وجوب التحكيم قبل الفسخ للكراهية

وجوب التحكيم قبل الفسخ للكراهية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
لا ريب أن التحكيم في الخلافات بين الأزواج له خصوصية تميزه عن التحكيم في الخلافات الاخرى، ولا شك أن للتحكيم في الخلافات الزوجية مقاصد واهداف، ويتأكد هذا المفهوم عند الحديث عن التحكيم في الفسخ للكراهية الذي نظمه قانون الاحوال الشخصية، وللتحكيم في الفسخ للكراهية اهمية بالغة ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/1/2013م في الطعن الشخصي رقم (46863) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد الازواج تقدم أمام المحكمة الابتدائية ضد والد زوجته طالباً إعادة زوجته إلى بيت الزوجية استناداً إلى المادة (104) أحوال شخصية وذكر الزوج المدعي ان زوجته ذهبت الى منزل أبيها للزيارة ولكن والدها رفض عودتها، وفي اثناء إجراءات التقاضي تقدمت الزوجة بدعوى مقابلة طلبت فيها فسخ زواجها من زوجها المدعي لكراهيتها الشديدة له، وقد سارت محكمة أول درجة في إجراءاتها حتى توصلت إلى الحكم بعدم قبول الدعوى الأصلية الموجهة إلى والد الزوجة لتقديمها على غير ذي صفة وعدم إقامة البينة على ما ورد فيها، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي (فقد تبين للمحكمة كراهية الزوجة المدعية فرعياً بسبب معاناتها ووصول تلك المعاناة إلى كراهية شديدة لزوجها إلى حد لا يمكن اصلاح الشأن بين الزوجين وقد ثبت ذلك بإفادة الزوج بأنه قد قام بتوسيط عدة اشخاص لإرجاع زوجته والإصلاح بينهما إلا أن تلك المحاولات قد باءت بالفشل، ولما كانت الحال كذلك وكانت الكراهية الشديدة من المدعية لزوجها أمر باطني خفي من اعمال القلب ولكن بالأمكان الاستدلال عليها بقرائن الحال، وحيث أن افتداء الزوجة لنفسها ثابت ومشروع وحيث أن الزوجة صرحت بالفسخ أمام المحكمة في مواجهة زوجها وحيث أن الزوج رفض طلاق زوجته وحيث ان ذلك يخول المحكمة فسخ عقد نكاح المدعية المذكورة) فلم يقبل الزوج بالحكم الابتدائي فقام باستئناف الحكم فقضت الشعبة بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع الزوج بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الشخصية تنبهت إلى أنه قد فات على محكمتي الموضوع ندب حكمين للإصلاح بين الزوجين المتنازعين مع أن الطاعن لم يثر هذه المسالة في طعنه، فقضت الدائرة الشخصية بنقض الحكم الاستئنافي لهذا السبب اي عدم بعث حكمين للاصلاح بين الزوجين قبل الحكم بالفسخ، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (فمن خلال دراسة الدائرة للطعن فقد وجدت أنه عبارة عن مناقشة لموضوع النزاع والوقائع مما يستوجب طرحه غير أن تبين للدائرة ان الحكم بفسخ عقد النكاح بين الزوجين قد خلا ابتداء واستئنافاً من احالة الزوجين للحكمين وهو أمر وجوبي اذ نصت المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية على انه (اذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية وجب على القاضي ان يتحرى السبب فان ثبت عين حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهلها للإصلاح بينهما ...ألخ) وحيث أن النص وجوبي وحيث أن العلة من هذا النص هو بذل الجهد في محاولة الإصلاح بين الزوجين ممن لهما دراية بأحوالهما الزوجية فلا يكفي ما اشارت اليه المحكمة الابتدائية باكتفائها بما تم من محاولات الوسطاء للإصلاح بين الزوجين، فخلو حكمي محكمتي الموضوع من هذا الإجراء يعتبر مخالفة صريحة للقانون مما يجعل الحكم المطعون فيه مخالفاً للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : وجوب التحكيم قبل الحكم بالفسخ للكراهية :
نصت المادة (54) أحوال شخصية على أنه (اذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية وجب على القاضي أن يتحرى السبب فان ثبت له عين حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهلها للإصلاح بينهما والا امر الزوج بالطلاق فان امتنع حكم بالفسخ وعليها ان ترجع المهر) وقد استند الحكم محل تعليقنا إلى هذه المادة في نقضه للحكم الاستئنافي الذي ايد الحكم الابتدائي الذي قضى بفسخ الزواج للكراهية من غير أن يسبق ذلك ندب المحكمين لمحاولة الإصلاح بين الزوجين، وهذا الاجراء وجوبي حسبما ورد في سياق النص وحسب ما قضى به الحكم محل تعليقنا حيث يترتب على هذه المخالفة بطلان الحكم.
الوجه الثاني : مهمة الحكمين قبل الفسخ للكراهية :
مهمة الحكمين حسبما ورد في المادة (54) أحوال شخصية السابق ذكرها هو الإصلاح بين الزوجين، وأساس ذلك قوله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } [سورة النساء(35)] فبعث الحكمين عند كثير من الفقهاء وجوبي بإعتبار العلاقة الزوجية حلقة من اهم حلقات الترابط الاجتماعي ولذلك فقد حرصت الشريعة الاسلامية على معالجة الخلافات الزوجية وإصلاح ذات البين بين الازواج، ولذلك فان بعث الحكمين واجب قبل ان يحكم القاضي بالفسخ، لأن الفسخ فرقة بين الازواج فلا يتم اللجوء اليها الا اذا ثبت لدى القاضي بما لا يدل مجالاً للشك تعذر إصلاح الشقاق بين الزوجين.
الوجه الثالث : بعث الحكمين للاصلاح بين الزوجين قبل الفسخ للكراهية من النظام العام :
لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الاستئنافي الذي فسخ الزواج للكراهية من غير ان يسبق ذلك بعث حكمين للإصلاح بين الزوجين المتنافرين كما ان المحكمة العليا قد تصدت لهذه المسألة من تلقاء ذاتها من غير ان يثيرها الخصوم باعتبار هذه المسألة من النظام العام لان النص الذي قرر بعث الحكمين يفيد الوجوب، وبما ان بعث الحكمين من النظام العام فلا يجوز الاستعاضة عنه او استبداله بأية وسيلة اخرى للإصلاح بين الزوجين كبعث الوسطاء او المشائخ او العقال او الشخصيات الاجتماعية من غير اهل الزوجين للإصلاح بين الزوجين، لان النص قد اشترط ان يكون الحكمان واحد من أهل الزوج والاخر من أهل الزوجة لان الحكم حين يكون من الزوحين يكون الاكثر معرفة لأسباب الخلاف بينهما وكيفية معالجته، فالأزواج المختلفون يفصحون للحكم من اهلهم بكل شئونهم وشجونهم ،فعندئذ يستطيع الحكم معرفة حقيقة الخلاف وأسبابه فيكون الاجدر للإصلاح بين الزوجين ،والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني