البطلان في قانون الإجراءات الجزائية

 

 تعريف البطلان في قانون الإجراءات الجزائية البطلان في قانون الإجراءات الجزائية اليمني هو الجزاء الذي يقع على كل إجراء جاء مخالفاً لأحكام القانون إذا نص القانون صراحة على بطلانه، أو إذا كان الإجراء الذي خولف أو أغفل جوهرياً( ). بينما عرفه نظام الإجراءات الجزائية السعودي بأنه: كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المستمدة منها( ). 

كما نصت المادة (331) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أنه: "يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري " . بينما عرفه قانون الإجراءات الجنائية القطري بقوله " : يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء " ( )


تمييز البطلان عن غيره من الجزاءات الإجرائية


البطلان كجزاء إجرائي ليس هو الجزاء الوحيد، وإنما هناك جزاءات إجرائية أخرى، منها السقوط وعدم القبول والإنعدام، وعليه سوف نتناول بالدراسة والبحث تحديد أوجه الإتفاق والإختلاف بين البطلان وبين هذه الجزاءات الإجرائية الأخرى، وذلك من خلال الفقرات التالية:

 

 تمييز البطلان  عن السقوط 


أولاً: تعريف السقوط:

عندما يفرض القانون موعداً محدداً أو فترة زمنية لاتخاذ الإجراء خلالها بحيث يسقط الحق في تنفيذ العمل الإجرائي بعد نهايتها، فإن هذا يعد جزاء إجرائي يرد على الحق في استعمال وتنفيذ العمل ويسمى بالسقوط( ).

 وقد يرافق السقوط كجزاء للعمل الإ جرائي واقعة يفترض القانون  إقترانها به( )، فقد ألزم المشرع اليمني  تنفيذ أوامر القبض الصادرة ممن يملك ذلك خلال مدة ثلاثة أشهر ليصبح الحق في تنفيذها بعد ذلك ساقطًا إن لم تُجدد( )، فإن انتهت مدة الثلاثة أشهر ومع ذلك قام من يملك التنفيذ بإجراء القبض رغم سقوط حقه في ذلك فإن عمله هذا يقع باطلاً. 

لذا فقد عرف السقوط بأنه: "جزاء إجرائي يترتب على عدم ممارسة السلطة" المكنة( )" في مباشرة العمل الإجرائي  خلال المهلة التي يحددها القانون. أو هو جزاء مخالفة الشكل الإجرائي الخاص بالمدة التي يحددها القانون أو بواقعة معينة"( ).

 فأساس السقوط هو إما المحاسبة على إستخدام الوقت لا على المراسم والمواصفات، وإما الرد على عدم الجدية من جانب صاحب الحق في إستخدامه لحقه الإجرائي، وفي الحالتين يتمثل الهدف من الجزاء في الحرص على ما للعدالة من وقت ثمين مخصص للناس أجمعين( ). 

ومن هنا يظهر ارتباط البطلان والسقوط كجزاءين إجرائيين ارتباطاً وثيقاً، فالسلطة أو الحق في مباشرة العمل الإجرائي هو من الشروط الموضوعية إن تخلفت فلا مجال لمباشرة ذلك العمل وممارسته، فإن بوشر ممن يملكه فإ ن عمله هذا يكون باطلا لأن فوات ميعاده أدى إلى سقوط الحق فيه ومباشرته بعد فوات الميعاد يقع باطًلا ( ) .

ومن أمثلة ذلك، مدة الشكوى الواردة في المادة (29) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني التي نصت على أنه: "ينقضي الحق في الشكوى فيما هو منصوص عليه في المادة (27) بعد مضي أربعة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة أو بارتكابها أو زوال العذر القهري الذي حال دون تقديم الشكوى و يسقط الحق في الشكوى بموت المحني عليه( )"، فالسقوط في جرائم الشكوى يعتبر من النظام العام تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يطلبه أحد من الخصوم( ).

فالسقوط كجزاء إجراء، إذاً يراد به سقوط الحق في إتخاذ إجراء ما، ينشأ عنه كنتيجة عدم قبول الإجراء لو حدث أن اتخذ بعد فوات الأجل المحدد له. مثل: لا تقبل الشكوى بعد مضي أربعة أشهر في القانون اليمني وثلاثة أشهر في القانون المصري( )، وكذلك سقوط الإستئناف المرفوع من المتهم المحكوم عليه بقعوبة سالبة للحرية واجب النفاذ، إذا لم يتقدم للجهة المختصة بالتنفيذ قبل اليوم المحدد لنظر إستئنافه( ).


ثانياً:  أوجه الإتفاق والتشابه بين البطلان والسقوط: 


 يتفق البطلان مع السقوط في أنهما، جزاء إجرائي يطبق حالة مخالفة أحكام القانون المتعلقة بالعمل الإجرائي، حيث يتشابها في أن السلطة أو الحق في مباشرة العمل الإجرائي شرط موضوعي لصحته، فإذا تخلف هذا الشرط  كان العمل باطلاً، وبمعنى أخر إن سقوط السلطة أو الحق في مباشرة العمل الإجرائي يؤدي إلى بطلان هذا العمل، فيما لو بوشر على الرغم من هذا السقوط( ). ومن أمثلة ذلك في قانون الإجراءات الجزائية اليمني ما جاء في المادة (74) منه التي نصت على أنه: "يسقط الأمر بالقبض إذا لم يتم تنفيذه في خلال الثلاثة الأشهر التالية لصدوره مالم يجدد".

وتوجد علاقة وثيقة بين البطلان والسقوط فمن ناحية، إن وجود الحق في القيام بالعمل الإجرائي يعتبر من مقتضيات صحة العمل ولهذا فإنه إذا سقط الحق، وقام الشخص  بالعمل بعد هذا فإن عمله يكون باطلاً. ومن ناحية أخرى يعتبر القيام بالعمل خلال فترة معينة، من مقتضيات العمل الشكلية، ولهذا فإن العمل قد يبطل لعيب شكلي إذا لم يتم خلال الفترة المحددة. 

 ولكن السقوط لا يؤدي دائماً إلى البطلان، ويكون ذلك في حالة عدم قيام الشخص بالعمل حتى بعد الفترة التي حددها القانون، فإذا أنقضى ميعاد الطعن في الحكم بالإستئناف سقط الحق في الإستئناف، ولا يكون هناك بطلان، إذ أن البطلان تكييف ولا يمكن الكلام عن البطلان ما دام العمل لم يتم به من الناحية المادية. 

ومن ناحية ثالثة: فإن السقوط الذي يؤدي إلى البطلان هو سقوط الحق الإجرائي وليس سقوط الحق في الدعوى، فإذا رفع الدائن دعوى المديونية بعد إنقضائها بالتقادم، فإن طلبه يكون صحيحاً إذ أنه يقدمه استعمالاً لإمكانيته العامة في الالتجاء إلى القضاء، وهذه لا تقبل الإنقضاء بالتقادم. 


ثالثاً : أوجه التمييز  بين البطلان والسقوط: 


من الدراسة السابقة للسقوط وبعد معرفة أوجة التشابه والإتفاق بين السقوط والبطلان نخلص إلى أن أوجةالتمييز بين البطلان والسقوط تتلخص في الأتي( ): 

1ـ  إن البطلان يرد على الإجراء في ذاته، ولا يوصف به الحق، بينما السقوط يرد على الحق في مباشرة الإجراء ولهذا فإنه يمكن الكلام عن سقوط الحق في الإستئناف ولا يمكن وصف هذا الحق بالبطلان، وعلى العكس يمكن القول إن صحيفة الإستئناف باطلة ولكن لا يصح وصفها بالسقوط. 

2ـ الإجراء الباطل معيب بالضرورة، أما الإجراء الذي سقط الحق في مباشرته فهو في الغالب إجراء صحيح. 

3ـ البطلان لا ينتج أثره إلا إذا تقرر بحكم، أما السقوط فإنه يتم بقوة القانون. 

4ـ إن الإجراء الباطل يجوز تجديده طالما أن الحق في مباشرته مازال قائماً، أما السقوط فبإعتباره يفترض إنقضاء الحق في مباشرة الإجراء، فإنه لا يتصور معه تجديد ذلك الإجراء. 

5ـ يتصور البطلان كتكييف قانوني بالنسبة لكل الأعمال الإجرائية ولكن السقوط غير متصور بالنسبة لبعض هذه الأعمال: فلا يمكن تصور السقوط بالنسبة لأعمال القاضي ذلك أن السقوط يعني إنقضاء حق أي مصلحة قانونية، والقاضي ليس له مصلحة، ولهذا فإنه إذا حدد القانون ميعاداً لقيام القاضي بعمله ،فإن الغرض من هذا الميعاد يكون تنظيمياً لضمان حسن سير الإدارة الداخلية للعدالة ولا يجوز لأحد الخصوم أن يدعي سقوط حق القاضي في القيام بالعمل بعد إنقضاء الميعاد، ولنفس السبب لا يمكن الكلام عن السقوط  ولو تعلق الأمر بأعمال الخصوم، إذا كان الخصم مكلفاً بالقيام بالعمل خلال فترة معينة، كما إذا كلف الخصم مثلا بتقديم مستند. 


 

  تمييز البطلان عن عدم القبول


عرف عدم القبول بأنه: "جزاء إجرائي يرد على الدعوى الجنائية أو غيرها من طلبات الخصوم، إذا لم تستوف أحد شروط تحريكها وإستعمالها في بداية كل مرحلة من مراحل الخصومة"( ) . 

 فالإجراء ـ غير المقبول ـ هو في ذاته إجراء صحيح، ولكن لم تتوافر واقعة مستقلة عنه وسابقة عليه يعلق القانون عليها جواز إتخاذه، وأيضاً لا يعني أنه معيب، وإما يعني إنتفاء أحد المفترضات الإجرائية التي تطلبها القانون لجواز إتخاذه( ).

وعرف عدم القبول بأنه: " تكييف قانوني لطلب مقدم إلى المحكمة يؤدي إلى إمتناعها عن النظر في الإدعاء الذي يتضمنه الطلب"( ). كما عرف عدم القبول بأنه: "جزاء إجرائي يرتبه القانون على مخالفة أحكامه المتعلقة بشروط صحة نوع معين من الأعمال الإجرائية يسمى بالطلبات، ويترتب عليه بالإمتناع عن الفصل في موضوعها( )". 

من هنا نجد أن سبب البطلان وسبب عدم القبول واحد وهو عدم توافر شروط الصحة في العمل الإجرائي، لكن البطلان خطوة سابقة على عدم القبول بحيث إن كان الطلب المقدم لا تتوافر فيه الشروط المطلوبة حكم ببطلانه وقضى بعدم قبوله ( ) .

والدفع بعدم القبول هو وسيلة دفاع يرمي إلى إنكار وجود الدعوى فهو موجه إذاً إلى الوسيلة التي يحمي بها صاحب الحق حقه، وما إذا كان من الجائز إستعمالها، أم أن شرط الإستعمال غير جائز لعدم توافر شرط من الشروط العامة التي يتعين أن تتوافر لقبول الدعوى، أو لعدم توافر شرط خاص من الشروط المتعلقة بذات الدعوى المرفوعة( ). 

وإتساقاً مع ذلك فإن أغلب ما يرد " عدم القبول " إنما يرد على الدعوى وطرق الطعن فيها، ومثاله أن ترفع الدعوى دون تقديم الشكوى أو الطلب أو صدور الأذن في الحالات التي يتطلب القانون فيها ذلك، أو أن يرفعها المدعي المدني في حالة لا يجيز فيها القانون الإدعاء المباشر، أو أن يرد الطعن على حكم لا يجيز القانون الطعن فيه بهذا الطريق للطعن. وقد تكون الواقعة التي يعلق القانون" القبول " عليها ويقوم بها " المفترض الإجرائي " واقعة سلبية، كعدم إكتمال التقادم مدته كمفترض لقبول الدعوى، إذ يكون مؤدى إكتماله مدته أن تصير الدعوى غير مقبولة ( ). 


ومن أمثلة ذلك، ما نصت عليه المادة (25) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجزائية، على القضاة أو أعضاء النيابة العامة إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى .... ". ونصت المادة (26) من ذات القانون على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على أحد رجال الضبط القضائي أو موظف عام لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها إلا بإذن من النائب العام". كما نصت المادة (27) منه على أنه: " لا يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجزائية أمام المحكمة إلا بناءً على شكوى المجني عليه أو من يقوم مقامه في الأحوال التالية ......."( ). 

ويبدو أن الفرق بين عدم الجواز وعدم القبول أن الأول يستند إلى عدم توافر أحد الشروط المطلوبة في المحل الذي يرد عليه الاعتراض وهي الأحكام الشرعية، مثل الأحكام المؤقتة الغير منهية للدعوى والتي تهدف إلى وضع القضية في موقع معين اتجهت إرادة المحكمة إليه تمهيدًا لإصدار حكمها النهائي، أما عدم القبول فإنه جزاء إجرائي غالباً ما يكون سببه عيب يشوب الشق الإجرائي، كأن يقدم الاعتراض من غير ذي صفة أو من ليس له مصلحة( ). . 

 وهناك بعض القوانين الأخرى تعد الحرمان جزاء إجرائي مستقل بأن يحرم الشخص من القيام بعمل إجرائي لإتيانه سلوكا متعارضا مع الحق في مباشرة الإجراء، كحرمان المتهم من حقه في الدفع ببطلان أي إجراء حصل بحضوره ومحاميه دونما اعتراض منه في الجنايات والجنح، وحرمانه من حقه في الدفع في المخالفات إن لم يعترض على الإجراء حتى لو لم يكن معه محامياً( ). . 

ويلاحظ أن السقوط وعدم الجواز وعدم القبول والحرمان كلها جزاءات إجرائية متقاربة في آثارها المترتبة عليها، وهو عدم إمكانية القيام بالعمل الإجرائي ابتداء، فإن قام الشخص بالعمل الإجرائي فإنه يتعرض لجزاء إجرائي من نوع آخرهو البطلان، وذلك على الرغم من اختلافها في أسبابه، فإن سقط الحق في إجراء العمل لمضي مدته فإن الجزاء هو البطلان للسقوط، وإن غاب شرط للعمل الإجرائي الذي في صورة طلب فجزاؤه  البطلان لعدم القبول، وجزاء ممارسة العمل الإجرائي خلافا لأحوال حددها القانون هو البطلان لعدم الجواز، وقيام الشخص بسلوك متعارض مع حقه في مباشرة الإجراء يكون جزاؤه البطلان للحرمان.

وأخيراً فإن الفارق بين البطلان وعدم القبول يتجلى في كون البطلان هو جزاء إجرائي يترتب على قيام العمل الإجرائي بصورة معينة، فلدينا إذاً عمل إجرائي منجز، ولكن بطريقة مخالفة للقانون يتعين بطلانه، وبالإمكان تصحيحه وإعتماده، فصدور الحكم مشوباً بعيب من العيوب التي يترتب عليها البطلان يجعله قابلاً للنطق فيه، ومن ثم إبطاله وإعادة الإجراء بصوره صحيحة. ولا يمكن القول بعدم قبول الحكم المعيب بسبب بطلانه، إذ أن عدم القبول يترتب بمواجهة مشروع عمل إجرائي لم يكتسب صفة العمل الإجرائي بنتيجة ظهوره دون وجه حق مما يقتضي تجاهله إبتداءً وقبل الخوص في تفاصيله، فإذا ما تم رغم ذلك قبول هذا العمل فتقع باطلة ما تترتب عليه من نتائج. 

لذلك فعندما يترتب عدم القبول فإنه يترتب بغض النظر عن أي جزاء إجرائي آخر، فإقامة الدعوى مثلاً دون سبق تقديم شكوى أو دون الحصول على إذن في الحالات التي تتطلب أياً من هذين الإجراءين فيقتضي عدم قبول هذه الدعوى قبل البحث فيما إذا كان تعتريها سقوط أو بطلان( ).  

وعليه، فعدم القبول كجزاء إجرائي هو مستقل تماماً عن غيره من الجزاءات الإجرائية وهو موجه إلى نوع معين من التصرفات القانونية تكتسب صفة العمل الإجرائي إذا أستوفت شروط قيامها، لذلك نرى أنه إذا تقرر عدم قبول إجراء معين نتيجة لسقوط الحق في مباشرة هذا الإجراء، فإن عدم القبول في هذه الحالات لا يمثل جزاءً إجرائياً مستقلاً بل مجرد أثر من أثار السقوط( ) وهذه نتيجة منطقية تتمثل بعدم جواز مباشرة عمل إجرائي ما دون مسوغ قانوني. 

 

 تمييز البطلان عن الانعدا م


          من المعلوم أن أي إجراء أو تصرف  قانوني يجب أن تتوافر فيه مجموعة من المقومات أو الأركان ، فإذا أنتفى ركن من أركان هذا الإجراء فجزاء ذلك هو الإنعدام ، إذ أن العيب الذي لحق الإجراء لا يقتصر على نفي أحد شروط صحته، بل تجاوز ذلك إلى نفي أحد عناصره أو أحد مقومات وجوده مما يعتبر معه منعدماً، أي ليس له وجود قانوني( ). 

        وسيتم توضيح ذلك من خلال بحث مفهوم انعدام العمل الإجرائي، وأوجه التمييز بين الانعدام والبطلان، وماذا يقصد بالحكم الجزائي المنعدم؟ وذلك في ثلاث فقرات  على النحو التالي:


أولاً :   مفهوم العمل الإجرائي الجزائي المنعدم: 


"          أصل الكلمة عدِم ، وهي الفقد، ويقال قضى القاضي بإعدام المجر م: قضى بإزهاق روحه قصاصًا، والعدم ضد الوجود، والعدم الفقد، والمعدوم غير الموجود "( ). ويكاد يكون هناك تقارب بين أراء الفقهاء حول مفهوم الانعدام وهو أن الإجراء ا لمنعدم ليس له وجود قانوني،  سواء إ نعدم وجوده فعليا أو كان له وجود إنما شاب إحدى مقوماته البنائية عيباً  جعل وجوده كعدمه ، ويسمى هذا بالانعدام  القانوني، فالأساس في الانعدام هو الانعدام القانوني على افتراض أن الانعدام الفعلي أو المادي يقتضي الانعدام القانوني( ). 

       والانعدام هو عدم الصلاحية المطلقة للأعمال الإجرائية بأكملها للدخول في إطار رابطة إجرائية، ولايقتصرأثر الانعدام على عمل إجرائي معين بل يمتد إلى الرابطة الإجرائية أو مرحلة منها ولو اقتصر في مصدره على عمل إجرائي فقط( ) ، وهو جزاء إجرائي يصيب الإجراء لمخالفته القانون بصورة تفقده كل قيمته التشريعية أو القانونية( )..


ثانياً:  التمييز بين الانعدام والبطلان:


يمكن إيجاز بعض الفوارق بين الانعدام والبطلان على النحو التالي:  

  1- في الإ نعدام يكون الإفتراض قائما من الناحية النظرية على تخلف أحد المقومات الهامة لوجود العمل الإجرائي الجزائي، فلا يمكن تصور وجوده دون هذا المقوم، أما البطلان فقد يكون سببه وجود عيب جوهري أثر في أحد المقومات البنائية للعمل الإجرائي أو عيب جوهري أصاب أحد شروط صحته( )، فالعمل الإجرائي له جود قانوني، لكنه معيب بعيب جوهري أهدر صحته، أما الإجراء المنعدم فليس له وجود، سواءً كان اختفاؤه ماديًا أم فعلياً لعدم القيام بمباشرة ذلك الإجراء أصلاً، أو كان غيابه قانونياً لعيب جوهري أصاب عناصر إنعقاد الخصومة الجزائية الثلاثة وهي تحريك الدعوى ومباشرتها والمتهم والقاضي( ). 

2- الإ نعدام ليس له سند قانوني، بمعنى أن المشرع  لم ينص عليه ولم يحدد حالاته، خلافاً للبطلان الذي نص عليه وحدد بعض حالاته ووضع معايير أخرى يمكن الإ لتجاء إليها إن دعت الحاجة( )، وهناك من يرى أن عدم النص على الإ نعدام في قانون الإجراءات الجزائية لايعيبه لأنه أصبح نظرياً بناءً لفكرة منطقية فرضتها طبيعة  الوجود، فالإنسان لا يمكن أن نصفه بالصحة والمرض إلا إن كان موجودًا، ويقتضي ذلك أن يكون حيًا، فإن كان ميتًا فلايمكن أن نصفه بالصحة أو المرض بل بعدم الوجود أي الإ نعدام( ). .

3- ترتيباً على ما سبق فإن الإ نعدام تفرضه قوة القانون ولا يحتاج إلى تقرير قضائي به، فلا حاجة إلى أن نُقرر إعدام ما ليس موجوداً أصلاً، وبالتالي يمكن التمسك به بأي طريقة  كانت حتى بتجاهل صدور ذلك الإجراء، أما البطلان فلا يتقرر إلا بحكم قضائي( )، ويكون التمسك به من كل صاحب مصلحة أو لمن شُرعت القاعدة الإجرائية المخالفة لصالحه عن طريق الدفع بالبطلان أو الطعن بالأحكام، علماً بأن كلاً من الإنعدام والبطلان المتعلق بالنظام العام يمكن التمسك بهما من قبل صاحب المصلحة في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا، وللمحكمة أن تحكم بهما من تلقاء نفسها ولو لم يدفع بهما أحد الخصوم ولا يجوز النزول عنهما( ). 


ثالثاً:  الحكم الجزائي المنعدم:


       إن الحكم المُنعدم لا يحوز حجية الأمر المقضي به، أما الحكم الباطل فهو موجود إلا أن وجوده معيب بعيب جوهري أثر في أحد المقومات البنائية للحكم أو أحد شروط صحته وبالتالي يمكن أن يحوز الحجية( ) ، ويكون الحكم القضائي الجزائي منعدماً إذا صدر في إحدى الأحوال التالية( ):

1-  إذا صدر من شخص لا يتمتع بالولاية القضائية، كأن يصدره قاضي بعد إحالته على التقاعد. 

2-  إن صدر الحكم القضائي الجزائي بناءً على دعوى لم يتم تحريكها ورفعها بالطرق التي نص عليها القانون،  كأن ترفع الدعوى من شخص ليس له صفة.

3-  إن كان الحكم صادر بحق شخص غير موجود كأن يكون ميتًا، أو ضد متهم لا تجوز محاكمته، كمن سبق محاكمته عن نفس الدعوى المرفوعة ضده طبقا لقاعدة عدم جواز تعريض الشخص للعقاب  أو المساءلة العقابية عن الواقعة الواحدة أكثر من مرة، وأ صل هذه القاعدة في الشريعة الإسلامية( )   قول الرسول صلى الله عليه وسلم :   " من أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يرجع في شئ قد عفا عنه وستره، ومن أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب عليه فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده مرتين (  ) . 

 إذ ًا فالحكم المنعدم هو الذي لايمكن رأب  صدعه وإصلاح كيانه لإ نحلال أحد أركانه أو مقوماته ، لذا فمن الواجب أن يصدر الحكم من محكمة تابعة لجهة قضائية ، وأن تكون هذه المحكمة متمتعة بسلطة قضائية، وأن يصدر الحكم بشكل يثبته أي أن يكون مكتوبًا( ). .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني