إشكالية الخلط بين عقدي المضاربة والشراكة وتأثيرها على الاستثمار في اليمن

 *إشكالية الخلط بين عقدي المضاربة والشراكة وتأثيرها على الاستثمار في اليمن*


*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

➖➖➖➖➖


*▪️تسود في اليمن وتنتشر عقود المضاربة وعقود الشراكة في غالب الموسسات والشركات  لاسيما في الموسسات والشركات غير النظامية التي لايتم تسجيلها أو إشهارها لدى الجهة المختصة، ولاشك ان هناك تشابه كبير بين عقدي المضاربة والشراكة، وبسبب ذلك تحدث إشكاليات كثيرة بشأن تحديد نوع العلاقة العقدية هل هي مضاربة ام شراكة؟ ، وتفضي هذه الإشكاليات إلى حدوث نزاعات وخلافات بين المضاربين المستثمرين في تلك الشركات وبين رجال الأعمال أصحاب تلك الشركات، ولذلك فإن هذا الأمر  يعد عائقا من عوائق الاستثمار في اليمن، ولأهمية هذه المسألة نجد أنه من المناسب الإشارة إلى هذه المسألة المهمة على أساس أن عقدا المضاربة والشراكة هما العقدان الشائعان في النشاط التجاري والاقتصادي في اليمن، فلهذه المسألة أهمية بالغة في معالجة النزاعات والخلافات التي تعصف بالقطاع الإقتصادي الخاص في اليمن، وعلى هذا الأساس فقد وجدنا انه من المناسب الإشارة إلى هذه المسألة المهمة في سياق التعليق على  الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-4-2016م في الطعن رقم (57803)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فان هذه الدائرة ومن خلال إطلاعها على صورة الكشف المرفق بملف القضية الذي هو بخط الطاعن المدعى عليه لاحظت ان المدعى عليه الطاعن حالياً ذكر في ثنايا ذلك الكشف أنه (عند البيع لأي أراضي أو العمارة فأنا مقلد عهد الله وميثاقه فيما يستحق المدعي من الفوائد الربح أو الخسارة على الجميع) اليس هذا  يفيد ان العلاقة التعاقدية بين الطرفين المدعي والمدعى عليه علاقة شراكة وليست علاقة مضاربة؟ ، مما يستفاد من ذلك وعلى ضوء ما سبق ان تكييف الشعبة للعلاقة بينهما تكييف صائب يتفق مع الواقع وطبقاً للقانون)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الأول: ماهية الشراكة:*

➖➖➖➖➖


*▪️وفقاً لأحكام القانون المدني الذي نظم الشراكة بشكل عام في المواد (621) وما بعدها وكذا بموجب أحكام الشركات المقررة في قانون الشركات فإن الشراكة أو الشراكة عبارة عن عقد بين طرفين أو اكثر يكون محله اشتراك اطراف الشراكة في مشروع مالي معين يتم بموجبه  تقسيم رأس مال المشروع المالي إلى حصص بين الشركاء بحسب مادفعه كل شريك في راس المال، وقد يكون راس المال عبارة نقود أو حصص عينية كالأراضي والسيارات أو حصص معنوية كالوكالات والاسماء، حيث يتم تقسيم راس  المشروع إلى حصص بين الشركة بحسب مساهمة كل واحد منهم في راس مال المشروع، وبناء على ذلك تتعلق حقوق وواجبات الشركاء بمقدار نسبة حصص كل شريك في راس مال الشراكة، ويتم إحتساب أرباح وخسائر الشركة بحسب نسبة حصص كل شريك.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثاني: ماهية عقد المضاربة:*

➖➖➖➖➖


*▪️وفقاً للقانون المدني فإن المضاربة عبارة عن عقد بين صاحب المال الذي يدفع مبلغ معين إلى صاحب العمل أو رجل الأعمال، حيث يقوم رجل الأعمال أو صاحب العمل بتشغيل ذلك المبلغ في صفقة أو عملية  أو مشروعه التجاري مقابل نسبة معينة يدفعها رجل الأعمال الى صاحب المال من الأرباح المحققة فعلا الصافية التي تنتج عن عملية المضاربة التي قام رجل الأعمال بتشغيل المبلغ فيها، فقد يتم تشغيل المبلغ في صفقة أو عملية أو مشروع معين من المشاريع أو الأعمال أو الأنشطة  المتعددة والكثيرة التي يقوم بها التاجر رجل الأعمال أو التي يباشرها، حيث يتم احتساب الربح لصاحب المال على أساس الربح المحقق فعلا في الصفقة أو المشروع فقط دون بقية المشاريع والصفقات الأخرى التي لايتم تشغيل مال صاحب المال فيها، ونخلص من هذا الوجه إلى القول : ان حق صاحب المال في المضاربة متعلق فقط بالصفقة أو المشروع الذي تم استثمار ماله فيه، فلايمتد هذا الحق إلى الأنشطة أو الأعمال الأخرى الخاصة برجل الأعمال أو صاحب العمل(فقه المعاملات المالية المعاصرة، أ. د. عبدالمؤمن شجاع الدين،ص231).*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الثالث: الفرق بين عقد المضاربة وعقد الشراكة:*

➖➖➖➖➖


*▪️الفرق الجوهري بين العقدين يكمن في ان المشروع التجاري الاستثماري يكون في عقد الشراكة ملكاً للشركاء جميعا، حيث يكون راس مال المشروع الاستثماري موزعا على حصص بين الشركاء جميعا، وعلى أساس نسبة الحصص الخاصة بكل شريك تؤول إلى جميع الشركاء كافة الحقوق والإمتيازات المترتبة على الشراكة كل شريك بحسب  نسبة الحصص التي يمتلكها في راس مال الشراكة، وكذلك الحال بالنسبة للواجبات والإلتزامات والخسائر المترتبة على نشاط الشركة أو الشراكة، وعلى هذا الأساس تكون أصول وأرصدة الشركة واملاكها ملكية مشتركة بين الشركاء بحسب نسبة حصص كل شريك في رأس مال الشركة، أما عقد المضاربة فإن صاحب المال لا يكون شريكاً في المشروع التجاري أو الاستثماري الخاص بصاحب العمل أو رجل الأعمال حيث يكون المشروع التجاري أو النشاط التجاري ملكاً خاصاً وخالصاً لرجل الأعمال أو صاحب العمل، فلا يحق لصاحب المال منازعة رجل الأعمال في أصول وممتلكات شركاته اومحلاته اومشاريعه التجارية والاستثمارية، فتكون هذه الأصول ملكا خالصا وخاصا بصاحب العمل أو رجل الأعمال، فصاحب المال المضارب ليس شريكاً حتى ينازع في أصول الشركة أو راس مالها أو كل مشاريع رجل الأعمال وصفقاته كلها ، فعلاقة صاحب المال مع صاحب العمل محدودة بحدود المبلغ الذي دفعه صاحب المال إلى صاحب العمل لاستثماره وتشغيله في الصفقة أو المشروع المعين أو النشاط  المعين الذي تم استثمار المال فيه، حيث تتحدد علاقة صاحب المال برجل الأعمال عند خلافهما في معرفة مصير المبلغ المدفوع لصاحب العمل ونوع النشاط الذي تم استثمار المبلغ فيه ومقدار الربح المحقق فعلا، فليس هناك علاقة لصاحب المال برأس مال الشركة أو أصولها التي تم استثمار المبلغ فيها، فحق صاحب المال محدود بحدود المبلغ المدفوع منه إلى رجل الأعمال وعائدات هذا المبلغ التي تم الإتفاق عليها مسبقاً، وإن لم يتم الإتفاق عليها فيتم تقدير عائدات أو ارباح المبلغ المشار إليه على أساس مساهمة هذا المبلغ في الربح المحقق فعلاً نتيجة المضاربة بالمبلغ في الصفقة أو العملية أو النشاط.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الرابع: التداخل بين المضاربة والشراكة نتيجة عدم تحديد نسبة ربح صاحب المال عن المبلغ المدفوع منه إلى رجل الأعمال:*

➖➖➖➖➖


*▪️نتيجة العشوائية في النشاط التجاري غير المنظم وغيره يحدث الخلط في اليمن غالباً بين عقدي المضاربة والشراكة بسبب عدم تحديد نسبة الربح المستحق لصاحب المال المستثمر أو المضارب به لدى رجل الأعمال مثلما حصل في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا فعندما يقوم صاحب المال بدفع المال إلى صاحب العمل دون أن يتم الإتفاق بينهما على تحديد نسبة الربح يختلط الأمر فلايعرف نوع العلاقة هل هي مضاربة ام شراكة مثلما وقع في القضية محل تعليقنا وهنا تحدث الإشكالية التي تعصف بالمشاريع التجارية والاستثمارية في اليمن والتي تعوق الاقتصاد والاستثمار في اليمن، وانا أجزم ان هذه إشكالية حقيقية في غالب الشركات النظامية وغير النظامية وان كانت في غير النظامية اكثر، اقول هذا: عن معرفة واطلاع ، وفي  حالة الخلط بين عقدي المضاربة والشراكة يستطيع القاضي الفطن ان يبحث ويدرس  العلاقة فيما بين الطرفين وان يتوصل من خلال ذلك إلى التكييف الصحيح للعلاقة ومعرفة ما إذا كانت العلاقة مضاربة أم شراكة، كذلك يمكن تحديد نوع  العلاقة عن طريق الأوراق الرسمية أو العرفية المشهود عليها التي تدل على الشركاء في الشراكة وملكية أصول الشراكة وراس مالها والمحلات والعقارات التابعة لها، فإذا كانت هذه الأشياء مسجلة لدى الجهات المختصة باسم رجل الأعمال أو صاحب العمل فإن العلاقة في هذه الحالة تكون مضاربة وليس شراكة ، وكذا يمكن نوع العلاقة بين الطرفين عن طريق معرفة كيفية إتخاذ القرارات في أعمال وأنشطة الشراكة، فإذا كان صاحب المال لا يعرف ولا يشارك في إتخاذ الإجراءات والقرارات والأعمال والأنشطة مع صاحب العمل أو رجل الأعمال فإن العقد يكون مضاربة، لان المضارب بالمال لا يتدخل في الأعمال والانشطة التي يستثمر فيها صاحب العمل مال المضارب، أما إذا كان صاحب المال يشارك ويتابع ويطلع ويراجع الأعمال والانشطة التي يباشرها رجل الاعمال فإن العقد يكون شراكة وليس مضاربة، أيضاً يستطيع القاضي تحديد نوع العلاقة بين الطرفين عن طريق دراسة المبالغ التي كان يدفعها التاجر أو رجل الاعمال إلى صاحب المال، فإذا كان التاجر يدفع لصاحب المال مبالغ ثابتة لا تتغير بتغير السنوات أو الأشهر فإن العقد يكون مضاربة، كما أنه من الممكن معرفة نوع العلاقة بين الطرفين عن طريق مراجعة القيود المحاسبية في دفاتر التاجر التي تبين حركة المبلغ المسلم إلى التاجر لاستثماره، علاوة على أنه من الممكن الوقوف على نوع العلاقة عن طريق الرسائل والمذكرات المتبادلة بين الطرفين التي تكشف عن طبيعة تلك العلاقة، وغير ذلك من القرائن  والظروف التي يستدل بها القاضي لمعرفة نوع العلاقة بين الطرفين.*

➖➖➖➖➖

*▪️الوجه الخامس: توصية إلى هيئة الاستثمار ووزارة العدل:*

➖➖➖➖➖


*▪️نظرا لأهمية هذه المسألة وثبوت تسببها في إثارة المنازعات والخلافات والشحناء والبغضاء في القطاع الإقتصادي والاستثماري  في اليمن مما يؤدي إلى تعويق الاقتصاد والاستثمار في اليمن: فأننا نوصي هيئة الاستثمار وعلى راسها الشاب النشط الذكي ياسر المنصور بالدراسة الدقيقة لهذه المسألة لتقديم النتائج والمعالجات اللازمة، كما نوصي وزارة العدل بإعداد نماذج لعقود مضاربة وشراكة تتضمن معالجة التماهي والاختلاط بين عقدي المضاربة والاستثمار، والله اعلم.*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني