حجج المنادين بحذف المحررات الموثقة عام 2002م

 حجج المنادين بحذف المحررات الموثقة عام 2002م

حجج المنادين بحذف المحررات الموثقة عام 2002م

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في مقال سابق أشرنا إلى نكوص المقنن اليمني وتراجعه في تعديلاته لقانون المرافعات عام 2002م، وحذفه للمحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية المنصوص عليها في المادة (328) من القانون النافذ، وقد كان السبب المعلن عند المنادين بحذف المحررات الموثقة في ذلك الوقت: أن أقلام التوثيق في اليمن غير مؤهلة لتوثيق المحررات وجعلها سندات تنفيذية مثلما هو الحال في دول العالم كافة التي تنص قوانينها صراحة على إعتبار المحررات الموثقة سندات تنفيذية ، وكذا قولهم بأن صعوبات واشكاليات عملية تقع عند تنفيذ المحررات الموثقة ، ومن ابرزها عدم وضوح الالتزامات الواردة في المحررات وعدم ترتيب الالتزامات من حيث تنفيذها وعدم تحديد تاريخ أو وقت تنفيذ تلك الالتزامات المقررة في تلك المحررات.

وفي هذه المقالة سنعرض حجج من نادى عام 2002بحذف المحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية في اليمن والرد على تلك الحجج، وذلك على النحو الآتي:

الحجة الأولى: 

للمنادين بحذف المحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية هي القول بأن أقلام التوثيق في اليمن لا تؤدي دورها على النحو المتبع في دول العالم، وتبعا لذلك فان المحررات الموثقة في اليمن لن تكون مماثلة للمحررات الموثقة في دول العالم :

ويمكن الرد على هذه الذريعة كما يأتي:

1- ما ذكره الذاهبون إلى هذا القول كان في عام 2002 قبل صدور قانون التوثيق الجديد رقم (7) لسنة 2010 ولائحته التنفيذية الصادرة عام 2018وانجاز دليل الموثقين والامناء عام 2024، وبموجب ذلك فقد صار نظام التوثيق في اليمن يضاهي انظمة التوثيق في الدول الأخرى.

2- قول الذين نادوا بحذف المحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية على إفتراض صحته فانه ليس عيباً في نظام التوثيق في اليمن وإنما عيب في تطبيق وفهم نظام التوثيق، هذا إذا صح ما ذكره الذين نادوا عام 2002 بحذف المحررات الموثقة.

 فالعيب في تطبيق وفهم نظام المحررات الموثقة يمكن تداركه عن طريق صياغة الأدلة الإجرائية والإرشادية لأعمال التوثيق ووضع نماذج وصيغ للعقود والمحررات وقد قامت بإعداد لجنة فنية متخصصة باعداد هذا الدليل وانجازه في بداية عام 2024، وقد كنت عضوا في تلك اللجنة التي أعدت الدليل،وعند إعداد ذلك الدليل تم الاسترشاد بافضل ادلة التوثيق في الدول العربية ، وقد تضمن ذلك الدليل الاجراءات الكافية والمناسبة لتوثيق المحررات بالاضافة الى نماذج لكافة اجراءات التوثيق وكذا نماذج لكافة العقود والتصرفات والمحررات ،وان شاء الله سيتم اصدار الدليل المشار إليه وتعميمه على كافة الموثقين والامناء في القريب العاجل.

3- في سبيل توفير الثقة في للمحررات الموثقة سيتم تدريب الموثقين على على كيفية تطبيق دليل الموثقين السابق ذكره بما ذلك كيفية مباشرة اجراءات التأكد من شخصيات أطراف المحرر وأهليتهم للتصرف وملكيتهم للأموال محل التصرف في المحرر ، والتحقق من صياغة فقرات وبنود المحررات وترتيبها وتحديد تواريخ تنفيذها حتى تكون المحررات الموثقة قابلة للتنفيذ بيسروسهولة في المستقبل كسند تنفيذي.

4- حتى لو كان القول صحيحا بوجود عيوب في إجراءات التوثيق لدى أقلام التوثيق في اليمن ، فان ذلك لا يبرر حذف المحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية، لانه من الممكن معالجة تلك العيوب.

5- إجراءات توثيق المحررات لدى أقلام التوثيق وفقاً لقانون التوثيق النافذ ولائحته التنفيذية ودليل الموثقين والامناء واضحة ومبسطة ،فاذا تم العمل بموجبها فان المحررات الموثقة تكون سندات تنفيذية، فوفقاً لقانون التوثيق ولائحته التنفيذية ودليل الموثقين والامناء فإن إجراءات توثيق المحررات تتلخص في حضور أطراف المحرر إلى قلم التوثيق وقيام الموثق بالتأكد من شخصياتهم وصفاتهم وأهليتهم في التصرف وملكيتهم للحق المتصرف به ، ومدى تحقق الشروط الشرعية والقانونية في التصرف وإقرار وقبول أطراف المحرر بأن يكون المحرر بعد توثيقه سنداً تنفيذياً، ومن الممكن ومن المتاح وفقاً لقانون التوثيق ولائحته التنفيذية ودليل الموثقين والامناء توثيق المحررات على هذا النحو كي تكون سندات تنفيذية.

6- على إفتراض وجود بعض العيوب أو الأخطاء في إجراءات التوثيق للمحررات من قبل قلة من الموثقين في اليمن ،فإن مضار هذه العيوب اقل بكثير من المفاسد المترتبة على حذف المحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية، وتكفي الإشارة إلى بعض مفاسد حذف المحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية ومن هذه المفاسد : تراكم القضايا وفتح باب التقاضي الكيدي على مصراعيه وتشجيع الخصوم على جحد الحقوق وعدم الوفاء بالعقود والعهود والإلتزامات.

الحجة الثانية: 

للمنادين بحذف المحررات الموثقة من بين المستندات التنفيذية هي القول: بصعوبة تنفيذ المحررات الموثقة حينما تكون سندات تنفيذية: لأن الإلتزامات الواردة في المحررات الموثقة غالباً ما تكون غير محددة من حيث تاريخ استحقاقها أو من حيث مقدارها ، فقد تكون غير واضحة أو غير معينة أو غير مرتبة من حيث اولوية تنفيذها ، كما أن غالبية الإلتزامات الواردة في تلك المحررات لا تكون مقرونة بوقت معين لتنفيذها ، فضلاً عن أن غالبية الإلتزامات الواردة في تلك المحررات تكون مجملة يتعذر تنفيذها في الواقع العملي، حسبما ذكر المنادون بحذف المحررات الموثقة من بين المستندات الموثقة عام 2002.

ويمكن الرد على هذه الحجة كما يأتي:

1- على إفتراض صحة ماورد في هذه الحجة: فأنه من السهل معالجة المحاذير الواردة في هذه الحجة ، وقد تم ذلك بالفعل عن طريق دليل الموثقين والامناء الذي تضمن نماذج للعقود والتصرفات المختلفة ، اذ تتضمن النماذج البيانات اللازمة التي تجعلها صالحة للتنفيذ بيسر وسهولة، فعن طريق هذه النماذج يسهل استيفاء بيانات المحررات وترتيب بنود الإلتزامات الواردة في تلك المحررات لجعل هذه المحررات صالحة للتنفيذ الإختياري والجبري في المستقبل.

2- تدريب الموثقين على كيفية صياغة وتوثيق المحررات حتى تكون سندات تنفيذية صالحة للتنفيذ في المستقبل بيسر وسهولة، وهذا يقطع الطريق على القول بصعوبة تنفيذ المحررات الموثقة.

3- على إفتراض صحة ماورد في حجة المنادين بحذف المحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية ، فانه من غير المقبول القول : بأن قاضي التنفيذ لا يستطيع معرفة الإلتزامات المقررة في المحررات الموثقة وتحديدها وتعيينها وتنفيذها ، لأنه من المعلوم أن أطراف المحرر الموثق أكثر حرصاً على تحديد إلتزاماتهم الواردة في المحررات الموثقة حتى تكون قابلة للتنفيذ في المستقبل.

4- قوانين المرافعات في العالم بأسره حتى في اليمن قبل تعديل 2002م حينما صرحت بأن المحررات الموثقة سندات تنفيذية كانت قد درست هذا الموضوع لفترات طويلة من قبل خبراء متخصصين بقصد معالجة كثرة القضايا ، ومن خلال ذلك ثبت لتلك الدول بما لايدع مجالا للشك ان المحررات الموثقة تصلح سندات تنفيذية مثلها مثل غيرها من السندات التنفيذية بل أنها افضل من الأحكام الباتة ، لأن المحررات الموثقة تقوم على تراضي وقبول اطرافها على كونها سندات تنفيذية بخلاف الأحكام الباتة، ولذلك فان اجراءات تنفيذ المحررات الموثقة تخضع لأحكام التنفيذ المتبعة عند تنفيذ السند التنفيذي بصفة عامة ، ويتم تنفيذ هذه المحررات في كل دول العالم بيسر وسهولة ولم ينادي احد في تلك الدول بحذف المحررات الموثقة من بين المستندات التنفيذية.

 وعلى هذا الأساس فليس هناك ثمة إشكاليات خاصة بتنفيذ المحررات الموثقة حينما ينص القانون على إعتبارها سندات تنفيذية، علما بأن المحررات الموثقة سندات تنفيذية في قوانين بعض الدول منذ 1821م ، وقد كانت المحررات الموثقة سندات تنفيذية في اليمن منذ صدور اول قانون مرافعات في اليمن عام 1978م حتى 2002حينما ظهر المتكسبون من كثرة القضايا والخلافات بين افراد المجتمع اليمني.

5- على إفتراض أن هناك مفسدة وهي حدوث المنازعات التنفيذية عند تنفيذ المحررات الموثقة فان تلك المفسدة أقل بكثير من مفاسد عدم إعتبار المحررات الموثقة سندات تنفيذية.

6- أن حذف المحررات الموثقة من بين السندات التنفيذية تحيز واضح وصريح إلى جانب ناقضي العقود والعهود والمواثيق والإلتزامات والظلمة والمفسدين وهواة إطالة إجراءات التقاضي والمتكسبين من إثارة النزاعات والخصومات بين المسلمين وعدم حسمها، والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني