد اشترط قانون التحكيم بعض الشكلية في وثيقة التحكيم وتظهر هذه الشكلية في الكتابة فقد اوجب القانون ان تكون وثيقة التحكيم مكتوبة، وفي هذا المعنى نصت المادة (15) تحكيم على أن (لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة سواء قبل قيام الخلاف او بعد ذلك وحتى لو كان طرفي التحكيم قد اقاموا الدعوى أمام المحكمة ويكون الاتفاق باطلاً اذا لم يكن مكتوباً، ويكون مكتوباً اذا تضمنته وثيقة تحكيم او شرط تحكيم او برقيات او خطابات او غيرها من وسائل الاتصال الحديثة) وصفوة القول في هذا الشأن ان هذا النص قد اشترط الكتابة، وهي فقط المظهر الوحيد لشكلية وثيقة التحكيم،وهذه الشكلية لازمة نظرا لأهمية وثيقة التحكيم وحتى يسهل إثباتها والاحتجاج بها والاستناد اليها.


الوجه الثاني: البيانات الواجب توفرها في وثيقة التحكيم:


من خلال مطالعة نص المادة (15) تحكيم السابق ذكرها ومطالعة المادتين (16 و 17) تحكيم نجد ان هذه النصوص قد اشترطت ان تكون وثيقة التحكيم مكتوبة وان تكون على هيئة عقد مستقل او على شكل شرط تحكيم في عقد واشترطت المادة (17) ان تتضمن الوثيقة تعيين او تسمية المحكم او المحكمين كما ينبغي أن تتضمن الوثيقة موضوع التحكيم.


الوجه الثالث: انواع وثائق التحكيم:


من خلال مطالعة نص المادة (15) تحكيم السابق ذكره في الوجه الأول نجد انها قد اشترطت ان تكون وثيقة التحكيم مكتوبة، إلا أن ذلك النص توغيره لم يشترط فيها ان تكون على هيئة اتفاق أو عقد مكتوب في وثيقة واحدة ،فمن الجائز ان يقوم كل محكم بتفويض وتعيين المحكم في وثيقة مستقلة صادرة منه في حين يقوم المحكم الأخر من جانبه بتحرير وثيقة صادرة منه يفصح فيها عن تفويض وتعيين المحكم او المحكمين، كما ان مفهوم الكتابة في نص المادة (15) تحكيم واسع فيجوز ان تكون وثيقة التحكيم على هيئة رسالة مكتوبة موجهة بالبربد أو عن طريق رسول إلى المحكم او غيره كما قد تكون الرسالة نصية موجهة عن طريق الهاتف أو الايميل حسبما ورد في المادة (15) تحكيم التي صرحت بجواز ان تكون وثيقة التحكيم على هيئة خطابات او برقيات او غيرها من وسائل الاتصال الحديثة، إلا أنه يجب على المتمسك بالبرقيات او الرسائل او الخطابات إثبات صحة نسبتها للمحتكم الذي صدرت منه.


الوجه الرابع: إثبات نسبة الوثيقة المكتوبة للخصم المحتكم:


في الوجه السابق اشرنا إلى ان المادة (15) تحكيم قد اشترطت الكتابة ولكنها توسعت في مفهوم الوثيقة المكتوبة حيث اجازت ان تكون الوثيقة على هيئة خطاب يوجهه المحتكم إلى المحكم او غيره يصرح فيه المحتكم بانه قد اختار فلاناً محكماً كما اجازت المادة المشار اليها ان تكون وثيقة التحكيم على هيئة برقية يوجهها المحتكم إلى المحكم او غيرها، وفي الوقت ذاته اجازت تلك المادة للمحتكم أن يوجه الرسالة او الخطاب عن طريق وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف والايميل، شريطة ان يتم إثبات نسبتها إلى المحتكم الذي صدرت منه، ويتم إثبات ذلك عن طريق وسائل الإثبات المقررة قانوناً كالإقرار والشهادة والتوقيع الإلكتروني وصدور المحرر من هاتف او ايميل المحتكم، وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد اثبت موافقة ورضاء المحتكم بالتحكيم عن طريق شهادة الشهود، وينبغي ان لا يختلط مفهوم الكتابة مع الإثبات، فطالما والوثيقة مكتوبة فيجوز إثباتها بأية طريقة، لان النص القانوني اشترط ان تكون الوثيقة مكتوبة ولكنه لم يشترط إثباتها بطريقة بعينها فقد اجاز إثباتها بأية طريقة من طرق الإثبات المقررة قانوناً.


الوجه الخامس: مدى إشتراط توقيع المحتكم على وثيقة التحكيم:


كان جانبا من الخلاف في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا يدور بشأن دعوى المدعي بالبطلان بانه لم يقم بالتوقيع على وثيقة التحكيم، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان النصوص القانونية المتعلقة بوثيقة التحكيم لم تشترط توقيع المحتكم على وثيقة التحكيم طالما والوثيقة مكتوبة وقد تضمنت إثبات موافقة ورضاء وقبول المحتكم بالتحكيم، فلا يشترط توقيع المحتكم على الوثيقة إلا اذا لم يتم الاشهاد على وثيقة التحكيم اما اذا تم الاشهاد عليها فلا يلزم توقيع المحتكم حسبما قضى به الحكم محل تعليقنا وحسبما ورد في المادة (106) إثبات التي نصت على أنه (اذا كان المحرر العرفي مكتوباً بخط الغير وغير موقع عليه من الخصم فيجب الاشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه غير أنه اذا كان كاتب المحرر معروفاً بالعدالة والأمانة وحسن السيرة وكان خطه معروفاً للقاضي لشهرته أو كان قد اقر أمامه انه كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فأنه يجوز الأخذ بما جاء في المحرر مالم يثبت الخصم غير ذلك ببينة قانونية) ولذلك فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد فند قول الطاعن بانه لم يقم بالتوقيع على وثيقة التحكيم لان وثيقة التحكيم كانت ثابتة بشهادة الشهود كما ان كاتب الوثيقة نفسه قد اقر بانه حرر الوثيقة بناء على موافقة ورضاء وطلب الطاعن،والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني