حيازة الانتفاع وحيازة الملك

اثبات حيازة الانتفاع وحيازة الملك

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إشكاليات الحيازة تتعدد في اليمن وتظهر بمظاهر مختلفة ومن ذلك إشكاليات الخلط عند البعض فيما بين حيازة الملك وحيازة الانتفاع ،وقد قضى الحكم محل تعليقنا بالتفريق بين الحيازتين اضافة الى ان هناك كثرة تظهر حين اثبات حيازة الملك او الانتفاع ، ولأهمية ذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/1/2013م في الطعن المدني رقم (47010) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ورثة تقدموا بدعوى ضد اختهم وزوجها بانهما يحاولا بيع المنزل الذي كان لمورثهم وأن الورثة سمحوا لاختهم وزوجها بالسكن في المنزل حينما تزوجت اختهم بالمذكور، فرد المدعى عليهما الاخت وزوجها بأن المنزل كان لشخص اجنبي سمح لوالد الورثة بالسكن فيه ثم مات الشخص الاجنبي وكان لا وارث له وان المدعى عليهما قد سكنا في المنزل منذ 1961م واستمرا فيه الى وقت رفع الدعوى عليهما، وقد قضت المحكمة الابتدائية بثبوت الحيازة للمدعى عليهما وقنوع المدعين عن المطالبة بالمنزل محل النزاع لاتفاق الطرفين على أن الزوجة والزوج المدعى عليهما يقيما في المنزل منذ 1961م وان المنزل كان في الأصل ملكا لشخص اجنبي غير يمني ترك اليمن ، فقام الورثة المدعون باستئناف الحكم الابتدائي حيث قبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت بالغاء الحكم الابتدائي معللة حكمها : بان المنزل كان موهوباً من الاجنبي للمورث والد المستأنفين وأن الورثة لم يسمحوا للمدعى عليهما بالسكن في المنزل محل النزاع الا بسبب المصاهرة وزواج المدعى عليه بأخت المستأنفين فلم يقبل الزوجان بالحكم الاستئنافي فقاما بالطعن فيه بالنقض فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي بسبب عدم مناقشة الحكم لكيفية الحيازة للتأكد مما اذا كانت حيازة انتفاع أو حيازة ملك، فقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة أن الطعن بالنقض مؤثر في صحة وسلامة ما قضى به الحكم المطعون فيه حيث أنه من الثابت في الأوراق تصادق الطرفين على ان الشخص الأجنبي صاحب مصنع ... منح كبار موظفيه في حياته عشرة منازل منها المنزل محل النزاع الذي منحه لمورث المطعون ضدهم الذي كان يسكن فيه الى حين موته وحيث أن الطاعن بالنقض كان يسكن خارج المنزل ولم يقيم في المنزل الا بعد زواجه بابنة المورث أخت المطعون ضدهم لذلك فقد غاب عن كل الحكمين الابتدائي والاستئنافي مناقشة التفرقة بين حيازة الملك وبين حيازة الانتفاع المنصوص عليها في المادة (1103) مدني وقد احسنت هيئة الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه بالغاء حكم محكمة أول درجة لفساد أسبابه غير أن الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه لم تناقش مسألة الحيازة بحسب ما قررته المادة (288) مرافعات فلم تناقش هذه المسألة مناقشة دقيقة في ضوء ما طرح عليها وما سبق، فكل طرف كما ورد في أسباب الحكم الاستئنافي يدعي ملكية المنزل، وحيث ان الثابت أن دعوى الملك تسمع على ذي اليد الثابتة،وحيث انه من الثابت في القانون أن حيازة الملك لا تزول بمانع وقتي يمنع الحائز من السيطرة الفعلية على الشيء كغياب الحائز عن مكانه أو وجود عذر لديه حسبما ورد في المادة (1107) مدني ومنه تنتقل إلى الخلف العام حسبما ورد في المادة (1110) مدني وهو مالم تناقشه الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه ولم تفرق وفقاً للقانون بين حيازة الملك وبين حيازة الانتفاع وخاصة في وجود الموانع الأدبية فلم تناقش ذلك وبدلاً من ذلك قضت في منطوق حكمها بتثمين المنزل المتنازع عليها وقسمته بين الطرفين المتنازعين مناصفة مما يتعين معه قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : حيازة الملك واثباتها :

حيازة الملك هي ثبوت الحائز على العقار وظهوره عليه بمظهر المالك من غير معارضة أو مطالبة أو منازعة حيث يتصرف الحائز بالعقار كتصرف المالك مثل قيامه بالزرع في الأرض والاحياء فيها أو الاصلاح أو الترميم للدار أو احداث بناء فيها أو تأجيرها أو رهنها شريطة انعدام المنازعة أو المعارضة له أو مطالبة له بتسليم الأرض أو العين أو غلالها، والغالب أن تأتي المعارضة والمطالبة من المالك، ومن مظاهر حيازة الملك ايضا ان يقوم الحائز بتسجيل العقار باسمه، ويشترط في حيازة الملك حتى تكون مكسبة للملكية أن يكون الحائز قد وضع يده على العين بصورة شرعية وتبعاً لذلك لا يكون الغاصب للعين حائزا للعين حيازة شرعية مكسبة للملكية مهما تقادم الوقت حتى لو ظهر عليها بمظهر المالك وتوفرت بقية شروط حيازة الملك ، ولا شك أنه عند النزاع بشان الحيازة يجب إثبات حيازة الملك ،حيث يتم اثباتها بوسائل الإثبات المقررة شرعاً وقانوناً وفي مقدمتها المحررات لان الملكية العقارية حدد القانون وسيلة اثباتها وهي المحررات أي الكتابة إلا أنه من الممكن في حالة عدم وجود وثائق كتابية لدى الطرفين المتنازعين إثبات الحيازة عن طريق وسائل الإثبات المختلفة كشهادة الشهود، ومثلما اشترط القانون في حيازة الملك ان تكون مستمرة ومتواصلة لمدة تزيد على ثلاثين سنة فيجب على الحائز اثبات استمرار حيازته للعين محل النزاع طوال هذه الفترة وعدم انقطاعها، فلا يكفي أن يقوم الحائز بإثبات حيازته وقت النزاع أو قبل النزاع بمدة تقل عن الثلاثين سنة التي اشترطها القانون للحيازة المكسبة للملكية، وقد ذكرنا ذلك لان بعض الغاصبين يعمد إلى إثبات حيازته خلال فترة النزاع أو خلال الفترة السابقة على نظر المحكمة في النزاعحتى يصبغ على فعله غير المشروع الصبغة الشرعية فيلبس الغصب بلباس الحيازة والثبوت ( الحماية الاجرائية للحيازة ،د محمد عبد النبي،ص93).

الوجه الثاني : حيازة الانتفاع وإثباتها :

حيازة الانتفاع هي قيام الشخص بوضع يده على العين على وجه الانتفاع أي بصفته منتفعاً بالعين وليس مالكاً لها، وهناك مظاهر يظهر منها ان الحيازة تكون على سبيل الانتفاع من ذلك العلاقة فيما بين المالك الأصلي والحائز سواء اكانت العلاقة اسرية أو ودية أو عداوة، فالعلاقة الاسرية تدل على ان الحيازةحيازة الانتفاع مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فقد كان الحائز للعقار بنت المؤرث وزوجها، فعلاقة النسب والمصاهرة مهما كانت درجاتها تكون دليلاً على أن الحيازة انتفاع وليس ملك، وكذلك الحال بالنسبة للعمال التابعين للمالك فالعلاقة القائمة فيما بينهم وبين المالك تدل على أن حيازة أي منهم للعين تدل على ان حيازة التابع لاموال المتبوع تكون على سبيل الانتفاع وليس الملك، فعلاقة التبعية بين التابع والمتبوع تدل على ان الحائز التابع ليس مالكاً مهما طالت مدة حيازته، كذلك الحال بالنسبة للمستأجر والمستعير أو المنتفع فأن حيازته للعين تدل على الانتفاع ولا تدل على حيازة الملكية ،لان عقد الإيجار وما في حكمه هو مجرد تمليك منفعة وليس تمليك رقبة ، كما ان علاقة الانتفاع التي تنشأ فيما بين المالك الأصلي والمستأجر الأصلي ومن في حكمها تكون حجة على خلفهما العام حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، ويمكن اثبات حيازة الانتفاع بأي وسيلة من وسائل الاثبات، فليس هناك وسيلة محددة للاثبات في هذه الحالة أو ترتيب معين بين وسائل الإثبات بخلاف الحتل بالنسبة لحيازة الملك التي ينبغي على المالك أن يثبت مليكته بالمحررات الكتابية المعدة أصلاً لاثبات الملكية العقارية ، فيتم اثبات حيازة الانتفاع بالشهادات غالباً أو بالقرابة سواء اكانت قرابة النسب كالاخوة والعمومة والخؤولة او قرابة مصاهره كاخ الزوجة او زوج الاخت وكذا اثبات علاقة التبعية فيما بين المالك والحائز.

الوجه الثالث : مناقشة أدلة الحيازة سواء أكانت ملكاً أم انتفاعاً :

كان حكم المحكمة العليا قد المح الى ان الحكم الاستئنافي قد اصاب حينما قضى بالغاء الحكم الابتدائي حيث يفهم من ذلك أن الحيازة كانت على سبيل الانتفاع ومع ذلك فقد قضى حكم المحكمة العليا بنقض الحكم الاستئنافي لسببين الأول : ان الحكم الاستئنافي قضى بتقسيم المنزل مناصفة بين الطرفين خلافاً لقواعد الفرائض الشرعية والسبب الثاني أن الحكم الاستئنافي لم يناقش مسألة الحيازة ونوعها وادالتها، حيث كان ينبغي ان يناقش الحكم أدلة الملكية وأدلة الحيازة، وتكون المناقشة أهم وسيلة من وسائل تقدير الادلة ووزنها، والمناقشة على هذا النحو تقتضي أن يقوم القاضي بعرض أدلة الملكية وهي الهبة الصادرة من الأجنبي إلى مؤرث الطرفين حيث يتم عرض هذه الأدلة بحسب أهميتها وبيان المأخذ التي عليها وعناصر القوة والحجية فيها وهذا ما يسمى بتقدير الأدلة ووزنها أي بيان مالها وما عليها كما ينبغي على قاضي المحكمة أن يعرض أدلة الحيازة بحسب أهميتها وبيان مالها وما عليها، ثم يتدرج القاضي إلى الترجيح بين أدلة الطرفين ثم ينطق بالحكم في ضوء ذلك بحسب عدد الأدلة أو قوتها أو مرتبتها وفي ذلك يتم الحكم،والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني