الفرق بين المضاربة وغيرها في القانون اليمني

 *الفرق بين المضاربة وغيرها في القانون اليمني*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2024/04/in-yemeni-law.html

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

المضاربة نوع من الشركات يجتمع فيها المال والعمل،  إذ يتم الإتفاق بين صاحب المال وصاحب العمل على إقتسام الربح الناتج عن المضاربة، وما يميز المضاربة عن غيرها من الشركات هو إجتماع المال والعمل فيها، ولذلك فهى تختلف عن غيرها من الشركات، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-4-2016م في الطعن رقم (57803)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأن (قول محكمة أول درجة في أسباب حكمها : أن العلاقة التي قامت فيما بين طرفي الخصومة يحكمها عقد مضاربة وان الأدلة لا تؤيد الدعوى بالشراكة، فذلك إستخلاص خاطئ ومخالف للثابت في الأوراق، فما قدمه المدعي من أدلة تؤيد قيام علاقة الشراكة فيما بين طرفي العلاقة التعاقدية)، وقد اقرت الدائرة التجارية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((هذا وبإمعان النظر من قبل هذه الدائرة وعلى ضوء ما نعاة الطاعن فيما سبق فقد تبين: أن نعيه غير منتج، ذلك أنه ومن خلال الإطلاع على ما سببت به الشعبة في حكمها محل الطعن فقد تبين: أن الشعبة سببت حكمها تسبيباً كافياً يتفق مع الواقع والقانون، وان ذلك التسبيب قد تضمن رداً على ما دفع به الطاعن أمام محكمة أول درجة، حيث أوضحت حيثيات الحكمالاستئنافي ان: الثابت بالأوراق أن علاقة شراكة كانت قد نشأت فيما بين الطاعن والمطعون ضده حسبما أكدتها شهادة الشهود ، كما ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي عدم صحة  ما جاء في تسبيب حكم محكمة أول درجة بقولها : أن العلاقة بين الطرفين يحكمها عقد مضاربة وان العلاقة بين الطرفين مضاربة وان الأدلة لا تؤيد  دعوى الشراكة ، فقد ذكر الحكم الاستئنافي انما ورد في أسباب الحكم الابتدائي غير صحيح))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الأول: ماهية  شركة المضاربة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

كان النقاش في الحكم محل تعليقنا بشأن نوع العلاقة التي كانت قائمة بين الطاعن والمطعون ضده  هل هي شركة مضاربة ام شركة أخرى؟ ولذلك ينبغي الإشارة بايجاز إلى ماهية شركة المضاربة وحكمها وانواعها للوصول إلى الفرق بين المضاربة وغيرها من الشركات. 

فالمُضارَبةُ لُغةً: مُفاعَلةٌ مِن ضَرَبَ في الأرْضِ: خَرَجَ فيها تاجِرًا أو غازِيًا، يُقالُ: ضَرَبَ في الأرْضِ: إذا سارَ فيها مُسافِرًا؛ قالَ اللهُ تَعالى: (وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْض)، اما في اصْطِلاحً  الفقهاء فشَرِكةُ المُضارَبةِ: هي أن يَدفَعَ شَخْصٌ مالَه إلى آخَرَ يَتَّجِرُ له فيه، على أنَّ ما حَصَلَ مِن الرِّبْحِ يكونُ بَيْنَهما حسَبَ ما يَتَّفِقانِ عليه. 

 وهناك من يذهب إلى أن شركة المضاربة هي :” أن يدفع الرجل مالًا إلى غيره ليتجر فيه ويشتري ويبيع ويبتغي من فضل الله تعالى ويكون الربح بينهما على جزء يتفقان عليه من قليل أو كثير، ويذهب آخرون إلى أن المضاربة هي : مشاركة بين العمل والمال، يكون المال من طرف والعمل والخبرة من الطرف الثاني، على أن يكون الربح بينهما حسب الاتفاق، وصاحب المال في المضاربة ليس له الحق في التدخل ولكن له الحق في فرض شروط ملائمة أو مناسبة للعقد، فالمضاربة عقدٌ على الشركة بمالٍ من أحد الجانبين والعمل من جانب آخر، والعمل يكون بالتجارة، والربح بينهما.

وقد عرف القانون المدني اليمني المضاربة في المادة (841) بأن (المضاربة (القراض) هي أن يدفع شخص هو رب المال أو من يمثله إلى شخص آخر مالاً معلوم القدر والصفة مقابل جزء من الربح معلوم النسبة أو بحسب العرف). 

   والتعاريف السابق ذكرها للمضاربة متقاربة، ومن خلال هذه التعاريف  يظهر أن المضاربة تنعقد بين جهتين:-  الجهة الاولى وهي الجهة التي تدفع المال، وتسمى رب المال، وقد تكون فردا أو شركة أو بنكا وهكذا،  والجهة الثانية : هي الجهة التي تقوم بالعمل وتسمى المضاربة، وقد تكون فردا أو شركة أو بنكا، ثم تشترك الجهتان في الربح دون رأس المال حسبما اتفقتا عليه.

والقراض والمضاربة لفظان مترادفان لمعنى واحد، فالقراض اصطلاح أهل الحجاز، والمضاربة اصطلاح أهل العراق، فالمضاربة تسمّى شركة القراض بلغة أهل الحجاز، لأنّها من القرض من صاحب رأس المال، وتسمّى شركة المضاربة بلغة أهل العراق، لأنّ المضارب يستحقّ الربح بعمله وسعيه، ويطلق عليها أيضاً شركة المعاملة، لأنّ فيها عمل الشريك الآخر. 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثاني: حكم المضاربة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

المضاربة بذْلُ نفْع بنفْع، فإنّ هذا بذلَ نفْع بدنه وهذا بذلَ نفْع ماله، فهي عقد معونة وإرفاق المضاربة نوع من التعاون بين صاحب المال وصاحب العمل ، ولذلك فالمضاربة جائزة بين المتعاقدين ما أقاما عليه مختارين وليس بلازم لهما، ويجوز فسخه لمن شاء منهما، ومع انه ليس هناك لمشروعية المضاربة  دليل صريح  من القرآن  أو السنة ، ولكن مع ذلك فقد ورد في جواز المضاربة الإجماع الصحيح، فقد قال ابن حزم:” ” كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة نعلمه ولله الحمد، حاشا القراض، فما وجدنا له أصلا فيهما البتة، ولكنه إجماع صحيح مجرد والذي نقطع عليه أنه كان في عصر النبي ﷺ وعلمه وعلمه فأقره ”

والمقرر أن الإجماع يستمد أصله دائما من الكتاب أو من السنة، وإن لم يبلغه علمنا، علاوة على أن هناك آثارا مروية عن الصحابة وغيرهم من سلف الأمة تثبت مشروعية المضاربة، ومن ذلك ما جاء عن حميد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق. 

فالمضاربة التي توفرت فيها أركانها من إيجاب وقبول وعاقدين، ومعقود عليه، وما يتبعها من الشروط، هي التي يجوز التعامل بها، وتعد شركة المضاربة من محاسن الإسلام، من حيث رفع الحرج والتيسير على الناس في طلب الكسب الحلال، إذ ليس كل من ملك المال ملك خبرة التجارة وكذا العكس، فالمضاربة هي السبيل الذي يجعل كل واحد من الطرفين – صاحب المال والمضارب- في الحركة المباحة المستمرة لجلب الرزق واستثمار المال وتنمية المدارك.

وعلى هذا الأساس فإن شركة المضاربة جائزة بإجماع العلماء، وقد نقل هذا الإجماع كثير من الفقهاء، فقد قال ابن رشد الحفيد: “ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض، وأنّه ممّا كان في الجاهلية فأقرّه الإسلام”. 

وقال الكاساني: “وأمّا الإجماع فإنّه روي عن جماعة من الصحابة أنّهم دفعوا مال اليتيم مضاربة، منهم سيّدنا عليّ وسيدنا عمر وسيّدنا عثمان  وابن مسعود… ولم ينقل أنّه أنكر عليهم من أقرانهم أحد، ومثله يكون إجماعاً.) الموسوعة الفقهية الكويتية، كتاب الشركة، الباب الثالث : شركة المضاربة). 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️

الوجه الثالث: أنواع المضاربة:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


*▪️

المضاربة نوعان:*

النوع الأول: المضاربة المطلقة أو العامة:

المضاربة المطلقة أو العامة هي التي تكون فيها حرية التصرف للمضارب في البيع والشراء، ولا تتقيد المضاربة فيها بزمان ولا مكان حتى نوعية العمل وصفته تكون مطلقة، وربما لا يعود المضارب إلى رب المال إلا عند انتهاء المضاربة.” وقد قسم الفقهاء العمل في المضاربة المطلقة إلى الأقسام التالية :

1 – ما يجوز للمضارب أن يعمله بمقتضى عقد المضاربة من غير حاجة إلى النص عليه من رب المال، ومن ذلك البيع والشراء بنقد البلد وثمن المثل من جميع أنواع التجارة في شتى الأمكنة من جميع الناس …”

2 – ما يجوز للمضارب أن يعمله إذا قال له رب المال: اعمل برأيك، ومن ذلك مشاركة غيره في مال المضاربة شركة عنان، لأنها أعم من المضاربة، ولأن الخلط يوجب في مال الغير حقاً فلا يجوز إلا بإذن من المالك.

3 – ما لا يجوز للمضارب عمله إلا بالنص عليه من رب المال، والإذن منه، ومن ذلك الاستدانة، فليس له أن يستدين على مال المضاربة والإقراض من المال.

4 – ما لا يجوز للعامل أن يعمله أصلاً، ومن ذلك شراء ما كان محرماً كالميتة والخمر والدم ولحم الخنزير لقوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} [المائدة: 3]. 

النوع الثاني: المضاربة المقيدة أو الخاصة:

 هي عبارة عن شروط يشترطها رب المال لضمان ماله، حيث تكون الحرية فيها قاصرة وفق شروط معينة،  والأصل في الوفاء بالشروط قوله  تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:01] فالمضاربة المقيدة على ثلاثة اضرب :

أحدها: أن يخصه ببلد، فيقول: على أن تعمل بصنعاء أو عدن .

والثاني: أن يخصه بشخص بعينه، بأن يقول: على أن تبيع من فلان وتشتري منه، فلا يجوز التصرف مع غيره لأنه قيد مفيد، لجواز وثوقه به في المعاملات.

والثالث: أن يخصه بنوع من أنواع التجارات بأن يقول له: على أن تعمل به مضاربة في البن أو القماش أو في الطعام أو الصرف ونحوه.

وفي كل ذلك يتقيد بأمره، ولا يجوز له مخالفته لأنه مقيد.”

وكل من المضاربة المطلقة والمضاربة المقيدة قد اصطلحتا على منوال الأحناف خلافا لجمهور العلماء، فقد ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية: … لم يقسم جمهور الفقهاء المضاربة إلى مطلقة ومقيدة أو عامة وخاصة – كما فعل الحنفية – ولكنهم أوردوا ما شمله تقسيم الحنفية في أركان المضاربة وشروطها أو في مسائل أخرى، وخالفوا الحنفية أو وافقوهم،وتقسيم الأحناف للمضاربة إنما هو من باب التقسيم المدرسي.) الموسوعة الفقهية الكويتية، كتاب الشركة، الباب الثالث : شركة المضاربة). 

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الوجه الرابع: الفرق بين المضاربة وغيرها:*

▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂


▪️

قسّم الفقهاء الشركات إلى أقسام عدة باعتبارات عدّة، فإذا كان المال هو أساس قيام الشركة فهي شركة أموال، وإذا قامت على أساس العمل فهي شركة أعمال أو أبدان، أمّا إذا قامت على الضمان فهي شركة وجوه، وفي حالة اجتماع المال والعمل كقاعدتين لقيام الشركة فهي شركة مضاربة.

أما المشاركة: فهي عبارة عن مشاركة شخصين أو أكثر بأموال متساوية أو مختلفة على أن يكون الربح حسب المال عند الشافعية والمالكية أو حسب الاتفاق عند الحنفية والحنابلة، ويكون للشركاء الحق في الإدارة، كما أن لبعضهم الحق في التنازل عن الإدارة والاكتفاء بالشراكة المالية فقط، وللمشاركة أنواع كثيرة ليس هذا مجال بحثها في هذا التعليق الموجز. 

اما المرابحة فهي نوعان: المرابحة العادية، والمرابحة للأمر بالشراء التي تجريها البنوك الإسلامية. فالنوع الأول هو عبارة عن أن يكون لدى التاجر بضاعة فيأتي شخص إليه فيقول: أريد أن أشتري هذه البضاعة بالثمن ذاته  الذي اشتريتها به مع ربح 10% مثلا، فيوافق التاجر على ذلك، فهذه المرابحة العادية التي تكون البضاعة جاهزة عند التاجر ويبيعها بالثمن الذي قامت عليه البضاعة مع ربح معلوم، وهذه المرابحة جائزة بالإجماع ولا خلاف ولا شبهة فيها، وهي كانت موجودة منذ عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. 

أما النوع الثاني، أي المرابحة للأمر بالشراء، فهي تتكون من الخطوات التالية:

1) يأتي العميل ويطلب من البنك أن يشتري له سيارة أو بضاعة، ويتعهد بأنه في حالة تنفيذ البنك هذه العملية أنه سيشتريها.

2) يقوم البنك بشراء تلك البضاعة أو السيارة ويقوم البنك بقبضها وتدخل في ملكية البنك.

3) ثم يقوم البنك ببيع تلك البضاعة أو السيارة للعميل الآمر بالشراء بالثمن ونسبة ربح معلوم، فلنفرض أن البنك قد اشترى سيارة 100ألف فيبيعها له 110 الآف مقسطة على أقساط شهرية أو نحو ذلك، فهذا النوع من المرابحات جائز أيضا، عند جمهور الفقهاء المعاصرين؛ لأنه عقد مشروع ليس فيه محظور شرعي إذا توافرت الشروط المطلوبة.

أما المضاربة: فهي مشاركة بين العمل والمال، يكون المال من طرف والعمل والخبرة من الطرف الثاني، على أن يكون الربح بينهما حسب الاتفاق، وصاحب المال في المضاربة ليس له الحق في التدخل ولكن له الحق في فرض شروط ملائمة أو مناسبة للعقد هي جائزة بالاتفاق، (الفرق بين المرابحة والمشاركة والمضاربة، الدكتور علي محيي الدين القره داغي، ص3)، والله أعلم.

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني