بيع ملك الغير في القانون المدني اليمني دراسة مقارنة


بيع ملك الغير في القانون المدني اليمني دراسة مقارنة



عبد الكريم أحمد علي المرتضى جامعة عين شمس الحقوق القانون المدني الدكتوراه 2006

 

                                                " في البداية كان لابد من إيضاح موضوع البحث نظراً لتعدد وقوعه وشيوع ظاهرة التعدي على ملك الغير ، والأسباب التي أدت إلى تفاقم هذه المشكلة وخصوصاً في اليمن، ومنها غياب نظام التوثيق الرسمي في الماضي ، وتضارب النصوص حول حجية التسجيل في السجل العقاري ، والبقاء في الشيوع لأجيال متعاقبة ، وكذا عدم اعتراف القانون المدني اليمني بنظام التقادم المكسب للحقوق وعدم الأخذ بقاعدة الحيازة في المنقول بسند صحيح سند الملكية ، كما أن القانون المدني اليمني لم يعول على الظاهر كسبب من أسباب كسب الملكية .

وللأسباب السابقة تظهر أهمية بيان أحكام بيع ملك الغير ، وبيان الآثار المترتبة على العلاقة بين البائع والمشتري ، وبينهما والمالك الحقيقي لذلك تم اختيار موضوع (بيع ملك الغير في القانون المدني اليمني– دراسة مقارنة ).

خطة البحث:

مقارنة القانون المدني اليمني بالقانون المدني المصري بحكم مالهذا الأخير من عراقة شرعية وفقهية مع تطبيقاته القضائية مع الإشارة إلى القانون الفرنسي الذي يعتبر من أهم المصادر التي أخذ عنها القانون المصري، وبإعتبار أن أحكام الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في القانون المدني اليمني المادة (1) فقد أشار الباحث بصورة موجزة إلى الآراء الفقهية في الشريعة الإسلامية.

وقد بدأ الباحث دراسته هذه بالفصل التمهيدي موضحاً فيه تعريف البيع في القانون المدني والفقه الإسلامي ، وكذا التطور التاريخي لانتقال الملكية بالبيع. وتبين أن المشرع اليمني قد ساير ما درجت عليه التشريعات الحديثة فيما يخص نقل الملكية باعتبار العقد في القانون المصري واليمني مصدراً من مصادر اكتساب الحقوق العينية الأصلية على الشيء ، سواء كان هذا الشيء منقولاً أو عقاراً حيث قضت كل من نصوص القانون المدني المصري واليمني على انتقال الملكية وغيرها من الحقوق العينية في المنقول والعقار متى ورد على محل مملوك للمتصرف به مع مراعاة نقل ملكيته المنقول الذي لم يعين إلا بنوعه فأن الملكية لا تنتقل إلا بالإفراز.

أما أذا كان الشيء المراد نقل ملكيته معيناً بالذات ومملوكاً للبائع فإن الملكية في هذه الحالة تنتقل بحكم القانون بمجرد التعاقد وذلك دون إخلال بقواعد التسجيل التي يتطلبها القانون في حالة بيع العقار .

الباب الأول :-

وقد تناول الباحث في الفصل الأول منه شروط بيع ملك الغير ، وما يخرج عن نطاق بيع ملك الغير، وتتلخص هذه الشروط في أن يكون العقد بيعاً ناقلاً للملكية، وأن يكون المبيع موجوداً ومعيناً بالذات يوم إبرام العقد ، وألا يكون المبيع مملوكاً لأي من البائع أو المشتري ويستخلص ذلك من نص المادة (466) مدني مصري ، وتبين من ذلك خروج بعض التصرفات من نطاق بيع ملك الغير ومنها بيع الشئ المعين بنوعه، بيع الشئ المستقبل، البيع المعلق على شرط تملك البائع للمبيع، التعهد عن الغير.

وفي الفصل الثاني من الباب الأول أشار الباحث إلى علاقة بيع ملك الغير ببعض التصرفات ومنها:-

- حالة تصرف الشريك في كل المال الشائع، فقد أورد الباحث اختلاف الفقهاء ويمكن إيجاز ذلك بالآتي:ـ

البعض فرق بين المشتري حسن النية والمشتري سيء النية ، فإن كان المشتري يجهل أن البائع لا يملك كل المبيع فاللمشتري طلب أبطال البيع على أساس الغلط في صفه جوهرية في الشيء ، أما إذا كان المشتري يعلم أن البائع لا يملك كل المبيع فإن البيع بين طرفيه صحيح وموقوف على نتيجة القسمة ، فأن حصل المتصرف على المال كله بطريق التصفية فإنه يستقر حق  المتصرف إليه في هذا المال أما إذا حصل كل شريك على نصيبه فإن بيع الشريك لا يكون نافذا إلا في حدود نصيبه فقط ، ويكون للمشتري الرجوع على البائع على أساس عدم تنفيذ ما ألتزم به.

ويرى آخرون أن بيع الشريك لكل المال الشائع يعتبر صادراً من غير مالك بالنسبة إلى ما زاد على حصته ، ويكون قابلاً للإبطال فيما بين طرفيه طبقاً لحكم  المادة (466) مدني مصري.

- وفي علاقة بيع ملك الغير بتصرف الشريك لحصة مفرزة. بين الباحث حكم هذا التصرف قبل وقوع القسمة وبعد وقوعها وما نشأ من خلاف فقهي في هذا الشأن.

وبعد المقارنة بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون المدني ، فأن الباحث قد رجح القول بوقف التصرف على إجازة الشركاء سواء فيما يملك البائع أو فيما لا يملك عند بيع الشريك لجزء مفرز من المال الشائع ، ذلك أنه لا يترتب أي أثر لا فيما بين المتعاقدين ولا بالنسبة للشركاء الآخرين ويكون من حق المتصرف والمتصرف إليه فسخه ، فإذا فسخ زال وأعتبر كأن لم يكن ، وإذا لم يتم فسخه منهما فيكون  للشركاء الآخرين إجازة التصرف أو رده ، فإذا ردوه زال وأعتبر كأن لم يكن، وإذا أجازوه اعْتُبِرَ تصرفاً صادراً منهم جميعاً ، وأعتبر المتصرف وكيلاً عنهم ونفذ التصرف في حقهم وحق المتصرف له ، وبهذا يغني سائر الشركاء عن المطالبة بأخذ الحصة المبيعة بالشفعة ، أو المطالبة باستردادها كما يغني المشتري نفسه عن رفع دعوى الإبطال على أساس الغلط أو على أساس أن البائع الشريك قد باع ما لا يملك.

كما أن فكرة الوقف تهدف إلى حماية الشركاء من تصرف شريكهم ويمنع الضرر عنهم وخصوصاً إذا كان المبيع مما ليست قسمته إفرازاً.

- مجاوزة الوكيل لحدود الوكالة وعلاقته ببيع ملك الغير. الأصل أن يلزم الوكيل حدود وكالته كما رسمها القانون أو الاتفاق ، فإذا جاوز الوكيل الحدود المرسومة له لم يعد نائباً ولم ينصرف أثر العقد إلى الأصيل.

فإذا أقره الأصيل فأن التصرف يكون نافذاً في مواجهته ، ومن تعاقد مع النائب من وقت التعاقد لا من وقت الإجازة أو الإقرار ، أما إذا لم يقر الأصيل تصرفات النائب فإن النائب في حين مجاوزته لحدود النيابة لا تكون له ولاية في التصرف ، فإذا تصرف كان في مركز البائع لملك الغير.

الفضالة والفضولي في القانون والشريعة الإسلامية وعلاقتها ببيع ملك الغير:-

-              الفضالة في القانون هي أن يتولى شخص عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص أخر دون أن  يكون ملزماً بذلك ، كما عرفتها المادة (188). مدني مصري.

-              أما في الشريعة الإسلامية فقد عرفت المادة (112) من مجلة الأحكام العدلية أنه ( من يتصرف في حق الغير بدون أذن شرعي )

وقد عرف القانون المدني اليمني الفضولي بأنه ( من يبيع ملك غيره دون توكيل أو ولاية ) المادة (467) مدني يمني. وهو ما يقابله في القانون المصري (التصرف في ملك الغير ) لذلك فإن الباحث قد عقد المقارنة مع التقنين المدني المصري بخصوص بيع ملك الغير ضمن المواد التي نظمها المشرع المصري في القانون المدني في المادة (466) وحتى (468) مدني مصري.

الباب الثاني : أحكام بيع ملك الغير :-

لكون البطلان المنصوص عليه خارجاً عن القواعد العامة والمألوفة ، فقد تناول الباحث في الفصل الأول من هذا الباب اختلاف فقهاء القانون في نوع البطلان (أي الجزاء الذي يلحق ببيع ملك الغير).

وبسبب الانتقادات التي وجهت للآراء التي حاولت تلمُس الأساس لبطلان بيع ملك الغير في القواعد العامة ، فإن أغلب الفقه اتجه إلى القول بأنه بطلان من نوع خاص بنص خاص أنشاه المُشَرِع لمصلحة قَّدرها؛ وهي مصلحة المشتري ، وجعل له الحق في طلب إبطال البيع أو إجازته ، وكذا مصلحة المالك الحقيقي بعدم نفاذ هذا البيع في حقه إلا بعد إقراره له.

فهو ذا طبيعة خاصة ، فهو قابل للإبطال لمصلحة المشتري وغير نافذ في حق المالك الحقيقي إلا بإقراره له .

-              وكما سبق فإنه بمجرد ثبوت عدم ملكية البائع للمبيع فأنه يحق للمشتري طلب الإبطال سواء كان يعلم وقت البيع بعدم ملكية البائع أو لا يعلم بذلك.

-              أما إذا كان حسن النية فله بالإضافة إلى ذلك الحق في مطالبة البائع بالتعويض وأساس مسئوليته عن التعويض هو الخطأ التقصيري فيحصل على تعويض كامل يشمل ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب.

-              ويسقط حق المشتري في طلب إبطال العقد بسقوط الدعوى بالتقادم ، أو إجازة المشتري للعقد ، أو تملك المشتري المبيع بالحيازة في المنقول، أو بالتقادم المكسب الطويل أو القصير في العقار، كما يسقط حق المشتري في طلب الإبطال اذا تملك البائع المبيع  بعد العقد، أو أقَّر المالك الحقيقي البيع.

-              ومن خلال الدراسة عرفنا أن بيع ملك الغير يقابله في الشريعة الإسلامية بيع الفضولي ، والفضولي هو من يتصرف في ملك غيره بدون إذن شرعي.

وقد تبين أن العقد الموقوف معترف به لدى غالبية الفقه الإسلامي، وقد اعتبر القانون المدني اليمني العقد الموقوف قسم من أقسام العقد الصحيح (لمادة 143) مدني يمني.

إلا أنه قد تمر فترة زمنية بين انعقاد العقد الذي أجراه بائع ملك الغير وبين إعلان المالك، أو من له حق الإجازة عن إرادته بالإجازة أو الرفض ، وأمام هذا الوضع غير المستقر - خاصة أنه ليس له زمن معين - فلا يكون أمام المتعاقدين إزاء هذه الحالة غير المستقرة ، إلا أن يتخلصا من العقد بالفسخ . ولكن هل يسقط حق المشتري في الفسخ ؟

تناول الباحث الحالات التالية :-

حالة  تملك البائع للمبيع قبل الإجازة: بين الباحث اختلاف فقهاء الشريعة الإسلامية في هذه الحالة، ولم يشر القانون اليمني إلى هذه الحالة ، وقد رجح الباحث الرأي القائل بنفاذ العقد الموقوف واعتبار بيع ملك الغير بيعاً صحيحاً إذا ملك البائع الشيء المبيع- أياً كان سبب الملك .

تملك المشتري للمبيع بالحيازة :-

لم يحذُ المُشَرِع اليمني حُذْوَ المُشرع المصري في نقل قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز إلى مجموعته المدنية ، وهذا الموقف منه يتسق مع موقفه من دور الحيازة بصفة عامة، فالحيازة في القانون المدني اليمني لا تعدو أن تكون مجرد دليل على الملك لا سبباً له ، ولذلك فهو لم يضع الحيازة بين أسباب كسب الحق، ونص على ما استقر عليه الرأي الغالب في الفقه الإسلامي من أن الحيازة الممتدة لفترة من الزمن مع توافر شروط معينة تؤدي إلى عدم سماع الدعوى وهذا الحكم ينطبق على العقار والمنقول دون تفرقه ، وهذا ما تقضي به المادة (118) مدني يمني .

وإذا كان المشرع اليمني قد استقى هذا الحكم مما استقر عليه الرأي الغالب في الفقه الإسلامي، إلا أنه لم يضع في الاعتبار عند وضعه النصوص الطبيعة  الخاصة للمنقول ، والذي كان يمكن أن يخصه بأحكام تتفق مع طبيعته على الأقل من حيث المدة التي لا تسمع بعدها الدعوى .

كما تناول الباحث حالة موت المالك الحقيقي قبل الإجازة وانتقال الحق في الإجازة إلى الورثة.

وقد بين الباحث اختلاف الفقهاء في هذا الصدد، ورجح الرأي القائل بأنه: يمكن أن تنتقل الإجازة للوارث بدليل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال (من ترك مالاً أو حقاً فلورثته) ووجه الاستدلال أن لفظ الحديث عام يطلق على كل حق وكل مال ، وحق الإجازة من الحقوق التي لها شبه بالمال ومتعلق به .

وهو ما اتجهت إليه التقنينات الحديثة، ومنها القانون المدني المصري في المادة (145) ولم ينص القانون المدني اليمني على هذه الحالة ، ولكن يمكن أن يستنتج ذلك من خلال نصه على توريث الخيار في المادة (229) مدني يمني.

وبعد أن بيَّن الباحث فيما سبق المقصود ببيع ملك الغير وبيان شروطه وتحديد نطاقه وحكمه ، انتقل الباحث في الفصل الثاني إلى الآثار المترتبة على بيع ملك الغير ، ولتوضيح ذلك تناول الباحث آثار رفض الإجازة في الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني ، وعدم إقرار المالك الحقيقي للعقد في القانون المدني المصري ، وآثار تحقق الإجازة وإقرار المالك الحقيقي للعقد، والعلاقات القانونية التي نشأت عنها، وكما كان واضحاً أن رفض الإجازة يؤدي إلى زوال التصرف، وأنه بزوال التصرف تزول آثاره ويجب إعادة الحال إلى ما كان عليه، ورد كل شخص ما تسلمه. والواقع أن تحقيق ذلك يواجه صعوبات كثيرة ، وقد يبدو الأمر ميسوراً إذا لم يرتب أي أثر ، ولكن قد يقوم العاقدان بتنفيذه فتنشأ عن هذا التنفيذ – لا عن التصرف – علاقات قانونية والتزامات تعالجها أحكام الغصب والضمان للحفاظ على حقوق المالك ، وتنظيم العلاقة بين الأطراف ومعرفة حق كل طرف.

إلا أن القانون المدني اليمني لم ينظم حالة رفض إجازة بيع ملك الغير من قبل المالك وآثار هذا الرفض ، ومع أنه يمكن سد هذا النقص بالرجوع إلى الفقه الإسلامي باعتباره المرجع في تفسير نصوص القانون استناداً للمادة (18) مدني يمني، إلا أن الأفضل ألا يغفل القانون هذا التنظيم.

وقد تناول الباحث آثار رفض بيع ملك الغير – بالتفصيل – بالنسبة للعلاقة بين المالك الحقيقي وغيره من الأطراف ، وبالنسبة لأطراف التصرف وبالنسبة للغير– ومن خلال ذلك يمكن أن نشير إلى الملاحظات التالية:-

-              توسع الفقه الإسلامي – وتبعاً له القانون المدني اليمني – في حماية المالك الذي بِيِعَ ماله دون إجازة منه، حيث أجاز له أن يرجع إلى أي شخص وضع يده على العين لاستردادها منه أو تضمينه بدلها - إن كانت قد هلكت أو تعذر ردها – ولو كان حسن النية ، فحسن نية الحائز لا يجديه في مواجهة المالك، وإن كان قد ينفعه في الرجوع على البائع، وتعدد الضامنين على هذا النحو يحقق ضماناً أكبر للمالك ويتيح له اختيار أكثر الأشخاص ملاءمة وقدرة على أداء الضمان.

إلا أنه قد يحد من هذه الحماية في  القانون المدني المصري الآتي :-

أن المالك لا يتمكن من استرداد العين إذا أكتسب الحائز ملكيتها بالتقادم الخمسي في العقار، أو بموجب قاعدة الحيازة في المنقول، كما أنه لا يستطيع المالك – إذا هلكت العين – الرجوع إلى الحائز حسن النية إلا بمقدار ما عاد على الحائز من فائده بسبب هذا  الهلاك .

كما تناول الباحث آثار تحقق الإجازة في الفقة الإسلامي والقانوني المدني اليمني ، وآثار إقرار بيع ملك الغير في القانون المدني ، والعلاقات المختلفة التي نشأت عنه، وقد تبين أنه إذا تحقق صدور الإجازة ممن له الحق فيها ، فإنها تحفظ العقد وتجعله يَلزَم ويستقر بصفة باتة ونهائية، وأن الإجازة عبارة عن رضاء لاحق ، تؤدي إلى إسقاط الحق الذي يمنع العقد من النفاذ ، فيزول المانع وتترتب آثاره، وقد تم بحث الآثار المترتبة على الإجازة والإقرار ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى الآتي:-

-              أن إجازة عقد البيع من قبل المالك تجعله ينفذ بأثر رجعي يعود إلى تاريخ إبرام العقد.

-              أن العلاقات القائمة بين الأطراف بعد إجازة العقد من قبل المالك تنظم بموجب قاعدة ( الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ) ويصبح العقد المجاز كأنه موجود، وبذلك يصير البائع وكيلاً تطبق عليه أحكام الوكالة.

-              اختلف الفقه القانوني في مدى آثار الإقرار بالنسبة للمالك ، وفي الأثر الرجعي للإقرار على النحو المفصل ضمن الدراسة وقد ترجح أنه بمجرد إقرار المالك الحقيقي للعقد فإنه ينفذ في حقه بأثر رجعي يعود إلى تاريخ إبرامه ، على ألا يضر هذا الأثر بحقوق الغير المكتسبة في الفترة بين إبرام العقد والإقرار ، ويصبح المالك ( المقر) طرفاً متأخراً في العقد ، ويصير البائع نائباً عنه ، وتنظم العلاقة المختلفة الناشئة عن العقد على ضوء ذلك .

وفي دراستنا لأحكام المالك الظاهر: تناول الباحث المقصود بالظاهر، وأساسه القانوني، وشروط تحققه.

أما عن موقف المشرع المصري واليمني من المالك الظاهر فإن الباحث قد أورد بعض التطبيقات التي يرى البعض أنها تعد تطبيقات لنظرية الملكية الظاهرة ومنها المادة ( 17 /2) من قانون الشهر العقاري المصري رقم 114 لسنة 1946، والمادة 45 من القانون رقم 77 لسنة 1963 بشأن المواريث المصري ، المادة (120) من القانون رقم (20) لسنة 1992م بشأن الأحوال الشخصية اليمني الخاص بالمفقود المادة 244 مدني مصري المادة (183) مدني يمني الخاص بالصورية، والمادة (332) مدني مصري ، المادة (404) مدني يمني، المتعلقة بالوفاء لمن كان سند الدين في حيازته.

والملاحظ أن النص الذي يعتبر تطبيقاً واضحاً لنظرية الوضع الظاهر هو نص المادة (45) من قانون المواريث المصري، المادة (120) من قانون الأحوال الشخصية اليمني الخاص بالمفقودة، أما بقية النصوص فإنها لا تعد تطبيقاً لنظرية الوضع الظاهر؛ لأن المشرع لم يتطلب لتطبيق تلك النصوص ضرورة توافر الاعتقاد الشائع بمطابقة المظهر للحقيقة ، وإنما المُعتَبر في تلك النصوص هو حسن النية.

وعن موقف الفقه و القضاء في مصر، فإن البعض يرى اقتصار مجال نظرية الأوضاع الظاهرة على تطبيقاتها الواردة في التشريع وأن ما ورد فيه نص لا يعد مبدأ عاماً وإنما مجرد استثناء لا يجوز التوسع فيه، وذهب جانب آخر من الفقه إلى أن نظرية الوضع الظاهر تعد قاعدة عامة لا يقتصر تطبيقها على ما ورد فيه نص وإنما تطبق في كل موضع توافرت فيه شرائط إعمالها.

وذهب رأي ثالث إلي أن هذه النظرية لا مجال لإعمالها إلا في حدود الإدارة فقط، وهو ما يتفق مع التطبيقات القضائية الصادرة من محكمة النقض المصرية، والتي صدرت في شأن أعمال الإدارة فقط، وهو الرأي الذي يرجحه الباحث.

وإذا كانت فكرة الوضع الظاهر الشائعة في فرنسا - وأخذ بها جزئياً المشرع المصري والتي تهدف إلى حماية الغير الذي تعامل بحسن نية مع صاحب الوضع الظاهر- فإن بعض الفقه الإسلامي قد أورد وسائل مشابهة لحماية المشتري من المالك الظاهر ، وقد تناول الباحث في هذا الصدد:

 

التملك بمقتضى عقد فاسد في الفقه الحنفي، وفوات العقد الباطل لدى (المالكية)

وكذا قاعدة ""كسب الملكية بالضمان"" في الفقه الحنفي.

ولم يأخذ القانون المدني اليمني بما ذهب إليه (الحنفية) من صحة تصرف المشتري في المبيع إلى شخص آخر بمقتضى عقد فاسد، أو بفكرة التملك بالضمان في الفقه الحنفي ، وهو ما أكدته المادة (1135) مدني يمني، التي تنص على أنه (لا يملك الغاصب ما اشتراه بالعين المغصوبة أو بقيمتها، وكذا المادة (1449) مدني يمني، التي تنص على أنه ""لا يجوز عوض العين المغصوبة عنها إن كانت باقية ويعتبر قبول المالك للعوض عنها بيعاً منه يخضع لأحكام البيع"" كما أن القانون المدني اليمني لم يأخذ بفكرة فوات العقد الباطل لدى المالكية لعدم وجود نص بشأنها.

توصيات البحث

وبعد الانتهاء من خاتمة البحث - والتي تضمنت النتائج الكلية لموضوع البحث- يمكن استخلاص بعض التوصيات، والتي توصلتُ إليها، وأهم هذه التوصيات ما يلي:-

أولاً: أوصى المُشرع المصري - مع من سبقني من الباحثين - بتبني فكرة العقد الموقوف المأخوذ بها في الفقه الإسلامي وإحلالها محل العقد القابل للإبطال ، ذلك أن نظرية العقد الموقوف قد عالجت جميع المسائل التي يمكن أن يثيرها بيع ملك الغير، ووضعت لها أحكاماً، كما قررت للمالك الحقيقي الحماية الكافية ووفرتها له منذ البداية بجعلها العقد موقوفاً ، إن أجازة المالك رتَّب آثاره من تاريخ صدوره وإن لم يُجِز لم يرتب أي أثر، بينما القانون لم يوفر هذه الحماية منذ البداية وذلك بجعله بيع ملك الغير قابلا للإبطال، والعقد القابل للإبطال ينتج أثارة إلى أن يطالب بإبطاله، وقد أحسن المشرع اليمني في أخذه بنظرية العقد الموقوف واعتبار بيع  ملك الغير موقوفاً على إجازة المالك.

إلا أن المشرع اليمني لم ينظم حالة عدم إقرار المالك الحقيقي للعقد (رفض الإجازة ) من قِبَل المالك، ولم يبين آثاره خصوصاً إذا كان العاقدان قد قاما بتنفيذه؛ لذلك فأني أوصي المشرع اليمني بتنظيم هذه الحالة .

كما أوصى المشرع اليمني بإضافة نص يحدد فيه مدة لإجازة العقد الموقوف.

ثانياً: ومن التوصيات التي يمكن أن تحد من التصرف بالبيع لملك الغير الآتي:

1.            تصحيح نص المادة (338) من القانون المدني اليمني المتعلقة بنقل الملكية العقارية منعاً لتضارب النصوص، وإزالة اللبس لدي قضاة المحاكم، والربط ما بين انتقال الملكية واستلزام التسجيل في السجل العقاري.

فبدلاً من صياغة الفقرة الأخيرة من المادة السابقة (ولا تخل بذلك القواعد المتعلقة بنظام ملكية الأموال الثابتة "" العقارات"" التي تقررها الدولة؛ كالتسجيل وغيره، تصحح بالآتي (ولا يخل ذلك بالقواعد المتعلقة ... الخ) .

2. منعاً للبقاء في الشيوع لأجيال متعاقبة ، فإني أوصي المشرع اليمني بإضافة نص تشريعي يحدد مدة معينة للبقاء في الشيوع، أو قسمة المهايأة المكانية ولتكن خمس سنوات أسوة بما جاء به المشرع المصري ، على أن يسمح بتجديدها إذا اقتضى الأمر ذلك .

3. يتلخص موقف القانون المدني اليمني من دور الحيازة في المنقول في أن: القاعدة العامة فيه أنه لا تسمع دعوى الملك على الحائز بعد مُضِّي مدة من الزمن؛ إذا توافرت شروط الحيازة التي يقرها القانون دون تفرقة بين العقار والمنقول، وهذا ما تقضى به المادة (1118) مدني يمني، التي تنص على أنه ""لا تسمع دعوى المِلك من حاضر على ذي اليد الثابتة ... وذلك بعد مضي ثلاثين سنة من يوم وضع اليد عليه ... الخ"".

لذلك فإني أوُصي بأن يضع المشرع اليمني أحكاماً تتفق مع طبيعة المنقول من حيث المدة التي لا تُسمع  بعدها الدعوى.

المراجع التي رجع إليها الباحث كما هو موضح ضمن البحث( )"

    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريمة خيانة الامانة في القانون اليمني

إستئناف قرارات النيابة العامة

قــرار جمهوري بقانون رقم (14) لسنة 2002م بشــأن قانون مدني