مدى جواز الحكم بإرجاع الزوجة جبراً الى منزل الزوجية

 

مدى جواز الحكم بإرجاع الزوجة جبرا إلى منزل الزوجية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.


رضاء الزوجة شرط شرعي وقانوني لإبرام عقد الزواج، ويظل هذا الشرط قائماً طوال فترة العلاقة الزوجية، ولا ريب أن هناك حكمة بالغة لرضا الزوجة بالزواج قبل الزواج وبعده ، ومع ذلك نلاحظ أن هذه المسالة غير مستقرة في أذهان بعض المهتمين ، ولأهمية هذه المسألة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/7/2017م في الطعن رقم (59397) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن زوجاً تقدم أمام المحكمة الإبتدائية بدعوى مفادها: أن زوجته استأذنته في زيارة اسرتها فأذن لها وبعد فترة ذهب لإرجاعها فرفض والدها فقام الزوج المدعي بإدخال وسطاء لإقناع والد زوجته فرفض والدها ذلك ، وطلب الزوج الحكم له بإرجاع زوجته ، وعند حضور الزوجة للرد على الدعوى طلبت الزوجة في دعواها المقابلة فسخ زواجها لقيام الزوج بضربها وأنه عند ذهابها إلى بيت أبيها قام بضربها وقد توصلت المحكمة الإبتدائية إلى أن الزوجة قد عجزت عن تقديم أي دليل على دعواها، ولذلك حكمت المحكمة الإبتدائية بعدم قبول دعوى الزوجة بالفسخ وفي الوقت ذاته حكمت المحكمة (بالزام الزوجة بالرجوع إلى منزل زوجها) فقامت الزوجة باستئناف الحكم الإبتدائي حيث قبلت الشعبة الشخصية الإستئناف وقضت بإلغاء الحكم الإبتدائي والحكم بفسخ زواج الزوجة المستأنفة لتوفر سببه ولأن المستأنفة قدمت إلى الشعبة الأدلة والبراهين من أن زوجها يضربها ويهجرها، فلم يقبل الزوج بالحكم الإستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض ، إلا أن الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الإستئنافي ، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (وبعد الإطلاع على أوراق القضية فقد وجدت الدائرة أن الحكم بفسخ زواج المطعون ضدها من الطاعن موافق لأحكام الشرع والقانون) ...


وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

#الوجه_الأول : رضاء المرأة بالزواج والحكمة من الرضا ونطاقه في الفقه الإسلامي : 

رضا المرأة في الشريعة الإسلامية شرط للزواج، فالنصوص الشرعية في هذا الباب كثيرة ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم (لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن) ومع ذلك فقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز إجبار الصغيرة على الزواج حيث قرروا أن ذلك على وجه الإستثناء إذا وجدت مصلحة للصغيرة أو دفع ضرر بالصغيرة ، ولأن هذا الزواج مقرر عند هؤلاء على وجه الإستثناء فقد اشترط الفقه الإسلامي في ذلك شروطاً كثيرة منها أن يكون العاقد الأب وأن تكون للصغيرة مصلحة وأن يكون الزوج كفواً ، وقد أوصل الشافعية شروط زواج الصغيرة إلى خمسة عشر شرطاً، والشريعة الإسلامية حينما اشترطت رضا الزوجة على النحو السابق فإنها اشترطت ذلك لحكمة بالغة وهي وجود الإنسجام والتوافق والتفاهم بين الزوجين ومنعاً للخلاف والشقاق والتصادم بينهما بإعتبار أن الأسرة من هي المكون الأول من مكونات المجتمع المسلم الذي تحرص الشريعة على أن يسوده التفاهم والإنسجام والإحترام بدلاً عن الشقاق والخصام ، ومن هذا المنطلق فإن الشريعة الإسلامية تشترط الرضا لانعقاد الزواج وتشترط لقاء هذا الرضا أيضاً بعد الزواج حيث ينبغي أن يستمر هذا الرضاء لاحقاً بعد عقد الزواج ، لأن الحكمة من الرضا متوفرة في الحالتين قبل عقد الزواج وبعده، ولذلك شرعت الشريعة الإسلامية الوسائل الشرعية للمرأة لحل العلاقة الزوجية وانهائها إذا وجدت الزوجة بعد الزواج أنها غير راضية بالزواج والزوج، فلها عندئذ أن تخالع زوجها بعقد يتراض عليه الزوجان كما أن لها أن تفسخ زواجها للكراهية والنفور من زوجها.


الوجه الثاني : رضا المرأة بالزواج ونطاقه في القانون اليمني : 

اخذت القوانين اليمنية اغلب نصوصها من أحكام الشريعة الاسلامية السمحاء، ومن ذلك قانون الأحوال الشخصية الذي اشترط رضا المرأة بالزواج حيث نصت المادة (23) على أنه (يشترط رضا المرأة ورضاء البكر سكوتها ورضا الثيب نطقها) كما قرر القانون بطلان عقد الزواج في حالة اكراه المرأة عليه حيث نصت المادة (10) على ان (كل عقد بني على اكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له) كما يجعل القانون رضا المرأة هو الفاصل عند تعدد الاولياء عليها فتنص المادة (16) على أنه (واذا تعدد من هم في درجة واحدة كانت الولاية لكل منهم ويصح عقد من سبق منهم مع رضاها به ويبطل عقد من تأخروا اذا عقدوا لأكثر من شخص واحد في وقت واحد واذا اشكل ذلك بطل العقد الا اذا ارتضت احد هذه العقود صح وبطل غيره) وعلاوة على ذلك فان قانون الاحوال الشخصية قد منح الزوجة بعد الزواج الوسائل القانونية للتحلل من العلاقة الزوجية اذا وجدت نفسها بعد الزواج غير راضية بالزوج والزواج عن طريق الخلع حيث نصت المادة (73) احوال شخصية على أن (يتم الخلع بالرضا بين الزوجين أو ما يدل عليه عقداً أو شرطاً) كما ان اغلب اسباب الفسخ المقررة في القانون في المواد من (45 إلى 57) مقررة لصالح المرأة إذا وجدت أسبابا  تجعلها غير راضية باستمرار العلاقة الزوجية حتى لو كان سبب عدم رضاها امرا نفسيا كالفسخ للكراهية حسبما ورد في المادة (54) والخلاصة ان رضا الزوجة ينبغي ان يستمر حتى بعد زواجها. 

الوجه الثالث : مدى جواز اجبار الزوجة على البقاء في العلاقة الزوجية : 

عرضنا فيما سبق ان القانون يتفق مع الفقه الاسلامي في اشتراط رضا المرأة بالزواج وكذا رضاها بالاستمرار في العلاقة الزوجية بعد الزواج، وبناءً على ذلك فلا يجوز إجبار المرأة على الاستمرار في العلاقة الزوجية مع زوج لا تريد البقاء في عصمته، لان العلاقة ستكون عندئذ مختلة معتلة ربما تؤدي الى القتل وغيره، وعلى هذا الأساس فلا مجال في النظام القانوني اليمني لقبول ما يسمى بطلب الزام الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية أو بيت الطاعة أو الحكم بإجبار الزوجة أو الزامها بالعودة إلى منزل الزوجية، ولذلك فقد لاحظنا ان الحكم الاستئنافي قضى بإلغاء الحكم الابتدائي الذي قضى بالزام الزوجة بالعودة إلى منزل الزوجية وبدلاً من ذلك قضى بفسخ زواجها، وقد اقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، فمن غير المقبول في الفقه الاسلامي والقانون اليمني الحكم بالزام الزوجة بالعودة إلى منزل الزوجية والتنفيذ الجبري للحكم في هذه الحالة، ولك ان تتخيل ايها المطالع الكريم التنفيذ الجبري للحكم بإعادة الزوجة إلى منزل الزوجية. 

الوجه الرابع : المعالجة الشرعية والقانونية لعدم رجوع الزوجة إلى منزل الزوجية : 

اذا ثبت ان الزوجة قد غادرت منزل الزوجية من غير سبب استدعى خروجها فانها تكون عندئذ ناشزاً لان القانون أوجب عليها حق الطاعة لزوجها والانتقال معه إلى بيت الزوجية حسبما ورد في المادة (40) أحوال شخصية فاذا ثبت ان المرأة ناشز فلا تستحق النفقة من زوجها عملاً بالمادة (152) أحوال شخصية إضافة الى ان أمام الزوج وسائل شرعية وقانونية لإنهاء العلاقة الزوجية مع الزوجة الناشز ومن ذلك طلاقها أو الزواج بغيرها بخلاف الزوجة التي اتاح له الشرع والقانون الفسخ والخلع،والله اعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني